العمرانالتاريخ

الخط العربي: حكاية حضارة نشأت بين ثنايا الحروف

المقدمة:

من خلال هذه الرحلة، سنرصد ست مراحل لتطور الخط العربي، حتى وصل إلى مرحلته الحالية.

حيث سيتجلى لنا بوضوح، ذلك الارتباط الوثيق، بين الحضارة الإسلامية، والخط العربي، بل، سيتبين لنا، كيف نشأت تلك الحضارة بين ثنايا هذه الحروف، وهو ما تتميز به هذه الحضارة عن غيرها من بقية الحضارات الإنسانية، كما يتميز به الخط العربي عن غيره من الخطوط العالمية الأخرى.

يطبيعة الحال نحن ننطلق من معطى علمي واضح، مفاده: أن الخط العربي هو خط توفيقي تبعا لطبيعة اللغة التوفيقية، أي أنه قد خضع لنفس القوانين التي سرت على بقية الخطوط، وظيفيا وجماليا، لكن هذا الخط ربما كان له الحظ الأوفر من دقة التقنية، وروعة الإبداع. فجاء على قدر ليخدم الكتاب، ثم لينشئ أمة أمية لم تكن ذات باع كبير في مجال الحضارة، لتحتل به ريادة الحضارات في سنوات قليلة، دامت قرون عديدة

  1. من الرسم إلى الحرف:

من مرحلة ما قبل التاريخ إلى أواسط القرن السابع الميلادي:

منذ أن ظهر الإنسان فوق الأرض، لازمه الخوف، من أن يأتي عليه حين من الدهر، لن يكون فيه شيئا مذكورا. فعمد إلى تخليد ذكراه، ضد الموت والنسيان، بكل الطرق التي اهتدى إليها سبيلا.

وتطورت رسوماته ورموزه، عبر آلاف السنين، لترصد لنا خطواتُه على الجغرافيا، نقوشا غائرة فوق جبين التاريخ.

تكشف لنا آخر التنقيبات، أن أقدم الآثار المرسومة، التي خلفها الإنسان، توجد في جنوب فرنسا، حيث مغارة شوفي، والتي ضمت، رسومات ترجع إلى ثلاثمائة وثلاثين قرنا قبل الميلاد.

هناك نجد، مائة وعشرين رسما، يمثل خيولا ودببة، وماموت وأسودا.

من بين لغات العالم، تصنف اللغة العربية، ضمن اللغات السامية، والتي سادت، في منطقة حضارة مابين النهرين، وشبه الجزيرة العربية، وشمال إفريقيا. وقد انتشرت تبعا لحركات الهجرة التي قامت بها تلك الشعوب.

فاستعارت اللغات السامية رموزها، من العديد من كتابات الحضارات المجاورة. من سومرية وفرعونية وكنعانية، وكذا أكادية وفينيقية وآرامية، وقد تنوع وتطور خطها عبر الأزمان.

الهيروغليفية، هي إحدى الكتابات التي مثلت رافدا غير مباشر للكتابة العربية.

ففي مدينة النوبة جنوب مصر، عرفت الإنسانية أولى محاولات التدوين المكتوب، وذلك منذ بداية الألفية الرابعة قبل الميلاد، عن طريق الرموز الصورية الصرفة، والتي اعتمدها الفراعنة،  لتدوين صلواتهم ومعاركهم، وكذا محاصيلهم الزراعية وعقودهم التجارية. فكانت الكتابة الهيروغليفية،  خطا رسميا للبلاط الملكي.

  وأما النقش الفرعوني الأهم ، والذي مثل مفتاحا لحل رموز الكتابة الهيروغليفية، فهو النقش المسمى:

“حجر رشيد”.

هذا التقدم الهائل في اللغة، مثلته كل من الكتابة السومرية، والهيروغليفية قبلها، وذلك بتطويرهما للرموز من الصورية الصرفةـ إلى أشكال صورية رمزية. وبذلك، وجدنا، في مدينة أور بالعراق، مدينة إبراهيم الخليل عليه السلام، أقدم وثيقة مكتوبة تم العثور عليها، وتمثل هذه الوثيقة تسجيلات لبعض المحاصيل الزراعية. وترجع إلى أواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد. وقد رسمت رموزها بواسطة قلم الصمة، على لوح طيني مبلل، بلغة  سومرية. حيث كان الرمز يشير إلى صورة الشئ،  أو ما يقارب هذا الشء في الشكل: فدلت مجموعة من النجوم مثلا، على الليل، والسنبلات على القمح، كما أشارت السمكة على نفسها.

ليدل النقش برمته على العبارة التالية: “بالليل، سأسلمك القمح والسمك”.

ويعتقد العديد من العلماء، أن صحف إبراهيم عليه السلام، المذكورة بالقرآن الكريم، قد كتبت على ألواح طينية، بنفس الكتابة السومرية  وبالطريقة المسمارية. وهي الطريقة نفسها التي دون بها قانون حمو رابي خلال القرن الثامن عشر قبل الميلاد.

وفي مرحلة تالية، ظهرت الكتابة الأوغاريتية بمدية آرام، خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وهي الكتابة التي مهدت فيما بعد، للكتابة الفينيقية.

كان الفينيقيون شعب تجارة، فيما كانت الهيروغليفية كتابة صورية، ولذلك لم تسعفهم في التدوين والتعامل التجاري. فلجأوا إلى الطريقة الاوغاريتية في تقسيم الخطوط، وبذلك كان لهم فضل ابتداع اول ابجدية في التاريخ، مكونة من اثنين وعشرين حرفا، مقابلا للنطق الصوتي للغتهم. وقد ساعدهم على انتشارها، اعتمادهم على ورق البردي، الذي كان سلعة يتاجرون بها، بين مصر و بلاد الإغريق وأوربا، كما كان، في نفس الوقت، حاملا للكتابة الفينيقية.

وفي بيئة رملية صحراوية قاحلة، سرعان ما تمحو فيها الرياح، ما نسج الرسم من الذكرى، فقد شغف الإنسان العربي بالرسم والآثار. ولذلك، فلا عجب أن يبكي امرؤ القيس، في مطلع معلقته منشدا:

قِفَا نَبكِي مِن ذِكرَى حَبِيب وَمَنزِلِ                        بِسِقط اللِوَا بين الدَخول فَحَومَل

فتُوضِح فالمِقراةُ لَم يَعفُ رَسمُها                         لَما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمأَل

كانت اليمن هي مركز الحضارة بالجزيرة العربية، وقد ربطتها علاقات تجارية مع فنيقيي الشام، فأخذت عنها خط الكتابة، وسيلة لتوثيق المعاملات التجارية، ثم اعتمدت خطا خاصا، سمي بالخط المسند، لاستناد حروفه بعضها على بعض.

بناء عليه، يعتقد أن المراسلة الجوابية التي كانت من الملكة بلقيس للنبي سليمان عيه السلام، خلال القرن العاشر قبل الميلاد، كانت بالخط المسند. وذلك قبل أن يتم اعتماد خط جديد في الشمال، لدى المناذرة والغساسنة.

من ضمن الروايات المرجحة لدى العديد من العلماء، أن تاجرا عربيا ، من دومة الجندل، يدعى بشر بن عبد الملك، كانت له علاقات تجارية مع الشام. . وأنه كان يأتي الحيرة، فيقيم بها حينا من الدهر، فتعلم بها خط الجزم،  ثم اعتمده  في تعامله مع تجار دومة الجندل، التي كان يحكمها أخوه الوالي الغساني  عبد الملك الكندي. وأنه حين أتى مكة في بعض شأنه، رآه يكتب، كل من سفيان بن أمية، وأبو قيس بن عبد مناف، فسألاه أن يعلمهما الخط ، فعلمهما الهجاء، فكتبا.
ثم إن ثلاثتهم، قد أتوا الطائف في تجارة لهم، فصحبهم غيلان بن سلمة الثقفى، فتعلم الخط منهم .
وفارقهم بشر ومضى إلى ديار مضر فتعلم الخط منه عمرو بن زرارة، فسمى عمرو الكاتب .

من الشخصيات التي خلد النقش ذكراها، فهر بن سليمان، مربي الملك جذيمة الأبرش، وقد نقش على شاهد قبره بام الجمال:

“هذا قبر فِهر بنِ سليمان، مُرَبي جُذيْمة، ملك تنوخ”    

ويعتبر نقش ام الجمال، أقدم نقش عربي مكتشف لحد الآن، ويرجع إلى القرن الثالث الميلادي، وهو مكتوب بلغة عربية قديمة، وبحروف عربية نبطية متأخرة.

وإذا اتجهنا إلى النمارة، بالشام، فسنجد شاهد قبر آخر، يرجع إلى بداية القرن الرابع الميلادي، وهو للملك المنذري امرؤ القيس، وقد دون عليه:

“هذا قبر امرؤِ القيسِ بنِ عمرو، مَلكِ العربِ كُلهم، حاز التاج، ومَلَكَ الأَسَدَينِ ونِزارًا ومُلوكَهم. هَزَمَ مَزْحَجَ بِقُوته، وجاء إلى نَزْجِي في حَبَجِ نجران، مَدْيَنَ شَمَر، ومَلَكَ مَعَدا، وأَنْزَلَ بَيْنَ بَنِيهِ الشعوب، و وَكلَهُ الفُرْسُ و الروم، فَلَمْ يَبْلُغْ مَلِكٌ مَبْلَغَهُ في الْحَوْل. هَلَكَ سَنَةَ مائتين، يومَ سَبْعة أَلُول، لِيَسْعَدَ مَنْ خَلفَهم مِنْ بَعْده.”

وقد كتب هذا  النقش بلغة عربية آرامية، وخط آرامي نبطي. 

نقش جبل الرم، يمثل خروجا، عن مضامين التمجيد التي ألفناها في بقية النقوش الأخرى، فهو عبارة عن تشهير على باب المعبد، بشخص قام بعمل شنيع، حيث يقول:

“عَلِيٌ الْخُلَيْصي بنُ المُبارَك، حَبِيبُ عِز، أَم اللمة، سَطَا وَكُوفِئَ…”

وهنا تظهر بدايات الخط المسند، قبل أن يقوم ويعدل.

وحينما أتم خمس رجال، بناء كنيس، بتلة زبد، جنوب حلب، ، آثروا أن يخلدوا أسماءهم على بابه بالعبارة فكتبوا: 

” الإِلَهُ شُرَحُ بْنُ أَمِتْ مَنَاف، وَهَلِيا بْنُ امرؤ القيس، وشُرَحُ بنُ سَعْد، وسِتْرُ، وشُرَيْحُ التمِيمِي…”

ويمثل هذا النقش دليلا قاطعا، على ان الشام كان عربيا، خلال القرن السادس الميلادي، أي قبل مجئ الإسلام بقرن من الزمن، حيث كتب بخط عربي حديث، والذي سمي بالخط الحجازي، ويتميز بالبساطة الشديدة.

وفي  أواخر القرن السادس الميلادي،  كنا نجد  على جدران الكعبة أشعار المعلقات السبع. والتي يعتقد أنها قد كتبت بالخط الحجازي، حيث سيكون أساسا للخط الكوفي فيما بعد.

ومع المكانة التي احتلتها تلك المعلقات، ومع كونها حديثة التدوين على أستار الكعبة، إلا العلماء أن لا يكادون يجدون لها أثرا ماديا يذكر. ربما، لكونها لم تنقش على حجر، كما نقشت باقي الشواهد.

      لا يزال العلماء، مقتنعين تماما، بأن ما تم الكشف عنه من آثار ونقوش، لا يمثل غير نزر قليل، مما لازال مدفونا تحت الرمال. وإلى أن يحين الكشف عن المزيد، فإن الحرف العربي سيكون، مع بداية القرن السابع الميلادي، على موعد مع أكبر حدث في تاريخه، حيث سينبعث وجه جديد، لحضارة، ظلت تتوارى أسرارها، بين ثنايا الحروف.

  1. خط المصاحف:

من أواسط القرن السابع إلى نهايته:

خلال القرن السادس الميلادي، كانت الجزيرة العربية، تمارس حياتها عن طريق تلك اللغة، التي نقلت لنا عبر الشعر العربي الجاهلي. كما نقلت عبر شواهد القبور وأبواب الكنائس والمعابد, وفي تلك المرحلة بدأ الخط العربي القديم في التشكل، حروفا مقطعية متمايزة، وهو الذي سيسمى فيما بعد، بالخط الحجازي، ثم لاحقا، بالخط الكوفي.

اعتماد العرب قديما على التجارة، لم يوازيه اهتمام كبير بتوثيق المعاملات التجارية… في حين كانت معظم النقوش والوثائق التي اكتشفت، لها علاقة بالوازع الديني بالأساس:

كانت الجزيرة العربية تضم العديد من الديانات: منها الحنفية والصابئة، إضافة إلى المجوسية والوثنية، ثم   اليهودية والمسيحية. وفيما كانت جل تلك الاديان شفهية، فإن الحنفية واليهودية والمسيحية عملت على التوثيق الكتابي لنصوصها الدينية، ولذلك السبب سمى  القرآن الكريم اتباعها:أهل الكتاب. ويرجح أن يكون اندثار أثر  تلكم النصوص راجع إلى طبيعة التكتم الذي نهجه أصحابها لاعتبارات تهم مرحلة ما بعد مجيء الإسلام.

كان أهل مكة حينذاك ستين ألفا، ولم يكن يتقن الكتابة منهم، غير سبعة عشر رجلا، من بينهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان، وأبو بكر الصديق.

وبينما كانت أرجاء الجزيرة العربية مستسلمة لقدرها، رازحة تحت وطأة جهلها، كان هناك رجل من الاميين، عرف بالأمين، يشده نداء غريب، نحو غار حراء، لم يكن يدرك هو نفسه حقيقته وخفاياه، إلى ان كانت تلك الليلة المشهودة، التي آذنت بنهاية دورة من الزمان، حتى يتهيأ الكون برمته، لاستقبال مرحلة جديدة، ارتجت لها أركان الغار، كما اهتز لها كيان ذلك  الإنسان.

وكأن القرآن قد سمي قرآنا، لاستهلاله بأول كلمة: إقرأ، ولتوجيه أتباعه منذ اللحظة الأولى إلى توثيقه كتابة، وتلاوته قراءة. حيث شرع المؤمنون الأوائل، إلى تدوينه وتداوله سرا.

وبالرغم من الظروف الصعبة التي أحاطت بالدعوة في بدايتها، فقد كان النبي عليه السلام، حريصا على حث أصحابه بكتابة الوحي، والاحتفاظ بالوثائق بعيدة عن أعين قريش. وذلك تثبيتا حرفيا للوحي، حتى لا تتسرب إليه زيادة أو نقصان، خاصة في ظروف الاضطهاد. استفادة مما حصل للديانتين السابقتين: اليهودية والنصرانية. فكانوا غالبا ما يكتبون على الألواح والجلود، وأحيانا على الحجارة والعظام. إلا أن أغلب ما كتبوا كان على الجلد، لسهولة تداوله وتخزينه.

وفي السنة العاشرة للهجرة، حج ثلة من اهل المدينة إلى مكة، فأسلموا، وعقدوا بيعة العقبة، فسماهم النبي ب”الأنصار”.

ومباشرة بعد البيعة، قام الانصار بتسلم مجموعة كبيرة من الصحف القرآنية، فكانت أكبر عملية لنقل تلك الوثائق خارج مكة. ولم يكتفوا بذلك، بل انتدبوا منهم , فيما بعد، الصحابي الجليل:  رافع بن مالك الانصاري، ليتكفل سرا، بنقل كل ما يستجد من الوحي، طيلة ثلاث سنوات، إلى أن هاجر النبي عليه السلام، حاملا معه بقية الصحف.

وفي طريقه صلى الله عليه وسلم، أعطى كتاب الامان لسراقة بن مالك المدلجي. حيث أملاه على أبي بكر الذي كتبه على رق من الجلد، وهوالرق الذي سيخرجه سراقة لعمر بن الخطاب يوم اليرموك، بعد خمسة عشر سنة من ذلك، ليتسلم منه سوار كسرى.

ما إن حل النبي عليه الصلاة والسلام بالمدينة، حتى أمر بصياغة ميثاق مكتوب بين أهلها، يكون حافظا لحقوق المقيمين بها، فكانت وثيقة المدينة:

وحين استقر المسلمون بالمدينة، بادر بعضهم إلى تدوين كلام  الرسول،غير أن موقف النبي عليه السلام كان صارما، حتى لا يختلط القرآن بغيره.

وبعد ذلك، عكف الصحابة على كتابة الوحي، حتى كان يسمى الواحد منهم ب: كاتب وحل رسول الله، وقد اشتهر منهم ثلاثة وعشرون صحابيا ، منهم: الخلفاء الأربعة، وأبي بن كعب،ومعاذ بن جبل، وأرقم بن أبي الأرقم ، وخالد بن الوليد، والزبير بن العوام، وعامر بن فهيرة، وزيد بن ثابت. هذا الاخير الذي، يكون له دور بارز خلال عهدي ابي بكر وعثمان.

تركيز الاهتمام على كتابة القرآن الكريم، لم يمنع الصحابة، من توثيق مجموعة من العقود والقضايا، والتي كان يؤمن من اختلاطها بالقرآن. ومن ذلك مثلا: امر الرسول  لبعض الصحابة بإحصاء المسلمين في المدينة كتابة.

فأحصوا له قرابة ألف وخمس مائة مسلم ومسلمة.

فكتب النبي إلى المقوقس، حاكم مصر، وكسرى، ملك فارس، والمنذر بن ساوى، أمير البحرين، وهوذة الحنفي أمير اليمامة، والحارث الحميري، حاكم اليمن، والحارث الغساني، أمير الغساسنة، والنجاشي، ملك الحبشة.

كما كتب إلى هرقل، عظيم الروم.

ولأول مرة، سيظهر على تلك الوثائق، خاتم النبوة، والذي سيمهر به رسائله إلى الملوك ورؤساء القبائل. منقوشا عليه صفة النبوة.

وحين نتأمل الطريقة التي كتبت بها تلك الرسائل، ونقارنها بالنقوش العربية القديمة، ندرك مباشرة، أن كثرة ممارسة كتاب الوحي، لتدوين القرآن الكريم، قد طور الخط الحجازي إلى حد بعيد.

وبموت رسول الله انقطع الوحي ، ودونت على الرق، آخر آية نزلت. فكانت صحف القرآن الكريم موزعة على الصحابة، كل حسب ما حفظ و دون. ولم يكن القرآن مجموعا ولا مرتبا، إلا في صدور الحفظة من الرجال.

ومع بداية عهد ابي بكر، مثلت حركة الردة، التحدي الاكبر، لمصير الإسلام والمسلمين، ليس لكونها محاولة للتراجع عن أحد اركان الإسلام فحسب، بل لكونها أيضا، قد أودت بحياة اكثر من خمسمائة حافظ لكتاب الله. فظهرت حينها، قيمة الصحف المدونة والمحفوظة في بيوت الصحابة.

