الشهودالسياسة

ماذا لو هُزمت المقاومة الفلسطينية؟ (تمرين نفسي)

قيل: “إن للنصر ألف أب، والهزيمة لا أب لها.”
تسند تلك العبارة للرئيس الأمريكي المغتال، جون كينيدي، أنه قالها حينما اتهم بالخضوع لنظام الحكم الشيوعي في كوبا، سنة 1961، فأزال فتيل حرب نووية فيما سمي بأزمة “خليج الخنازير”.
ولا تهم صحة إسناد تلك المقولة له، بقدر صحة حقيقتها، فالعموم من الناس مغرمون بالمنتصر، منفضون عن المنهزم ومتبرئون منه.

وبيت القصيد من ذلك، أن نعرف أنفسنا وحقيقة موقفنا تجاه المقاومة الفلسطينية: 

فاليوم، إذا كتب لها النصر في هذه المعركة، ستجد ألف أب وأب، يتباهى بدعمه لها، ومساهمته في نصرها، ولو بمقال على موقع، أو بمنشور على منصة.
ولكن، ولكن.. ماذا لو هزمت المقاومة شر هزيمة، وسحقت سحقا مبرما.. هل ستكون ممن سيبادر الى حذف منشوراته، ولي عنقه للاتجاه بعيدا عن كل ما يربطه بها وبقضية تسمى: فلسطين؟ أم ستظل وفيا لهذا الحق، قابضا على هذا الجمر؟

لتعرف الجواب منذ الآن، ما عليك سوى أن تجري، على ذاتك، تمرينا نفسيا بسيطا، وأنت تعيش هذه اللحظة الحساسة من تطورات المعركة مع العدو الصهيوني، وذلك قبل بداية الجولة القادمة، من هذه المعركة الحالية، وقبل حسم نهايتها مع العدو الصهيوني: فتسأل نفسك، سؤالا واضحا وقاسيا:
ماذا لو هُزمت المقاومة؟
ماذا لو، خلال هذين اليومين القادمين، باغت العدو المقاومين في الأنفاق، وأطلقوا عليهم غاز السارين، وأمعنوا فيهم بالقتل. وتكبد المقاومون خسائر بعشرات الألاف من الشهداء؟ في ليلة واحدة. ونشر العدو الصهيوني صورهم عبر فضائيات العالم، ومنصات التواصل الاجتماعي، وهم مجندلين في دمائهم؟ ومختنقين تحت ركام تراب الأنفاق. ومشط الصهاينة غزة من شمالها الى جنوبها. واقتادوا سكانها كالقطيع نحو صحراء النقب وعلى حدود رفح. وأسكنوهم هناك في الخيام، وسووا مدينة غزة بالأرض، وأصبحت غرة قاعا صفصفا، لا عوج قيها ولا أمتا.
وخرج علينا السمج الثقيل الدم أفيخاي يعلن النصر بقوله: “لقد سحقنا الإرهابيين، وأنقذنا الفلسطينيين من حماس المجرمة.” واحتفل نتانياهو ووزير حربه بالنصر مع جنودهما، من قلب غرفة عمليات المقاومة، وتبجح بأخذ لقطات وهو يتجول داخل أنفاق المقاومين..
ماذا أنت فاعل حينها؟ غير الحزن والحسرة والبكاء؟
هل ستتوقف عن تبني قضية فلسطين؟ هل ستسلم ب”الأمر الواقع”؟ هل ستعترف للمغتصب بحقه في الاحتلال؟ وتقول: ما باليد حيلة؟ لقد ناصرناهم ولكنهم خسروا؟ وتستأنف حياتك كما كانت. بل أهدأ مما كانت؟ فلا شعب يحرجك بدعمه ومساندته، ولا مقاومة تدخلك كل مرة في أجواء الحرب ومشاهد الدمار.
هل ستفعل ذلك؟ أم سوف تبدأ مقاومتك الجديدة؟
وترفع شعار: (الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح، للذين أحسنوا منهم واتقوا اجر عظيم.) كما نزلت في أصحاب سرية أبي سلمة الشهيد، وسرية عبد الله بن أنيس، بعد غزوة أحد، سنة 3هجرية/625م.
هل ستعتبر شهداء المقاومة مجرد مغامرين انتهى أمرهم؟ أم ستعتبرهم منارة تنير بها درب الحق والجهاد في سبيل العزة والكرامة والحرية والعدالة؟

اذا أعوزك كل ذلك، فلا أقل من أن ترجع الى شواهد تاريخ الأمم الأخرى، فتقرأ تاريخ هيرودوت، لتعلم أن الملك الاسبرطي ليونيداس، قاد عملية مقاومة ب 300 جندي من أشد المخلصين لقضيته، ضد 300 ألف جندي فارسي، كانوا تحت إمرة الكسرى خاشايارشا، والذي كان ينوي إخضاع أسبرطة. فكانت نتيجة الاشتباك حاسمة: سُحق كل المقاومين، بما فيهم الملك المقاوم. ونجا منهم واحد، ذهب، بتكليف من القائد، لينقل القصة. هذه القصة توصلت بها زوجته الملكة جورجا، التي قادت حملة أشعلت بها همة سكان أسبرطة، ومن حولها من الإغريق، فجندت جيشها، فكانت معركة ترموبيل، سنة 400 ق.م.

فهل ستكون ممن يتلقون القصة، ويجيشون شعوب المنطقة وما حولها، من أجل المعركة الحاسمة ضد هذا الاحتلال البغيض، لينجلي تماما عن أمتنا وأرضنا، إلى غير رجعة؟
إن المقاومة ليست فريق كرة قدم، ترضى عنه إذا ربح المباراة، وتغضب منه وتولي عنه إذا خسر. وأنت لست جمهور تشجيع، تصفق مرة وتصفر أخرى. 
المقاومة قضية تحرر وكرامة، تظل تمتلك كيانك، بقدر ما أنت إنسان، سواء انتصرَت أو انهزَمت.

ماهر الملاخ

ماهر الملاخ- باحث أكاديمي وإعلامي- متخصص في سيميائيات الصورة- تحضير دكتوراة في مجال السيميائيات- له عدة بحوث في مجال الدين والتراث والفلسفة والتاريخ والسياسة والتربية- أخرج وأنتج عدة أفلام وثائقية- منتج منفذ برامج تلفزيونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى