بعد الفشل المأساوي للحل الصهيوني.. هل يوجد حل إسلامي بديل ل”المسألة اليهودية”؟
بقلم د.الحبيب الشوباني/المغرب
مقدمة:
تمتلك كل بيئة حضارية جاهزياتها الإدراكية الخاصة بها لفهم الأحداث والعالم، وتختزن في وجدانها الجماعي التاريخي استعداداتها الروحية المتمايزة عن غيرها من الحضارات الأخرى، عند مواجهة أي تحدي يفرض عليها إنتاج حلولٍ للمعضلات التي تهدد وجودها. إنه لأمر بدَهِيٌّ جدا أن تتم مواجهة المخاطر الوجودية ذات الجوهر الحضاري بناءً على التمثُّلات الدينية والفلسفية التي تشكل “صبغيات الهندسة الوراثية الثقافية chromosomes du génie génétique culturel” لأي حضارة، وعلى المقولات والنماذج التفسيرية التي تنتجها على أساس تمثُّلاتها الخاصة، وهي تعالج الظاهرة موضوع المواجهة والتحدي.
لقد أنتجت المجتمعات المسيحية أجوبتها الحضارية الخاصة بها وهي تواجه تحديات “المعضلة / المسألة اليهودية“، وتصوغ مفرداتها، وتَنْحتُ مفهومها بعد كل محاولة فاشلة للتعايش بين اليهود والمسيحيين؛ في البدء كان الحل اللاهوتي حلا بالكراهية، وبالعزل في الجيتوهات، وبالاضطهاد؛ وجاء بعده الحل التنويري بفكر الاستيعاب، والاندماج، والمساواة؛ ثم جاء الحل النازي بالإبادة، وبصفقات التجارة والتهجير؛ وفي الأخير جاء الحل الصهيوني بوعد الإبعاد خارج أوروبا نحو “أرض الميعاد”، وبتوظيف “الوطن القومي لليهود” ضمن مشروع استعماري امبريالي كبير.
لقد جاء الدور اليوم على الحضارة الإسلامية أن ترفع التحدي وتنتج حلها الخاص للمسألة اليهودية، منذ أن ألقى العقل الغربي-الصهيوني بهذه المسألة في حِجْر العالم الإسلامي؛ أي منذ وعد بلفور سنة 1917 الذي استنبت كيان الاستيطان الصهيوني الإحلالي في فلسطين بالقوة الغاشمة. إن الأحداث المتسارعة منذ انفجار طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، تؤكد أن المشروع الصهيوني انتهى إلى حالة من التأزم الوجودي، وإلى واقع يثبت قرب انتهاء صلاحيته الوظيفية؛ كما تشهد التحولات الجارية على استحالة اندماج الكيان الصهيوني في العالم العربي الإسلامي، بما يجعله كيانا قابلا للوجود والاستمرار الطبيعي بقوة أي مشروعية أخلاقية أو قانونية مُتخيَّلة أو متوهَّمة، وفي غياب شِرْعَةِ القوة التي مارس بها الغرب الامبريالي إنشاءه وحماية وجوده باستضعافه للشعب الفلسطيني، واستكباره على المسلمين وعلى العالم.
إن الحل الإسلامي للمسألة اليهودية حل حتمي وله أسسه وخصائصه، وهذا الحل لا يستمد تفسير حتميته، فحسب، من نصوص المرجعية الدينية الإسلامية ونبوءاتها المتعددة؛ بل يستمده أيضا من تحليل وفهم حركة التاريخ وهي تشتغل كقانون لصيرورة صراعيَّة، توجها جدلية التطور بالتناقضات السُّنَنيَّة الموضوعية. إن حركة التاريخ حركة تحررية صاعدة ومتجهة دوما نحو أفق تحقيق انعتاق الشعوب من الاستبداد ومن العبوديات؛ فالحل الصهيوني بمنطق الاستدراج الكامن في مكر حركة التاريخ، إفراز امبريالي لسياسة دولية فرَضتها القوى الرأسمالية في مرحلة من مراحل علُوها واستكبارها، ولذلك فإن الرأسمالية ماضية حتما في اتجاه إنتاج عوامل ضعفها، كما أنتج الإقطاع الذي قامت على أنقاضه عوامل فنائه وشروط ميلاد الرأسمالية وتغوُّلِها.