خلال فترة عمر بن الخطاب، ظلت صحف القرآن الكريم مجموعة ومرتبة في بيته، ولم يسجل حينها أي تحد يمكن أن يهدد سلامة القرآن الكريم، فاتجه عمر إلى فتح الأمصار المجاورة، وكان القدس الشريف، أول مدينة يتوجه لها، فأعطى لأهلها موثقا مكتوبا، سمي بالعهدة العمرية.

 وبوفاة عمر بن الخطاب، آلت الصحف إلى بنته حفصة ام المؤمنين، فاعتمد المسلمون من جديد على تداول الحفظ بينهم، وانتشر الصحابة في الامصار، وأصبح أهل كل بلد يقرؤون بقراءة الصحابي الذي نـزل فيهم: ففي الشام كان  أُبي بن كعب، وفي الكوفة نزل عبدالله بن مسعود، واما في البصرة فاعتمدوا قراءة أبي موسى الأشعري.

واتسعت الفتوحات الإسلامية في عهد عثمان، حتى وصلت إلى أرمينيا واذربجان. حيث تكلف جيشا الشام والعراق بالفتح, وحين التقيا في مساجد أرمينيا واذربجان، قرأ كل منهما بقراءة الصحابي الذي  تعلم على يديه،  فكادوا يختلفون، وتحصل الفتنة للمسلمين الجدد.

هناك  دعا عثمان أم المؤمنين حفصة، لتسلمه الصحف القرآنية.

 ثم سلمها إلى زيد بن ثابت، أن :” أكتب مصحفًا، و إني مُدْخل معك رجلا لبيبًا فصيحًا، فما اجتمعتما عليه فاكتباه، وما اختلفتما فيه فارفعاه إليّ” . فانضم إليهما سعيد بن العاص وأبي بن كعب.

 ولما أتم الصحابيان كتابة النسخة، الأولى، تكلف آخرون باستنساخ ما كتب.

وبعدها، أمر عثمان بتوزيعها على الامصار: واستودعت إحداها بمكة ، وأخرى باليمن، ثم البحرين والبصرة والكوفة والشام، فيما احتفظ بنسخة في المدينة المنورة.

و لم يكن الخط الذي تم نسخ المصاحف به، غير الخط الكوفي القديم، وقد عرف حينذاك باسم خط المصاحف، لارتباطه به.

كانت مصاحف عثمان، هي حامل الخط العربي لكل البقاع التي فتحها الإسلام، فانتشرت رقعة الخط العربي ، فلم يكد ينتهي العهد الراشدي، حتى كانت الحضارة الإسلامية قد شملت بلاد الفرس شرقا ، إلى حدود بلاد المغرب. وبذلك أصبحت شعوب تلك البلدان، تتلقف الحرف العربي، لتتعلمه وتتبارى في إتقانه. وبذلك، مثل القرآن الكريم، ذلك الكتاب الذي فجر حضارة كاملة،  سستوالى ينابعها في التدفق والإغداق، خلال العهود القابلة.

  1. دمشق حاضنة ميلاد الأقلام :

 بداية القرن الثامن:

مع نهاية العهد الراشدي، أواسط القرن الأول الهجري، كانت مصاحف عثمان قد بلغت آلاف النسخ، واتسعت باتساع رقعة الفتوحات،  فشملت ما وراء النهر: من  بخارى وبلاد الصفد شرقا، كما امتدت غربا لتصل إلى إفريقية وقسنطينة.

وبذلك الاتساع  افترق المسلمون في الأمصار، و تأسست الحواضر، و اختلط العرب بغيرهم من الأمم المقبلة على الإسلام،، فبدأ اللحن يتسلل إلى الفصيح العربي ، حتى وصل ذلك إلى التعامل مع القرآن الكريم.

كان من نهج الخليفة الأموي معاوية بن ابي سفيان، أن  يستقدم إلى قصره في الشام ، أبناء عماله على الأمصار، إذا بلغوا سن التمييز، لينشئهم تحت عينه، فيحفظ ولاءهم له. وكان من بين هؤلاء: عبيد الله بن زياد، وهو الابن الأكبر لوالي البصرة:  زياد بن أبيه. فبينما كان معاوية يلقي السمع إلى عبيد الله، وهو يستظهر القرآن، هاله كثرة اللحن في قراءة الغلام، فبعث إلى زياد معاتبا.

وحينما وصل كتاب معاوية إلى والي البصرة، بعث بدوره إلى العالم أبي الأسود الدؤلي مستنجدا يسأله، أن يجد طريقة ما، تجنب الناس شر اللحن في القرآن الكريم، فكتب له:

في بادئ الأمر، لم يجبه أبو الأسود إلى ما يريد.

فالتجأ زياد إلى حيلة، وأرسل رجلا، يكمن له في الطريق، بين بيته والمسجد، فلما اقترب منه أبو الأسود، أخذ الرجل يقرأ قوله تعالى : ( أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِه )، فتعمد كسر اللام خلافا للصواب.

 فلما سمعه أبو الأسود الذؤلي ، صُعق وأنكر عليه ذلك، و قال :

عزّ وجه الله أن يتبرأ من رسوله

فتذكر طلب زياد، وأجابه إلى ما أراد.

واستدعى أبو الأسود رجلا من بني عبد قيس، ليستعين به،  فقال له :

( خذ المصحف، وصِبغًا يخالف لون المداد، فإذا رأيتني فتحت شفتي بالحرف،  فانقط واحدة فوقه، وإذا كسرتها،  فانقط واحدة أسفله، وإذا ضممتها،  فاجعل النقطة إلى جانب الحرف، فإذا أتبعت شيئًا من هذه الحركات غنة،  فانقط نقطتين )

فكان ذلك العمل هو أول اساس لتقعيد للغة العربية.

وفي الوقت الذي خف فيه لحن الحركات لدى عامة المسلمين، ظهر في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، نوع جديد من الأخطاء، وهو ما سمي بالتصحيف، وهو قراءة الكلمة باستبدال الحروف المتشابهة بعضها ببعض.

أمر الخليفة عبد الملك واليه على العراق: الحجاج بين يوسف، بالإسراع إلى حل هذا الإشكال، فلم يجد خيرا من تلميذي أبي الأسود الدؤلي:  يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم.

فلكي يميزا بين الحروف المتشابهة رسما، اعتمدا طريقة الإعجام و الإهمال: فعمدا إلى “الدال” و “الذال” فتركا الأولى مهملة، و أعجما الثانية بنقطة فوقها، و كذلك الأمر في “الصاد” و “الضاد”، و “العين” و “الغين”، ، وهكذا بقية الحروف المتشابهة.

لكن العالمين اختلف بخصوص “الفاء” و “القاف”: فذهب “نصر” إلى اعتماد الشكل المعمول به حاليا، في حين ذهب “يحيى” إلى نقط القاف بنقطة فوقها، وبأخرى تحت الفاء، وعليه سار أهل المغرب في كتاباتهم وتدوين مصاحفهم.

وبعد عملية الإعجام، ظهر مشكل ثالث، وهو إثقال كتابة المصاحف بكثرة الألوان، مما جعلها تستعصي على  القارئ. في ذلك الوقت، ظهر عالم آخر، سيكون له فضل إزالة هذا الإشكال، وهو إمام اللغة: الخليل ابن أحمد الفراهيدي، الذي سيقوم بدور دقيق في تلك المرحلة.

وإضافة إلى ذلك، جعل الهمزة رأس عين، إشارة إلى القطع، و فوق الألف جعل صادا وهاء، بمعنى “صه”..  وهكذا  أمكن الجمع بين الكتابة والإعجام والشكل بلون واحد.

كان الخط المعتمد حينذاك هو الخط الكوفي، هذه التسمية التي جاءت لاحقة لوجوده، حيث نسب إلى  مدينة الكوفة التي بنيت بعد ظهوره بمائتي سنة.

يغلب على الخط الكوفي طابع التنظيم والتنسيق، وهو خط جاف، أي ان زواياه قائمة، أفقيا وعموديا، كما تتشابه حروفه إلى حد بعيد، فبرز خلال تلك الفترة الأولى، نوعان من الخطوط، حسب الحوامل التي كتب عليها: فما كتب على الحجارة والاخشاب وغيرهما من المواد الصلبة، سمي ب”الخط التذكاري”، لأنه كان يستعمل بغرض التأريخ والتذكير،  وأما ما كتب على الورق والقرطاس والرق، وغيرها من المواد اللينة، فقد سمي ب”خط التحرير”، لأنه اختص بالمكاتبات والنسخ والتدوين والتأليف.

وقد وجد علماء الآثار بالطائف، كتابة بالخط الكوفي “التذكاري”، وهي تشير إلى السد المجاور الذي بناه معاوية حوالي السنة الستين للهجرة، وعليه كتب:

“هذا السد لعبد الله معاوية، أمير المؤمنين، بناه عبد الله بن صخر، بإذن الله لسنة ثمان وخمسين.
اللهم اغفر لعبد الله معاوية، امير المؤمنين وثبته وانصره ومتع، امير المؤمنين به.

كتب عمر بن جناب”

وأما نقش كربلاء، والمعروف، بنقش “حفنة الأبيض”، فهو عبارة عن تكبير وتسبيح واستغفار،، كتب بنفس خط سد معاوية، وفي نفس الفترة أيضا.

وبعد أن تزايدت الحاجة إلى الكتابة والنسخ، ، بدأ يظهر في الاسواق من يمتهن هذه العمل، فسمي أصحابه بالمحررين والنساخين.

ولأن جفاف الخط الكوفي،  كان يعوق المحرر، دون إتمام عمله في أسرع وقت، فقد بدأ يعمل شيئا فشئيا على تليينه، حتى يصبح أسهل بالكتابة وأيسر: ففي القرن الثاني الهجري، تزايدت الحاجة إلى تحرير المصاحف، فبدأ الخطاط يجتهد في تجميل خطه، حتى ينال الإقبال عليه. وكان من بين هؤلاء خالد بن أبي الهياج، الذي بلغ من التجويد ما جعل الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، يختصه لبلاطه، فكان هو أرقى من جود كتابة المصحف في عصره، كما كان هو أول من كتب في قِبلة المسجد النبوي بماء الذهب. ثم تبعه بعد ذلك مالك بن دينار.وأما أبرزهم فقد كان هو قطبة المحرر، حيث برع في تليين الخط الكوفي بكتابة المصاحف، واشتهر بذلك.

ارتبط تصغير حجم الخط بتجويد القلم ذاته، وهو المأخوذ من نبات القصب، وقد كان الكتاب يقدر قياس عرض الٌأقلام بشعر الفرس: فجعلوا لقلم “الطومار” أربعا وعشرين شعرة، فيما خصوا “قلم الثلثين” بثمانية عشر شعرة، و”قلم النصف” باثنتي عشر. وتنوعت الاقلام واختلفت حسب أغراض الكتابة: فقد كان “القلم الكوفي” لكتابة المصاحف، و “قلم الطومار ” لتوقيع الخلفاء على التقاليد والمكاتبات إلى السلاطين والعظماء, فيما اختص “قلم الثلثين” بالكتابة إلى الخلفاء والعمال والامراء. وأما “قلم المدور” فقد كتب به الحديث والشعر.

غير أن أكبر العناية قد استأثر بها قلم الثلث: فخلال القرن الثاني للهجرة، وجد “الأحول المحرر” أن القلم الكوفي، لا يخط إلا خطا جافا خشنا، وقد عمد إليه، فقاس سمكه، ثم أتى على أعلاه فقطه قطا مائلا، من اليمين إلى اليسار، بمقدار ثلث سمك القلم، وجعل مقاسه ثماني شعرات، فخط به خطا دقيقا راقيا، وبذلك سمي بقلم الثلث.

وكما اهتم الخطاط بالقلم الذي كان يخط به, فكذلك اهتم بمواد الكتابة التي كان يستعملها:

في البداية، كان يجلب الحبر من الصين، ثم أخذ الخطاط العربي يستخرج المداد مما تجود به عليه طبيعة بلاده من نبات وصوف الحيوان ورماد النار.  ثم تطور فيما بعد حتى أصبح يكتب بماء الذهب والزعفران وغيرهما من المواد النادرة، وذلك تقديرا لما كان يكتبه، كما تشهد على ذلك جدران المساجد والقصور والمصاحف المخصصة.

وقد تطور المداد وتنوع حسب أنواع الحوامل التي كان يكتب عليها، حيث كانت الجلود هي الحامل المعتمد في البداية،

غير أن ذلك الوضع ما فتئ أن تحول تلقائيا، حيث يقول فيه ابن خلدون في مقدمته حاكيا عن أواخر العهد الاموي:

“ثم طما بحر التأليف والتدوين، وكثر ترسيل السلطان وصكوكه، وضاق الرق عن ذلك، فأشار الفضل بن يحى، بصناعة الكاغد، وصنعه وكتب فيه رسائل السلطان وصكوكه، واتخذه الناس من بعده صحفا لمكتوباتهم السلطانية والعلمية.”

كانت مدينة سمرقند، هي بوابة الورق على العالم الإسلامي، لتنتشر صناعته في العراق والشام  وبلاد فارس ومصر والمغرب والأندلس. فكثرت مصانعه  و دكاكين بيعه، نتيجة إقبال الناس على طلب العلم .

إلا أن الكتابة على الرق ظلت لها قيمتها الخاصة، بالرغم من اعتماد الورق: ومما تحفظ لنا كتب التاريخ عن العهد الاموي: أن المعز بعث أحد كتبته إلى المحدث أحمد بن بديل لنقل الحديث، فلما تهيأ الكاتب للكتابة، وأخرج المداد والقرطاس، أنكر عليه أحمد فعله، فقال له:

” أتكتب حديث رسول الله في قرطاس بمداد؟, وسأله الكاتب: فيم يكتب إذن؟ قال: في رق بحبر.”

وفي أواخر القرن الثاني للهجرة، كان عدد كبير من نسخ المصاحف قد انتشرت واشتهرت برونقها وحسن ترتيبها، ومن تلك المصاحف : “مصحف عقبة”، والذي كتب خلال القرن الأول للهجرة ، بالخط الاندلسي، وهو منقوط, ومزخرف الحواشي، ولونت علاماته باللون الازرق، فيما ميزت نقاطه بالاحمر.

كما وجدنا في نفس الفترة “مصحف  حديج بن معاوية “، وقد كتبه للقائد عقبة بن نافع الفهري، وهو على حامل ورقي، بالخط الكوفي القريب من خط النسخ، موضوعا في إطار مذهب، وعلاماته باللونين الأحمر والأزرق.

وإضافة إلى ذلك نجد في قصر توب كابي بإستامبول، نسخة من القرن الثالث الهجري، منسوبة إلى زين العابدبن بن علي بن الحسين، وهي مكتوبة بالخط الكوفي المبسوط منقوطا ومعربا.

وقد تجلى الخط العربي أيضا على أول عملة إسلامية، وقد كانت على عهد الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، في القرن الأول الهجري، حيث كتب على وجهيها عبارة شهادة الإسلام, بالخط الكوفي الذي بدأ يميل نحو التليين.

تَمثل الشكل الجمالي للخط العربي، خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، في تزيين جدران المساجد والقصور، فظهرت أشكال من الزخارف الملحقة به، لتصبح تلك الزخارف هي أساس الأشكال الهندسية الإسلامية المعروفة اليوم، والمعتمدة على التوريق والتجميل والتضفير.

ولعل مسجد قبة الصخرة، يمثل المعلمة الأروع في التاريخ العربي الأول، والتي عبرت عن التطور المبكر للخط العربي والرخرفة الإسلامية: فبداخل القبة نجد لوحات رائعة، اعتمدت الخط الكوفي البسيط، الذيي كتب بالفسيفساء المذهبة، على خلفية زرقاء. ونظرا لرونقها وقدمها، فهي تعتبر أقدم كتابة توثيقية لمعلم حضاري أموي.وقد انتقى الخطاط المسلم آيات تدل على معاني الوحدانية الخالصة لله، كما استعمل عبارة الشهادة في أكثر من زاوية.

مع نهاية العصر الاموي، كان الخط العربي قد أفرز اقلاما متعددة، مشتقة من الخط الكوفي، إلا أنها غير خاضعة لقواعد مشتركة بينها.  في ذلك الوقت، سيظهر شاب منحدرمن إحدى الأسر البغدادية المشتغلة بالخط، هو الخطاط أبو علي محمد بن مقلة، والذي تدرج حتى أصبح  وزيرا لثلاث خلفاء امويين، وفي بلاطهم طور قواعد خط الثلث، الذي سيصبح له الأثر الكبير على باقي الخطوط.  فاعتمد الخط الكوفي مرجعا، وعدل من استقامة حرف الألف، وجعل الدائرة إطارا لكل الحروف. وسيكون هذا الخطاط العبقري، هو جسر عبور الخط، بين عهدين سياسيين، غير أنه سيؤدي ثمن ذلك العبور غاليا.

  1. بغداد فضاء تقعيد الخط:

أواسط القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر:

في بحر قرن من الزمان، خلال العهد الأموي، استطاع الخطاط العربي  أن ينقل الخط من حالة البداوة إلى حالة الحضارة. فحول الخط الكوفي الجاف إلى خط كوفي ، وهو الخط الذي حمل أصول الأقلام التي سوف يبدعها الخطاطون فيما بعد. فمع انتهاء عهد الأمويين، ستتحول العاصمة الإسلامية من دمشق إلى بغداد، حيث ستصبح هذه الأخيرة قِبلة العلماء والمبدعين، ومن بينهم كبار الخطاطين في زمن الدولة العباسية.

كانت الإرهاصات الأولى لتلك القواعد بسيطة أولية، اعتمدت الأشكال الهندسية المربعة والدائرية. فتبارى الخطاطون فيما بينهم، لإخضاع الحرف إلى هذا المنطق ا

لهندسي.

وقد كان أول من برز في مجال هندسة الخط، كاتب عباسي يدعى قطبة المحرر.

ثم تلاه الضحاك ابن عجلان الكاتب، إلى أن جاء إسحاق بن حماد .فاستفاد من تلك البيئة المشجعة على ازدهار الخط، وأفرزت جهوده خطا جديدا، سمي بخط الطومار.

وعنه ورث هذا الخط إبراهيم الشجري، فرققه ودققه، واختصر القلم الذي كان يستعمله إسحاق بنسبة الثلث، فسمي خطه : خط الثلثين.

وبالرغم من كل تلك الجهود، التي بذلها الجيل الثاني من الخطاطين، إلا أن خطاطا شابا سيظهر خلال القرن الثاني من الهجرة، سيكون له الأثر الأكبر في مرحلة التقعيد الهندسي للخط العربي.