1. أسس الحل الإسلامي:
أ- الأساس التاريخي للأرض: بحسب قطعيات علم التاريخ، فإن فلسطين كانت أرضَ قبائل عربية منذ ما يزيد عن ستة آلاف وخمسمائة 6500 سنة، وأن “بني إسرائيل” عاشوا في فلسطين، إما عابري سبيل، أو لاجئين، أو تنظيمات سياسية مؤقتة لمدة لم تزد عن ثمانين سنة تحت حكم داوود وسليمان عليهما السلام، وعلى جزء محدود من فلسطين التاريخية؛ وقد عبَرت قبلهم وبعدَهم أمم شتى، أسست لها في فلسطين دولا وحضارات، ولمدَدٍ أطول. فعلاقة الأرض المقدسة باليهودية الدِّينُ، ثابتة كثبات علاقتها بالمسيحية وبالإسلام، من جهة وجود تراث ديني وروحي يصل هذه الديانات بتلك الأرض المقدسة كما يعتقد ذلك أتباع كل دين. لكن هذه العلاقة تظل علاقة غير عضوية من جنس ما يمكن أن يُنشئ صلاتٍ وحقوقاً عقارية ثابتة لجماعات عابرة أو تنتمي لشعوب أخرى في المعمور؛ أي أن هذه العلاقة الروحية الثابتة تكفل لليهود من غير الفلسطينيين (كما للمسلمين والمسيحيين من غير الفلسطينيين)، حق التمتع بالشعور الديني تجاه الأرض المقدسة، وممارسة السياحة الدينية، لا غير.
ب- الأساس التاريخي للشعب: تاريخيا أيضا، ومنذ سنة سبعين 70 ميلادية (عصر الإمبراطور الروماني Titus)، لا توجد علاقةُ تملُّكٍ عقاري أو وجود سياسي منظم أو غير منظم، يربطان الجماعات اليهودية المنتشرة بين مختلف شعوب البشرية، بأرض فلسطين. فيهود “بني إسرائيل”، ككل قبائل وجماعات بلاد الشام، اعتنقوا جزئيا أو كليا المسيحية، ثم الإسلام، في إطار تحولات عقائدية طويلة ميزت نشوء وانتشار الديانات في أرض فلسطين. إن “يهود الشتات” اصطلاح إيديولوجي سياسي استعماري حديث، من مادته الدعائية تم اختراع أسطورة “الشعب اليهودي البديل” لتبرير إبادة “الشعب الفلسطيني الأصيل“؛ وهي أسطورة من أساطير السردية الصهيونية الاستيطانية الإحلالية، وإفراز مرَضي لتاريخ اضطهاد اليهود في المجتمعات الأوروبية المسيحية، أنتج ما يعرف في الفكر الغربي ب”المسألة اليهودية” كعنوان لمعضلة عصِيَّةٍ على الحل، نشأت في مناخ التعايش المأساوي والمستحيل بين اليهود والمسيحيين الأوروبيين.
ج- الأساس التاريخي للصراع: تم تنفيذ “الحل الصهيوني للمسألة اليهودية” في فلسطين، وهي قلب العالم الإسلامي، باستغلال مرحلة تفكك آخر خلافة إسلامية في العقد الثاني من القرن العشرين، بتزامن مع صعود أطماع الرأسمالية الامبريالية في إرث هذه الخلافة الآفلة، مع تلبُّسها كاستعمار شرس بروح صليبية جديدة مؤسسة على ثالوث نبوءات المسيحية الصهيونية، المنبعثة كقوة سياسية وعسكرية من أمريكا الشمالية (نبوءة عودة المسيح لحكم العالم في الألفية السعيدة مشروط ب: تجميع اليهود في فلسطين/أرض الميعاد، بناء الهيكل، معركة هرمجدون). لقد تمكن الاستعمار الغربي من توظيف فكرة “الوطن القومي لليهود” بتنسيق مع الحركة الصهيونية، لتحقيق هدفين كبيرين: (أولا) تأسيس كيان صهيوني بمثابة قاعدة عسكرية امبريالية ثابتة في فلسطين، و(ثانيا) التخلص في الآن نفسه من مشكلة الوجود اليهودي في أوروبا، وبشكل نهائي.