ونظرا لثقافته الواسعة، فقد حظي برتبة وزير لثلاث خلفاء عباسيين على التوالي، وهم المقتدر والقاهر والراضي.

انحدر ابن مقلة من أسرة فارسية عريقة في الاشتغال بالخط: فقد كان جده الحسن خطاطا، كما كان والده أيضا، وعنه تعلم ابن مقلة، فأصبح محترفا وعمره لا يتجاوز الستة عشر سنة، كما أن أخاه عبد الله بن علي، اصبح مبدعا لخط النسخ.

اعتمد ابن مقلة في تبنيه لنظرية “النسبة الفاضلة”، على العالم اليوناني أقليدس، وتنطلق تلك النظرية من ضرورة تناسب الشكل الأصغر مع الأكبر، وفقا لتصاعد هندسي مطرد بنفس القدر، سواء أكان ذلك الشكل خطا أو منحنى.

وتقوم تلك النظرية على المعادلة التالية: “نسبة ألف زائدِ باء إلى ألف، تساوي تماما نسبةَ ألف إلى باء”. وهي ما سماه أقليدس ب”النسبة الذهبية”، والتي استخلصها من أشكال الطبيعة ذاتها، فحاكي بها الفنون والمعماروالصناعة.

 اشتغل ابن مقلة على تراث ابراهيم الشجري الذي أبدع خط الثلثين، فاختزل القلم وفقا للنسبة الفاضلة إلى النصف، فأفرز له خطا جديدا سمي بذلك خط الثلث.

يعتبر خط الثلث من أجمل الخطوط وأصعبها، حتى إن إتقانه اعتمد مقياسا لإتقان الخط العربي برمته.

كان ابن مقلَة اول من كتب مصنفا في قواعد الخط العربي، أسماه “رسالة الوزير ابن مقلة في علم الخط والقلم”، ضمنه سمات ومعايير دقيقة لتوصيف الحرف العربي.

ونظرا لأن ابن مقلة كان فنانا متفاعلا مع واقعه السياسي، فقد اتخذ مواقف مختلفة من الخلفاء الذين عاصرهم واشتغل في بلاطهم. مما جر عليه نقمتهم الواحد تلو الآخر، كان أقساها نقمة الراضي عليه.

لم  يغِب ابن مقلة إلا بعد أن استكمل أسس الخط العربي، من خلال تقعيد خط الثلث، تلك القواعد التي فرضت نفسها، إلى اليوم، على بقية الخطوط . وقد حمل تلاميذه من بعده أسلوبه وفنه، وكان من ضمن تلاميذه ابنته، التي أشرفت على تعليم كاتب كبير، سيعمل على تطوير مدرسة والدها من بعده.

ولا غرابة في أن يطبع ابن البواب الخط بهذا للطابع، وهو الذي بدأ حياته المهنية زواقا للدور والمساجد والقصور. ثم إنه حين امتهن نسخ الكتب، فقد حمل معه تلك البصمة الجمالية الواضحة، فتميزت كتبه المنسوخة بميزة خاصة، سرعان ما تبعه النساخون متبارين في تزويق الكتب وتذهيبها.

ابتكر ابن البواب خطا جديدا هو سليل خط الثلث، وقد سمي بالخط الريحاني، الذي تميز بمد الألفات واللامات، كما تميز بتقنية البسط الأفقي للحروف، وأدخل الدلالات الشكلية للكلمات، في مثل تعامله من اسم الجلالة، حيث يبرزها مجللة ومهابة.

هي زينب بنت ابي النصر الكردية الأصل، البغدادية المولد والمنشآ، والملقبة باسم شهدة الدينوْرية. كانت عالمة محدثة، فلقبها العلماء ب:مُسنِدة العراق. كما اشتهرت بجمال خطها، حتى قال عنها الخطاطون: ليس في زمانها من يكتب مثلها.

وصف الوزير العباسي أحمد بن صالح براعتها فقال: ( كان خطها كجمال شكلها، وورقها كبشرة وجهها، وقلمها كأنملة من أناملها، وسكينها كوميض لمحتها.)

وبعد شهدة الدينورية سيبرز اسم خطاط كبير هو ياقوت المستعصمي آخر كبار خطاطي العباسيين.

أتقن ياقوت كل الخطوط التي عاصرها، فأصبح مرجعا لا يضاهئ ، ولقب  ب” قِبلة الكتاب”.

وقد اشتغل على تراث سابقيه، فأدرك مدى متانة وتماسك المقاييس والأبعاد الهندسية لابن مقلة، والمعايير الجمالية لابن البواب.

غير أنه أدرك في الوقت ذاته تلك المساحات والتفاصيل التي تحتاج إلى مزيد من الاشتغال، فاهتم بحواف الحروف واستدارتها وتناغمها، معتمدا في ذلك على تجويد قلم الكتابة، فجعل شَحمه أقل رهافة وميل قَطّته أشد انحرافا، حيث أثمرت طريقته بعدا جماليا جديدا في مسار الخط العربي، سرعان ما اعتمدت في أرجاء العالم الاسلامي.

وما كادت العاصمة بغداد تنتشي بهذا الإنجاز الحضاري، حتى داهمها جيش من الشمال، قادما من بلاد التتار، فدمر وأحرق، فغادر الخطاطون ضفاف دجلة والفرات، التي كانت شاهدة على شموخ الخط العربي خلال خمسة قرون ، مُيَمّمين نحو ضفاف نهر جديد، هو نهر النيل العظيم.

وبالرغم من دقة المرحلة السياسية لتلك الفترة، إلا أنهم قد وجدوا بالفسطاط والقاهرة تراثا جماليا للخط العربي، ومدرسة متميزة، تطورت على مدى ثلاثة قرون، عبر عهود الطولونيين والفاطميين ثم الأيوبيين.

وقد تميزت مدرستهم في العهدين الفاطمي والأيوبي بما أبدعوه من فن تطعيم الخط بالزخارف النباتية بشكل غير مسبوق، وخاصة على الخشب والمعادن المختلفة، كما أصبحوا يحيطون مآذن المساجد وجدرانها بأشرطة أفقية من الكتابة. وكذلك الشان بالنسبة لأروقة القصور وأضرحة العلماء وباحات المكتبات والحمامات. ولذلك نسب إليهم الخط الفاطمي والخط الكوفي الفاطمي.

دام تألق المرحلة المصرية ثلاثة قرون متواصلة، كانت كافية لترفع مستوى جمالية الخط واستعماله، حتى جعلته جزءا لا يتجزأ من الحياة العامة والخاصة، بحيث لم يعد بالإمكان الاستغناء عنه، لا في المعمار ولا في تأثيث المكان. فتمكن بذلك الخط العربي، من الإشعاع خارج منطقة العالم العربي.

كان خط اللغة الفارسية، قبل الإسلام، هو الخط الفهلوي، لكن أهل فارس كانوا من أوائل الشعوب غير العربية الذين ارتضوا كتابة لغتهم بالحرف العربي. بل اجتهدوا في إجادته وتطويره، انسجاما مع الرؤية الجمالية لحضارتهم، حتى أبدعوا خطا خاصا بهم، سمي بالخط الفارسي.

ظهر الخط الفارسي خلال القرن الثالث عشر الميلادي، ويرجع المؤرخون اختراعه إلى حسن الخطاط الفارسي، وهو الذي استخلصه من خطوط النسخ والثلث والرقعة. وحين جاء الخطاط مير التبريزي، وضع له أصوله وقواعده، ثم جمع مير عماد الحسني تلك القواعد كلها في قاعدة واحدة، فسميت ب: “قاعدة عماد”.

يتميز الخط الفارسي بالجمع بين الدقة والوضوح، ويعتمد في ذلك على خاصية التمدد والانسياب، ونظرا لجماليته البالغة فقد اعتتُمد ضمن الأقلام العربية الأساسية الستة.

وعلى الجناح الغربي للعالم الإسلامي، ومحاذاة لشاطي البحر الأبيض والمحيط الأطلسي، ظل الخط الكوفي هو الخط  المعتمد لعدة قرون، وذلك منذ وصول نسخ المصاحف الأولى. ثم بدأ هذا الخط يأخذ طابعه المغربي، شيئا فشيئا، في كل من تونس والمغرب.

تميز الخط القيرواني، بمحافظته على خصائص خط المصاحف، بما فيها من إهمال للحروف المعجمة، وعلى طابعه الهندسي العام، مع تنسيق حوافها واستدارتها، على عكس الخط الجزائري الذي اعتمد على حدة الزوايا. وظل الخط القيرواني والجزائري سائدا، حتى دخل المسلمون إلى الاندلس.

ومن العلامات المميزة للخط الكوفي  الأندلسي كثرة زواياه، كما تميز الخط القرطبي بكثرة انحناءاته واستداراته.

وفيما انحسر الخط القيرواني جنوبا، فقد احتل الخط الأندلسي مكانه في إفريقية  والمغرب الأقصى، فطوره المغاربة ليفرزوا منه الخط الفاسي، وذلك أواخر عهد الموحدين.

فقد عدلوا من رأس القلم ليصبح مستديرا، مما كان له أبلغ الأثر على تمايز الخطوط المغربية عن شقيقتها المشرقية.

وقد تعدد الخطوط المغربية، فبلغت أكثر من ستة خطوط، حتى إن البعض يعتبرها في فرادتها مقابلة للخطوط المشرقية.

لم يكد يتوسط  القرن  الثاني عشر، حتى استطاع الخط العربي أن يكتسح مناطق من العالم شاسعة، فتعربت مناطق بأكملها لغة وكتابة.

وبهذا كله، سيكون الخط العربي قد شارف اوجَ  تقعيده وتطويره، وذلك مع نهاية القرن الثالث عشر الميلادي،حيث سيؤهَّل، مع بداية العهد العثماني، ليصبح مرشحا لمرحلة جديدة من التألق والإزدهار، وليتربع على عرش خطوط  بقية الأمم قاطبة.  

  • البعد الجمالي في بلاد الأناضول:

من القرن 15 إلى القرن 20:

          عبر حقب تاريخية زاخرة، سرى الحرف العربي، ليرسم لنا معالم حضارة انسابت، وفق امتدادات وتعرجات، على  صفحات الرق والورق. فانسابت تشكلاته، لترسم فجرا جديدا، في أفق الحضارة الإنسانية.

          ومع أواسط القرن الخامس عشر الميلادي، سيعيش الخط العربي عصره الذهبي، مدة  قرون خمسة، برز خلالها محمد الفاتح رمزا  تاريخيا عظيما، توج مسيرته بتحقيق حلم طالما راود الخفاء قبله: فتح القسطنطينية، و التي ستصبح عاصمة للدولة العثمانية.

          لم يكن اهتمام الأتراك بالخط الخط مجرد ترف حضاري، يتباهى به  السلاطين لإظهار تفوقهم الفني، بل كان تعاملهم مع الخط العربي، يكاد يوازي اعتقادهم بقدسية القرآن الكريم. فقد لازم تعلم الخط عندهم، حفظ القرآن،  فبنوا نظامهم التعليمي على ذلك الأساس. وكونوا بذلك، جيلا من الخطاطين المبدعين.

          واكب هذا الاهتمام، استقطاب غير مسبوق للفنانين من مختلف أرجاء الدولة الإسلامية، فأحدثوا حقلا فنيا واسعا للإبداع ، انعكس على جمالية الخط ، وانصهرت أساليب المشق التبريزي، بانسيابية الزخرف الأندلسي، كما تواءم النقش المملوكي، مع دقة الحرف السلجوقي.

          عني العثمانيون بتعلم الخط، لى درجة كان فيها السلاطين العثمانيون يحرصون على أن يتقن أبناؤهم هذه المهارة. فوجدنا مثلا، أن السلطان محمود خان، قد برع في فن الخط، وهو الذي تتلمذ على شيخه الخطاط مصطفى راقم. كما تتلمذ السلطان عبد الحميد الثاني على يد الخطاط المبدع غزة، فنال نال منه إجازة رسمية .

حسن شلبي، شيخ الخطاطين الأتراك، مارس الخط مدة سبعين سنة، حتى اصبح فيه مرجعا يؤمه الراغبون في التعلم من كل مكان، تربي على حب الخط العربي ممزوجا بحب القرآن الكريم.

حينما يتقن الطالب خطا من الخطوط، يقام له حفل ديني، ويدعى له كبار الخطاطين، ثم يستعرض عليهم أعماله، ليمنحه شيخه شهادة عليمة، تثبت تمكنه منه، وهي التي تسمى الإجازة. فيصبح له حق وضع اسمه تحت ما كتب.

وبالرغم من ان تقليد الإجازة كان ساريا قبل ذلك، إلا أن الخطاط العثماني “زين الدين بن الصائغ” كان هو أول من اشتهر بمنح الإجازة للمتعلم، وهو من وضع لها معاييرها وتقاليدها.

 ومن أشهر الإجازات: إجازة الخطاط “مصطفى عزت” للسلطان عبد الحميد.

تصاغ الإجازة في شكل نص قرآني،  أو حديث شريف، وقد تذيل بالثناء على التلميذ.

لقد نال الخطاط في العهد العثماني الحظوة البالغة، وخصص لهم السلاطين رواتب مجزية، ومكنونهم من أرقى الوظائف في الدواوين. فراح الخطاطون الأتراك يبدعون في تقعيد وتجميل الخط، وأتقنوا تقليد الأقلام الستة التي كانت سائدة في بغداد، وهي النسخ والمحقق، والثلث والرقاع، والريحاني والرقعة والجلي. كما أخذوا عن مصر خط الثلثين والثلث، اللذين اعتمدهما المماليك في مكاتباتهم.

في القرن السادس الميلادي، ذاعت شهرة الخطاط “أحمد قرة حصاري”، وهو الذي تتلمذ على يديه: “أحمد الأماسي”. وقد أتقن خط الجلي والمحقق والريحاني.  

أما الخطاط “حافظ القرآن عثمان” فقد تربع على عرش الشهرة، بين القرينين السابع والثامن عشر الميلادي. فقد تكفل بتعليم أصول الخط العربي للسلطان مصطفى الثاني وللأمير أحمد، الذي أصبح فيما بعد السلطان أحمد الثالث.

ولا تزال المصاحف التي نسخها “حافظ عثمان” تعد المثل الأعلى في خط النسخ و المحقق. 

ومن ضمن السلاطين الذين سجل لهم التاريخ، بالغ التكريم للخطاطين، نجد السلطان مصطفى خان.

يعتبر الخطاط حمد الله الاماسي، جسر العبور، بين المدرسة العباسية والمدرسة العثمانية: وباعتباره تلميذا غير مباشر لياقوت المستعصمي، فقد عمل على نقل ذلك التراث بأكمله، من بغداد إلى القسطنطينية.

اشتهر “حمد الله الأماسي” بابن الشيخ، نسبة إلى والده العالم، الذي هاجر من بخارى إلى أماسيا، حيث تعلم الخط، وأصبح فيما بعد معلما لولي العهد بايزيد بن محمد الفاتح. ولما اعتلى بايزيد العرش، ضم معلمه “حمد الله ” إلى ديوانه، فتمكن من الاطلاع على مخطوطات ياقوت المستعصمي التي كانت تضمها مكتبة السراي السلطاني، وتفرغ لدراسة أسلوبه، فتأثر به وطوره، إلى ان أصبح صاحب مدرسة متفردة كان لها أتباعها الذين  أسسوا وأغنوا المدرسة التركية في الخط العربي.

ولا شك في أن تلك العناية الاستثنائية، والتي حظي بها الخطاط التركي من قبل السطان العثماني، قد انعكست مباشرة على إبداع هذا الأول فراح يتطور باطراد حتى بلغ شأوا عظيما.

وبما ان أغلب الخطاطين كانوا  يمارسون مهامهم بالدواوين السلطانية، فقد طوروا خط الثلث، ليتناسب مع النسق الفني الذي يشتغلون فيه، فاخترعوا ما سموه بالخط الديواني ، ومن هؤلاء “مصطفى راقم” و”عبد الله وإسماعيل الزهدي”، وصولا إلى الخطاط “إسماعيل حقي سامي”، الذي اشتهر بلوحاته المبدعة، في كتابة خط الثلث الجلي. وهو الذي سمي فيما بعد بالخط الديواني، نسبة إلى الديوان السلطاني، حيث كانت تكتب به المراسلات السلطانية. ويستمد جماليته من استدارة حروفه وتداخلها، وربما ادى ذلك إلى عسر في القراءة، وهو ما كان مطلوبا للحفاظ على سرية المكاتبات. فقد يربط الخطاط بين الحروف المنفصلة، مثل الراء والواو والدال، بالحروف التي تأتي بعدها. ولذلك يعتبر أكثر الاقلام الستة طواعية لمراد الخطاط. وحينما يعبأ الخط الديواني بالحركات والزخرفات، يسمى بالديواني الجلي.  وهو الذي يستعمل في البنايات .

خط الرقعة، هو أسهل الخطوط العربية، نظرا لبساطة تعرجاته وتمدداته, ولذا يوصي الخطاطون بالبدء بتعلمه أولا، وذلك ما يفسر انتشاره على وجه واسع. وهو سليل خطي النسخ والثلث، ظهر في بداية العهد العثماني، ووضع قواعده الخطاط “أبو بكر ممتاز” أواسط القرن التاسع عشر الميلادي. وكغيره من الخطوط، فهو يخضع لمعايير شكل الدائرة: فألفه ترتفع مقدار ثلاث نقاط، كما يمتد حرف الباء بنفس القدر. وتعتبر كلمة “نابغ” هي الكلمة المحور، إذا أتقنها المتعلم كان مؤهلا لإتقان بقية حروفه.

يتميز خط الرقعة باستعماله قلم الثلث، الذي يشكل انحناءة قدرها ثلاثين درجة ، مع سطر الكتابة. بالكاد تلامس حروفه وكلماته السطر، مع ميلان تدرجي لها، يضفي عليها طابع السرعة والاستعجال، استعجال جعل ممارسه يزهد في التزيين والتنميق الذي عرفت به بقية الخطوط، إلى درجة جعلت البعض يصنف خط الرقعة خطا جامدا.

وقد بلغ تطويرهم لخط الثلث، إلى درجة أبدعوا فيها تقعيد وتجميل إمضاء السلاطين: فكان خط الطغراء.

 والطغراء كلمة تتارية تضم اسم الحاكم ولقبه، وهي توضع على الرسائل والفرامانات، توقيعا لها باسم السلطان. وقد ارتبطت باسم ظل الطائر الأسطوري طغرل، والذي يشبه العنقاء. وكان السلطان المملوكي محمد  بن قلاوون من أوائل من استعملوا هذا الإمضاء، وذلك في القرن الخامس عشر الميلادي, وقد ظل مستعملا فى مصر، حتى دخلها العثمانيون، فاعتمدها السلطان مراد الاول. وقد تطورت الطغراء على أيدي خطاطى الدولة العثمانية، حتى وصلت إلى شكلها الأخير، و الذى بلغ ذروة الجمال فى التنميق والإبداع.