د- الأساس الحضاري للحل: لم تنشأ في العالم الإسلامي “مسألة يهودية شرقية”، لأن القيم الحضارية الإسلامية لا تقبل التعايش مع أي جهاز مفاهيمي يسوغ اضطهاد اليهود وغيرهم من ذوي العقائد المختلفة، وتحت أي مبرر كان. إن الحضارة الإسلامية أنتجت تاريخيا “حلها الإسلامي المتحضر لعلاقة المسلمين باليهود”: يَعْتَبِرُ الفقه والحُكم الإسلامييْن اليهود في دار الإسلام التاريخية من رعايا ولي الأمر، يتمتعون بالحقوق المكفولة للأغلبية المسلمة، وتربطهم بالدولة الراعية لحقوقهم المدنية والدينية نفس علاقات الولاء التي تجب على غيرهم. في هذا الفصل من التاريخ اليهودي، تحقَّق لليهود من التعايش السلمي مع المسلمين، ومن الأمان الديني والرقي الاجتماعي، ومن التمكين الاقتصادي والحظوة السياسية، ما لم يتحقق لهم في حضارة الغرب المسيحي بإطلاق. لأجل ذلك، يُعتبر هذا التاريخ بالنسبة لليهود واليهودية عصرا ذهبيا بلا جدال. إن الحل الإسلامي سيكون حلا ضد الصهيونية وعلى أنقاض حلها الفاشل، لا حلا ضد اليهودية كدين، أو ضد اليهود كجماعات بشرية تستقل بخصائصها الثقافية المميزة.
ه- الأساس الأخلاقي للحل: من جهة أولى، يمتلك العالم الإسلامي أهلية أخلاقية تاريخية ترشحه لادعاء امتلاك القدرة
على إنتاج حل إسلامي محيّن ومعاصر لمأزق المسألة اليهودية، بحكم تاريخ التعايش النموذجي بين اليهود والمسلمين في المجتمعات الإسلامية، عكس تاريخ كراهية اليهود واضطهادهم بالعزل والمذابح الممنهجة في أوروبا. ثم إن الحل الإسلامي البديل، من جهة ثانية، ينتصب كضرورة أخلاقية كونية، يستدعيها الحفاظ على إنسانية البشرية بعد اكتشاف
العالم – بمفعول الثورة الرقمية- حالة التوحش النازي اللاأخلاقي للحل الصهيوني في محرقة غزة؛ ومن جهة ثالثة، يستمد هذا الحل أيضا مشروعيته من الفشل الأخلاقي الحداثي الغربي، الراعي الرئيسي لحرب الإبادة الجذرية للوجود الفلسطيني، والممول الحصري لآلة الحرب الصهيونية التي عملت منذ حوالي ستة وسبعين سنة كجهاز فاشي، على تنفيذ سياسات استيطانية وعنصرية تعتمد التهجير، والإبادة، والاغتيال، والتهويد، لفرض واستدامة الحل الصهيوني في فلسطين.
و- الأساس الوحدوي الإسلامي للحل: إن الحل الإسلامي المؤهل لتغيير حركة التاريخ، سيتحقق بميلاد وحدة أممية إسلامية شعورية، ثم وحدة أممية إسلامية فعالة رسميا وشعبيا، مؤهلة فكريا وعلميا وعمليا لتعبئة جهود المسلمين في جبهة الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم، وفي جبهة موازية بالتعاون مع أحرار العالم لتعزيز حكم القانون كونيا. إن الحل الإسلامي المرشح لحل المسألة اليهودية حلا عادلا، لن يكون مؤطرا بمواريث فقه التخلف اللاحضاري للمسلمين، والتي من أهمها تمظهراتها كونُ أغلب مجتمعاتهم كيانات بدون مجتمعات مدنية حقيقة، وبدون مؤسسات حكم رشيد راعية بجدارة لمصائر الشعوب المسلمة؛ وكونهم أيضا عالقين منذ قرون بين مخالب فقه الاستبداد وفكر التشظي المذهبي والطائفي والعرقي المكرِّس للانقسام والتشرذم. إن الحل الإسلامي لن يكون حلا طائفيا أبدا، بل حلا توحيديا ووحدويا أمميا سيخرُج حده الأدنى وشرطه الضروري من رحم تحولات حاسمة للعلاقات بين الشعوب والدول الإسلامية. هذه التحولات ستعيد بناء ثقافة التصالح والمصالحات الاستراتيجية المجددة لموازين قوة المسلمين في العالم، وسيستعيد بها العالم الإسلامي احترامه الدولي وانسجامه المصيري، واستقلالية قراره السياسي والعسكري. بهذا المعنى، فإن مأزق الحل الصهيوني كما صنعته المقاومة الإسلامية الجنينية الموحّدة ضده في زمن الطوفان، يؤشر لبداية ميلاد عصر هذه المصالحات وهذا الانسجام المصيري، وهو مؤشرٌ أيضا على وجود تغيُّرات جارية في عمق منظومات الوعي العميق لدى المسلمين، وفي بنيات موازين القوة الإقليمية والدولية لصالح هذا الحل.
2. خصائص الحل الإسلامي:
بناء على الأسس الستة أعلاه، يمكن حصر الخصائص الخمس للحل الإسلامي البديل ل”المسألةاليهودية“، بعدما انتهى بها الحل الصهيوني إلى مأزقها الوجودي، فيما يلي:
أ- خاصية قيام الحل الإسلامي على مبدأ العدل: لا يمكن للحل الإسلامي أن يكون حلا ظالما للفلسطينيين أو لليهود على السواء: ظُلْمُ الفلسطينيين يكون بالتنكر للأسس التاريخية للصراع، والاعتراف بملكية أرضهم لمستوطنين غرباء، غرّرت بهم الحركة الصهيونية يوم رحّلتهم من أوطانهم التي فيها تاريخهم القومي غير المزيف، وفيها معابدهم ومقابر أجدادهم منذ قرون؛ أما ظلم اليهود فيكون بمواصلة تضليلهم بالترويج لحل غير قابل للحياة، والإبقاء عليهم رهائن حل صهيوني يُصرُّ على غسل مظلومية اليهود التاريخية في أوروبا، بمظلوميةٍ أبشع وأشنع للشعب الفلسطيني على أرض أجداده. إن المشروع الصهيوني مصمَّمٌ بشكل انتحاري وأعمى للاشتغال كنظام تمييز عنصري متوحش، يكفر بحقوق الفلسطينيين ويمارس شهوة قتلهم وإبادتهم الجماعية؛ بالموازاة مع رهانه على قوة الغرب الامبريالي لدمجه قسرا في كيان الأمة المسلمة، بسياسات التطبيع المفروضة على دولها ومجتمعاتها.
ب- خاصية قيام الحل الإسلامي على مبدأ الواقعية: لقد تأكد للعالم بعد المواقف الرسمية المعلنة لجميع مؤسسات الحكم في “إسرائيل”، أن حل الدولتين أكذوبة تفاوضية، وتضليل غايته ربح الوقت لضمان توفير السلم للمشروع الصهيوني، كي يستكمل تهويد فلسطين وإحكام سيطرته عليها. إنه لا يمكن في واقع الحال لدولة فلسطينية أن تولد وتستمر بجوار دولة صهيونية لسببين: (أولا)، لأن المشروع الصهيوني يعتبر سياسيا ودينيا أي وجود لكيانيَّةٍ فلسطينية، نقيضا لوجود كيانيته العنصرية الدينية الخالصة، وخطرا عليها؛ (ثانيا)، لأن مشروع التحرر الفلسطيني في عصر الطوفان طوى صفحة حلول “أوسلو” التضليلية بعد فشلها المجمع عليه، وبات يعتبر الاعتراف بدولة يهودية على جزء من فلسطين التاريخية، تفريطا غير أخلاقي في حقوق الشعب الذي اغتصبت أرضه بالقوة.
ج- خاصية قيام الحل الإسلامي على مبدأ الشراكة العالمية: على الرغم من أن “المسألةاليهودية” كما صاغها وفرض واقعها الحل الصهيوني، أصبحت مشكلة فلسطينية وعربية وإقليمية وإسلامية، إلا أنها تظل في العمق “مشكلة عالمية“، ولذلك سيظل مصير السلم العالمي يرتبط بها ارتباطا وثيقا، وفي كل تقلباتها. لهذا الاعتبار، سيكون الحل الإسلامي حين تكتمل شروط تحققه في التاريخ، حلا دوليا مقبولا ومعترفا به، وسيكون قائما على شراكة عالمية تزكيها مؤسسات أممية غير تقليدية، سواء تلك التي سيتم تفعيل أدوارها وإصلاح أعطابها، أو تلك التي ستولد من رحم تحولات صراع القوة والنفوذ التي يتجه نحوها العالم حتما. إن التغيرات الجارية في موازين صراع القوى لحكم العالم، تسير بخطى حثيثة لتجاوز حقبة الهيمنة الغربية الامبريالية، والتي ستظل مظلومية الشعب الفلسطيني من أبرز كوارثها الأخلاقية والإنسانية.
د- خاصية قيام الحل الإسلامي على مبدأ الحكم الرشيد: إن حل الدولة الفلسطينية الموحَّدة هو الحل الذي ينتمي لروح وقوانين عصر ما بعد زوال غرور القوة الصهيونية، وما بعد انكسار موجات المد الامبريالي الغربي، وما بعد انقشاع حالة الضعف السياسي والتشرذم المذهبي الإسلامي. إن نظام الفصل العنصري الصهيوني لا مستقبل له، والدولة الفلسطينية التي سيتعايش فيها الفلسطينيون من المسلمين واليهود والنصارى، في ظل نظام سياسي حديث يقوم على مبدأ الحكم الرشيد، وعلى المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات، هي الدولة التي ستقوم حتما على أنقاض نظام الفصل العنصري. وسواء تحققت هذه الدولة بتفكيك هذا النظام الصهيوني سِلما أو حرْبا (مع ضعف احتمالية الحل السلمي، بسبب تجذر غرور القوة في الرؤية الإدراكية للمشروع الصهيوني)، فإن المآل الحتمي للصراع لا يجب أن يعني إلقاء اليهود المستوطنين في البحر، بل يعني أن “حل العودتين” هو المخرج المسؤول، والأفق الإنساني المشرِّف: بموجب هذا الحل، يجب أن يعود من شاء من اليهود إلى وطن أجداده الذي هاجر منه هو أو آباؤه، ويعود الفلسطينيون من شتاتهم إلى وطنهم الأم.
ه- خاصية قيام الحل الإسلامي على مبدأ أن تحرير فلسطين تحرير للعالم: إن الحل الإسلامي للمسألة اليهودية ليس حلا هُوِّياتيا مغلقا ومنكفئا على ذاته، ولكنه بالضرورة سيكون حلا عالميا ولمصلحة العالم؛ هذا الحل ستفرضه القوة الهادرة لحركة التاريخ المتجهة دوما نحو انعتاق الشعوب من الاستبداد ومن قهر الظاهرة الاستعمارية، وسيكون المآل الحتمي لتنفيذ هذا الحل الإسلامي هو تخليص البشرية من آخر نظام فصل عنصري فرضه عليها الاستعمار الامبريالي الغربي. إن الحل الإسلامي الذي سيتجمع حول شرعيته ومشروعيته كل أحرار العالم، هو “الحل بالعودتين لا بالدولتين“. في إطار هذا الحل العادل والواقعي، سيكون تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني لحظة فارقة في صيرورة صراعية جديدة لتحرير العالم من الاستكبار الامبريالي الغربي؛ سيتم الأمر كتتويج لنضال حركة تحررية إنسانية عالمية قادها الكفاح الطليعي للشعب الفلسطيني “الأيقونة”. في إطار هذا الحل والتتويج، ستسوَّى المظالم المتراكمة بعدالة انتقالية ملائمة ومتحضرة، كما تم الأمر في مراسيم تفكيك نظام “الأبارتايد” في جنوب أفريقيا، بتلك الطريقة المبتكَرة التي أثارت إعجاب العالم وانتزعت الاحترام لمهندسيه من ألد أعدائهم.
خاتمة
إن الحل الإسلامي للمسألة اليهودية ليس حلا اختياريا يمكن تفاديه أو تأجيله إلى ما لا نهاية، سواء من جهة الشعوب أو من جهة الأنظمة السياسية التي لها صلة انتساب وثيق بقيم الحضارة الإسلامية؛ ولكنه حل تؤكد أسسه وخصائصه أنه حل ضروري وقَدَري، وهو حل آت لا ريب فيه بقوة حركة التاريخ وسُنَنِه التي لا تتخلف في كنس سياسات رعاة الظلم، بمزيد من نجاحات دعاة العدل؛ وفي كسر أغلال أنظمة الاسترقاق بالعبوديات، بمزيد من التمكين لأنظمة الانعتاق بالحريات. إن استمرار وجود الأمة الإسلامية في التاريخ، واستمرار حضور قيم الحضارة الإسلامية في العالم، واستمرار جهود حماية السلم العالمي أن يكون مصيره ضحية نفاق خطاب التعايش الغربي، في الوقت الذي يتواصل فيه استعباد شعوب بكاملها، أمر بات يدور مع هذا الحل الإسلامي وجودا وعدما. إن الحل الإسلامي للمسألة اليهودية بهذا المعنى الكثيف، حل جذري لإبادة جذرية تجري فصولها أمام العالم؛ ولأنه كذلك، فسيكون حلا مريحا للمسلمين ولليهود وللعالم، وسيكون فاتحة عصر جديد لحضارة إنسانية جديرة بالانتماء للبشرية، في أصل وصورة فطرتها السوية.