وحينما تجاوزت الطغراء الوظيفة التوثيقية، اصبحت لها وظيفة جمالية، تجلت في تزيين النقود وجدران المساجد والقصور والمرافق العامة.

تبدأ كتابة الطغراء من الكرسي أو “القاعدة”، وهي الجزء الأسفل فيها، ولها شكل كمثرى. ثم يعرج الكاتب نحو الاعلى، لينصب ثلاثة خطوط عمودية مائلة، بشكل تدرجي متتالي، ويسمى “الطوغ”، فيخرج من كل واحد منها “زلفا”, ثم ليقوس الخط يسارا ليشكل “بيضتين”: داخلية وخارجية. وبعدها يمد الخط أفقيا ليرسم “القول”، وهو عبارة عن ذراعين: علوي وسفلي. اما “المخُلص” فهو الدائرة اليمنى الملحقة بالرسم، وعادة ما تخصص للبسملة.

مصطفى راقم، هو أحد أكبر الخطاطين الأتراك ، الذين أبدعوا في كتابتها، ثم تبعه في ذلك إسماعيل حقي الذي لقب ب “حقي الطغراكش”، فيما يعتبر “جلال الامين ” طغراكش العرب، وواضع مقاييس كتابة الطغراء.

كانت المعالم التركية، ولا تزال، شاهدة على احتفاء الأتراك بالخط العربي، فأبدعو في الكتابة على جدران المساجد والقصور، وكذا المرافق العامة، وكان خط الثلث والخط الديواني هو المعلم الفني الذي استخدمه الأتراك على تلك المعالم.

وأنت تملي النظر في روائع كتابات المساجد، تذُكر، أن هناك خطاطا ملهما مر من هنا،وان أنامله قد نمنمت جدرانها، فحولتها من مجرد بناء حجري، إلى لوحة فنية تختزل عنفوان التاريخ وروح الحضارة. ومن  هؤلاء نجد الشيخ حسن شلبي، الذي طالما عملت يمينه على زخرفة قباب المساجد ومحاربها. من مشارق الأرض ومغاربها، ومن تلك المساجد: مسجد قباء على مشارف المدينة المنورة، و أبواب مسجد «السلطان أحمد»، في قلب اسطنبول،  ثم مسجد الشيخ زايد بمدينة أبو ظبي، والذي برع هذا الفنان الفذ في تزيين قبابها وجدرانها.

لم تشهد حضارة من الحضارات الإنسانية، تلك المزاوجة بين الخط والمعمار، كما شهدته الحضارة الإسلامية: حتى أن النقاد قد أثبتوا  ان الشكل المقوس للقبة، هو ما طور خط الثلث، ليصبح أكثر انسجاما مع الشكل الدائري لها, وبالتالي ليصبح اكثر الخطوط مرونة وليونة. وبفضل ذلك السعي لملاءمة خط الثلث بالشكل الهندسي للقبة، اكتسب جماله وروعته.

ولم تكن تلك اللمسة الجمالية الخاصة التي طبعت الخط العربي على عهد الأتراك، إلا نتيجة تكاتف عوامل دينية وسياسية واقتصادية، أدت في الأخير إلى شحذ عبقرية الخطاط العثماني, الذي خط للخط مسارا حضاريا متفردا بين الامم، هذا المسار  الذي، سوف تتهدده عما قريب،  مخاطر وعوائق، ينذر بها القادم من السنين والأيام.

  • الخط العربي تحد وتألق:

 القرن 20:

          ويستأنف الخط العربي رحلته عبر صفحات التاريخ، ليسجل خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر اكتمال شروطه الجمالية، عبر تجلياته في المعمار والتشكيل الفني و الحليات الخطية، وبالرغم من كل ما سيواجهه

خلال هذه المرحلة، فإنه سيؤكد في الأخير أنه أقدر على انتزاع الخلود من بين أخطار التحديات.

ولعل جلال هذه الجدران وجمالها، لهو أكبر جواب على قدرة الخط على الاستمرار بنفس العنفوان والشموخ. وقد كان المعمار الإسلامي أكبر تجل لذلك الأوج الذي بلغه الخط العربي، وكان المهندس المعماري المسلم حين

يصمم، لا يفعل ذلك إلا وقد جعل اللوحات الفنية الخطية في بؤرة تصوره وتشكيله لكل المعمار الذي بين يديه.

وفي باب أن الخط والكتابة من عداد الصنائع الإنسانية، يقول ابن خلدون:

وعلى قدر الاجتماع والعمران والتناغي في الكمالات والطلب لذلك، تكون جودة الخط في المدينة، إذ هو من جملة الصنائع، وقد قدمنا أن هذا شأنها وأنها تابعة للعمران، ولهذا نجد أكثر البدو أميين لا يكتبون ولا يقرأون، ومن

قرأ منهم أو كتب فيكون خطه قاصرًا وقراءته غير نافعة، ونجد تعليم الخط في الأمصار الخارج عمرانها عن الحد أبلغ وأحسن وأسهل طريقًا، لاستحكام الصنعة فيها، كما يحكى لنا عن مصر لهذا العهد، وأن بها معلمين

منتصبين لتعليم الخط يلقون على المتعلم قوانين وأحكامًا في وضع كل حرف، ويزيدون إلى ذلك المباشرة بتعليم وضعه، فتعتضد لديه رتبة العلم والحس في التعليم، وتأتي ملكته على أتم الوجوه، وإنما أتى هذا من كمال

الصنائع ووفورها بكثرة العمران وانفساح الأعمال “. الفصل الثلاثون من مقدمة ابن خلدون.

وكأن تلك التشكيلة المبدعة، قد أخذت دورة حضارية كاملة، بدءا بكتابات حران ودومة الجندل، لتعود وتستقر على الجدران والسقوف، و لتتولي وظيفة جمالية وروحية بالأساس، وهو ما أتقنه الخطاط المسلم في نقشه على

على بنايات مساجد وقصور بغداد واستانبول والقاهرة ، والقيروان وفاس وقرطبة.

ولا شك ان الخطاط المسلم وهو ينحت على جدران المسجد، خطوط تلك الآيات، كان يقصد أن يدخل الحالً في هذا الفضاء في اجواء روحانية منسجمة تماما مع تعاليم الكتاب المنزل. فحين يضم بهو السفراء)قراميش(

بغرناطة على سبيل المثال أكثر من ثلاثة آلاف كتابة عربية، وتتكرر عبارة )ولا غالب إلا الله( أكثر من مائة مرة، فلا شك أن زخمها هذا سينعكس أثرا روحيا على مرتاد تلك الفضاءات.

وفي استامبول، أبدع حافظ عثمان نمطا جديدا من الكتابة الفنية للخط، إنه الحلية الشريفة.

والحلية االشريفة، هي تلك اللوحة الخطية المكتوبة بخط النسخ، ذات تصميم هندسي مزخرف ومذهّب، ومركبة من بسملة في أعلاها داخل مستطيل، ويوضع تحته دائرة تتضمن أوصاف النبي عليه السلام، ثم تتوج أعلاها وأسفلها على جوانبها الأربع، بأربع دوائر، متضمنة كل منها أسماء الخلفاء الراشدين. ثم تختم الحلية بمستطيلين تحتها. ولا يزال الخطاطون، يتبارون في إنجازها وتنويعها.

ونجد الإجازة الخطية، نمطا آخر من الأنماط الفنية للخط العربي، حيث تعتبر تحفة فنية في حد ذاتها، ناهيك عن كونها شهادة معتمدة ذات قيمة بالغة بالنسبة للخطاط المتعلم، إذ تنقله من مرحلة التعلم إلى بداية مرحلة الاعتماد والمرجعية.

و اليوم، يشرف شيخ الخطاطين الأتراك حسن شلبي، على مدرسة يمنح فيها الإجازة الخطية لمن يستحقها بعد اجتهاد وإبداع.

وتكتب الإجازة بقلم الخطاط الشيخ إلى الطالب، بعد أن يكون قد أتقن خطا معينا أو أكثر، فيصبح مجازا فيه. ويحبرها الشيخ تحبيرا بخط خاص، هو مزيج من خطي الثلث والنسخ، ويسمى خط الإجازة، وفق معايير مشتركة، لا تمنع الاجتهاد الفني حسب مهارة وإبداع كل خطاط.

ربما كان الانطلاق من الخط إلى فن الرسم، سببه إحساس الخطاط بتلك المساحات والإمكانات التي لا تزال لم توظف في التعامل مع الخط، فسعى إلى إبداع تقنية الانعكاس، حيث يحقق فيها غرض التوازي والتوازن في اللوحة الخطية، ولو على حساب اتجاه الخط. كما استطاع أن يذهب الخطاط إلى أبعد من ذلك، باعتماده تقنية التشكيل والتكييف حسب الشكل الذي تحل فيه العبارة. فدا خ ل بين الحروف محافظا على شرط التجلي والوضوح.

وبينما كان الخطاط العربي أواسط القرن الخامس عشر الميلادي، يمضي بعيدا في استكشاف مساحات جمالية غير مسبوقة في الفن الإنساني، كان في الضفة الأخرى من العالم، ي نجز إبداع من نوع آخر، سيكون له بالغ الآثر في وضع الخط العربي ومستقبله.

هناك في مدينة ماينتش الالمانية، كان صائغ الذهب يوهان غوتنبرغ، يجرب تقنيات جديدة في استخدام الخط والكتابة، تمكنه من الانتشار والاستعمال على أوسع نطاق.

فطورقوالب يدوية، جعلت تصنيع حروف الطباعة ممكنة بشكل سريع ودقيق، وبكميات هائلة وكبيرة. حيث حققت آلته طباعة أربعة آلاف نسخة في اليوم.

وأمام هذا المعطى الجديد، سيقف الخطاط العربي، ولأول مرة في مسيرته التاريخية، وجها لوجه أمام تحدي التقنية الحديثة، بعد أن انشغل طيلة ست قرون بالبعد الجمالي للحرف. إذ سرعان ما وصلت تلك التقنية إلى أرجاء الدولة العثمانية، فبدأ التخلي عن وظيفة الخطاط يتزايد يوما بعد يوم، فأحس الخطاطون الأتراك بخطورة الوضع، وقرروا الخروج في مظاهرة احتجاجية، لفتا للانتباه إلى إلى هذا الأمر. فحملوا أقلامهم و محابرهم في نعش للموتى، و طافوا به شوارع إسطنبول.

كان أول عهد للعالم الإسلامي بالمطبعة حين قدوم مهاجرين يهود إلى الأراضي العثمانية أيام السلطان بايزيد الثاني، حاملين معهم آلة طباعة تطبع الكتب بعدة لغات هي: العبرية، واليونانية، واللاتينية، والإسبانية، فط بعت التوراة مع تفسيرها أواخر القرن الخامس عشر.

وبعدها توالت الطباعة وانتشرت في أرجاء العالم الإسلامي: حيث أسس إبراهيم الهنغاري بداية القرن الثامن عشر في اسطنبول، وسمح له بطباعة الكتب عدا القرآن الكريم، لأن الموقف الفقهي حين ذلك كان مائلا إلى اعتبار طباعة القرآن إنزال من قدره ومس بقدسيته، وتعريضا له لخطر التحريف.

وقد زكى هذا الاعتقاد كون أول نسخة مطبوعة للقرآن الكريم والتي طبعتها مطبعة فينسيا بداية القرن السادس عشر كانت مليئة بالاخطاء، ولا تزال هذه النسخة موجودة بمكتبة الدير الفرنسيسكاني بالبندقية إلى يومنا هذا.

على مدى قرون طويلة، جعل الحكام المسلمون أنفسهم، في خدمة الخط العربي. وكان كلما ضعفت دولة، احتضنته دولة أخرى. هذا دأبهم كما كان على مر التاريخ. إلى أن جاء كمال أتاتورك في بداية القرن العشرين، ليجد الخ ط العربي، يعيش مرحلة استثنائية في تاريخه، فأنجز ضده ما سمي بالانقلاب اللغوي.

قام أتاتورك بإصدار مرسوم، منع بموجبه كتابة اللغة التركية العثمانية بالحرف العربي، واستبدله بالحرف اللاتيني. وعلى إثر ذلك، بيعت بأزهد الأثمان، أطنان من الوثائق والكتب العربية القيمة، و أ رسلت أخرى إلى مصانع الورق، وأجبرت الصحف على اعتماد الحروف الجديدة، كما استعيض بكل المعالم العربية العامة بمعالم لاتينية غربية.

ليل الخطاطين، ذاك هو الوصف الذي أطلقته الروائية التركية ياسمين غاتا، على تلك الفترة التي عاش فيها الخطاط المسلم، أحلك لحظاته وأشدها قساوة، حيث تحكي فيها قصة جدتها الخطاطةرِقِ ت كِونت.

غير أن الخطاط التركي برغم محاصرته حينها بكل السبل، أبى أن يتخلى عن رسالته في تعليم الخط العربي، في أسلوب فريد أشبه بالمقاومة السلمية.

أحدث الانقلاب اللغوي في تركيا هزة في كل العالم العربي، فظهرت محاولات متعددة لتطوير الخط وإعطاء الدليل على النموذج الكمالي بأن الخط العربي قادر على التطور.

ويتجلى االتحدي التقني للخط العربي في وجود أحرف يمكن أن تظهر حسب موقعها في الكلمة، بثلاثة أو أربعة أشكال مختلفة. لذلك ظهرت العديد من المبادرات تحاول تقديم حلول لهذا الأمر، بدءا بمجمع اللغة العربية في

القاهرة، وانتهاء بالمحاولات المبادرات الفردية من خطاطين وأدباء ومهندسين.

 وإذا كان الخط يصارع بقوة وشموخ ليستجيب لتحديات العصر، فإنه ظل في المجال الديني يحتل نفس القدر والمرتبة. فكسوة الكعبة المشرفة، تختزل تاريخا طويلا من الاحتفاء.

فالكعبة المشرفة تمثل مركز العالم بالنسبة للعرب والمسلمين، ولذلك لا نستغرب إن وجدناهم على مر التاريخ يتنافسون على تكريمها، حيث كانت كسوتها ولا تزال شرفا يتبارى فيه الملوك والحكام ابتداء من الملك الحميري ت بّع أبي كرب، إلى العهد السعودي اليوم. وقد كان من أشهر خطاطي الكسوة المبدع التركي عبد الله زهدي.

 تصنع كسوة الكعبة المشرفة اليوم من الحرير الطبيعي، المصبوغ بالأسود، وقد طرزت عليه آيات وأسماء حسنى مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب الخالص. وقد رسمت بخط الثلث المكتبوب بعناية بالغة الدقة والجمال.

 ولعل فنان الحضارة الإسلامية، يختلف عن غيره من بقية فناني الحضارات الأخرى، كونه انصرف كلية عن الرسم إلى الخط والزخرفة، وكرس كل طاقته لخدمتهما، فاستوعبا كل شحناته الإبداعية، واستيهاماته الفنية. حِتى يِقول اِلفنان اِلتشكيلي اِلإسباني بِابلو بِيكاسو:”أعترف أِن آِخرِ نقطة وِصلنا إِليها فِي اِلتجريد، سِبقنا إِليها اِلخط اِلعربي بِأزمنة بِعيدة

 وحين دخلت تقنية الحواسيب على مجال التعلم والتواصل، كانت محفزا جديدا لمبادرات تطوير الخط حتى يندمج في سياق التكنولوجيات الحديثة، ومرة أخرى سوف يجد الخطاط العربي نفسه أمام نفس التحدي الذي واجهه منذ خمسين سنة مضت، وهو كيف يستجيب لتطور الاستعمال مع الحفاظ على جمالية الروح. لذلك لا نستغرب إن وجدنا لحد الآن من يعارض إدخال الحرف العربي إلى القوالب الرقمية. ومنهم خطاطون كبارا، في مستوى حسن شلبي.

 ولكننا نجد في الجهة الأخرى أيضا، خطاطين استحسنوا الحوسبة واعتمدوها في أعمالهم الفنية التعبدية.

          كانت اللغة الرقمية في البداية هي لغةبنير، وعلى هذا الأساس تم إدخال رموز مختصة بالحرف العربي ، غير انه، في تلك المرحلة، لم يكن بإمكان الحاسوب أن يستوعب المدى الجمالي للخط العربي، إلا بعد أن اعتمد الرمز الموحد. فأصبح بإمكان المهندس العربي أن ينتج برامج للخطوط الزخرفية، وأن يشكل الخط على الحاسوب. وهكذا ظهرت خطوط تميزت بشكلها الحر الانسيابي، وحروفها المتعددة الأشكال والارتباطات.

 في الوقت الذي تنتشر الغة العربية اليوم في جميع أنحاء العالم، بحكم قدرة الخط العربي على الانسجام مع التقنية الحديث، نلاحظ أن الخطاطين المبدعين لا يتكاثرون بنفس الوتيرة، وذلك ما يشكل تحديا للجانب الإبداعي والفني للخط العربي.

خاتمة:

وهنا، تحط رحلة الخط العربي رحالها، ولكن إلى حين، بعد أن رافقنا هذا الحرف البديع، لأكثر من عشرين قرنا من الزمان.

 عايشنا لحظاته الجنينية مذ كان أثرا ورسما، ثم تطور حرفا واسما، ليصبح جاهزا في اللحظة الحاسمة، كي يحمل القول القرآني آية ونصا.

وحيث كان خطر التصحيف والتحريف يترصده، واكبناه حتى تسلح في بغداد بالحركة الشاكلة، والنقطة العاجمة.

 ثم رصدنا أقلامه وهي تصبح أكثر دقة وإتقانا، ليفرز خطوطا تقعدت إلى ان أفرزت أنواعها الستة، ثم انتشر في الآفاق، لتتبناه الامم الأعجمية فتعربت. فمنحته من ذائقتها الحضارية ما أصبح به أكثر غنى وأبهى تألقا.

 وحين حامت حوله المكائد والتحديات، رافقنا معاناته وصموده، حتى حقق تحديه، أصبح اليوم أقدر على مواصلة المسير، نحو آفاق جديدة. حيث سيكون الغد القريب أكثر احتياجا للخطاط العربي المبدع، لأنه هو وحده، يملك كلمات سر حضارة، عاشت بين ثنايا الحروف.

ماهر الملاخ

ماهر الملاخ- باحث أكاديمي وإعلامي- متخصص في سيميائيات الصورة- تحضير دكتوراة في مجال السيميائيات- له عدة بحوث في مجال الدين والتراث والفلسفة والتاريخ والسياسة والتربية- أخرج وأنتج عدة أفلام وثائقية- منتج منفذ برامج تلفزيونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى