الخامس والعشرون من رمضان: معركة تحدي الانهيار
1)بين يدي اللحظة التاريخية:
“تمر الأمة من منعطف خطير غير مسبوق”، مقولة طالما تم استهلاكها، لتضفي على اللحظة التاريخية “طابع الاستثناء”، وتحكمَ أذهاننا بالتحليل العجائبي المتفرد.
كما أن “التاريخ يعيد نفسه”، مقولة أخرى في مقابل الأولى، تجعل الإسقاط الرغائبي سيد الموقف.
والحصيلة في كلتا الحالتين: ذهنية التسطيح في التعاطي مع اللحظة التاريخية، وبالتالي القصور عن إدراك جوهر ما في التاريخ من أحداث وأحوال.
نعم، إننا في حاجة مستمرة، لاستدعاء الأحداث الماضية، ومقارنتها بما نعيشه ونكابده، كي نتمكن من تشخيص اللحظة تشخيصا صحيحا. غير أننا إذا كنا نستطيع أن نتميز بقدر من الوعي التاريخي، ونحن نقرأ التاريخ الذي مضى، إلا أنه “نادرا ما يكون جوهر الأحداث التاريخية واضحا بالنسبة إلى أولئك الذين يعيشون عبرها”، كما قال هنري كيسنجر (النظام العالمي الجديد، ص: 320).
إذ يستلزم منا ذلك، أن نمتلك القدرة على التمييز بين القوانين التاريخية الثابتة، وخصوصيات الأحداث والظروف التفصيلية المتغيرة.
وهو ما يساعدنا على اجتراح المسارات الممكنة لتجاوز الأزمات الحاصلة. تلك الأزمات التي تمثل “التحدي” الذي يقدح شروط “الاستجابة”، بمفهوم أرلوند توينبي، حيث يسير التاريخ وتتغير الأحوال عبر التفاعل بينهما.
وما الحالة التي نحياها بدعا من اللحظات التاريخية السابقة، فهي تأتي لا محالة نتيجة أسباب موضوعية متكاتفة، لا يمكن الخروج منها بغير تحقيق الشروط الموضوعية المتكاتفة أيضا.
وبعيدا عن أي نزوع نحو الاستثناء العجائبي أو الإسقاط الرغائبي، فإننا حين نتأمل هذه اللحظة، التي نمر منها اليوم، ونقارنها بسابقاتها في تاريخنا، نجدها مقاربة لتلك الأوضاع التي عاشتها الأمة خلال القرن الثالث عشر الميلادي، أي بالضبط، تلك الظروف التي أحاطت بمعركة عين جالوت.
شكلت معركة عين جَالُوت، التي وقعت في ٢٥ من رمضان سنة ١٢٦٠م، محطة نوعية في تاريخ الأمة، إذ غيرت مجرى الأحداث: من تتالي الهزائم، إلى تتالي الانتصارات. وتكمن المفارقة في كون العرب والمسلمين حينها لم يكونوا في أحسن حال: فلقد كانت فلسطين محتلة من قبل الصليبيين، والعراق مستعمرة من قبل التتار بعد إعدام رئيس الدولة المستعصم بالله، ومصر تئن تحت وطأة الانقلابات العسكرية للمماليك، والشام منقسم على نفسه بين أمراء الحرب والغنيمة، والمغرب الإسلامي لا شأن له بمشرقه.. غير أن إنجاز النصر في تلك المعركة، قد تحققت له، من عوامل “التحدي”، شروط “استجابة” موضوعية، تستحق التأمل والنظر.
2) عوامل التحدي: طائفية وتفرقة واستعمار:
•الطائفية معول الخراب:
سادت القرن الثالث عشر حالة من الاحتقان الطائفي، وذلك في ظل ضعف الدولة العباسية. حيث يروي ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان (3/117)، أن مدينة الري، كانت في عهد الخليفة أحمد بن الحسن المستضيء بالله من أكثر الحواضر مدنية وعمرانا، قبل أن يصيبها التعصب الطائفي لتصبح مدينة خرابا إذ يقول: “اجتزتُ في خرابها وأنا منهزم من التتر سنة 617 ه، فسألت رجلاً من عقلائها عن السبب فقال: كان أهل المدينة ثلاث طوائف: شافعية وهم الأقل، وحنفية وهم الأكثر، وشيعة وهم السواد الأعظم؛ لأن أهل البلد كان نصفهم شيعة. وأما أهل الرستاق فليس فيهم إلاّ شيعة وقليل حنفية، فوقعت العصبية بين السنة والشيعة فتظاهر عليهم الحنفية والشافعية، وتطاولت بينهم الحروب حتّى لم يتركوا من الشيعة من يُعرف، فوقعت العصبية بين الحنفية والشافعية، ووقعت بينهم حروب كان الظفر في جميعها للشافعية حتّى أفنَوا الحنفية، مع أن الشافعية أقل إلاّ أن الله نصرهم عليهم، فهذه المحال الخراب التي ترى هي محال الشيعة والحنفية. وبقيت هذه المحلة المعروفة بالشافعية، وهي أصغر محال الري، ولم يبق من الشيعة والحنفية إلاّ من يُخفي مذهبه .”
•التجزئة أساس الضعف:
ومن جهة أخرى، كانت التجزئة السياسية هي الغالبة على العلاقة بين الدول والممالك الإسلامية: فأغلب المدن الفلسطينية كانت مستعمرة من قبل الصليبيين، كما كانت العواصم الثلاثة المركزية ( بغداد ودمشق والقاهرة) تطبعها علاقة عدم الانسجام إن لم نقل علاقة خصام وعداوة.
فبغداد التي تمثل مركز الخلافة العباسية لم يكن لها أدنى تأثير على بقية أطراف العالم العربي والإسلامي. كما أن دمشق التي كان يحكمها الأيوبيون كانوا على عداء تام مع القاهرة التي تمكن منها المماليك، حيث اعتبر الأيوبيون الشاميون أنفسهم الورثة الحقيقيين لحكم مصر.
ومصر نفسها كانت تعاني من فراغ في كرسي الحكم بعد وفاة الملك الصالح أيوب نجم الدين، فخلفه ابنه توران شاه الذي كان صاحب سيرة سيئة في تدبير الحكم، حيث قتله المماليك بعد أربعة أشهر من حكمه، فأعلنت شجرة الدر نفسها ملكة على البلاد. هذا الحكم الذي رفضه الخلفية وبقية الأمراء في الشام، فاضطرت الملكة إلى التنازل عن الحكم بعد ستين يوما، وتزوجت عز الدين أيبك وولته حكم مصر بدعم من المماليك. وفي ظل خوف الملك الجديد من المماليك، عمد إلى تدبير عملية انشقاق داخلهم، فاستقطب المماليك المعزية، وتمت تصفية زعيم المماليك البحرية فارس الدين أقطاي، وذلك على يد سيف الدين قطز. مما دفع البحرية إلى مغادرة القاهرة متوجهين إلى إمارات الشام المختلفة، وهو ما أضعف الجيش المصري أمام تهديد التتار، الذين قضوا على الجدار الواقي للحظيرة الإسلامية:
الدولة الخوارزمية، بعد أن أسقطوا بخارى وسمرقند وإقليم خراسان. ثم سقطت أذربيجان وهمدان وتبريز وداغستان والشيشان، وضموا إليهم إقليم فارس كله ، وأخذوا يدقون أبواب بغداد.
وفعلا، ما هي إلا فترة وجيزة حتى اجتاحوا عاصمة الخلافة، وأمعنوا فيها حرقا وسفكا للدماء، وتوجوا كل ذلك بقتل الخليفة العباسي المستعصم بالله، وكذلك فعلوا في جل نسله وعقبه.
•الاستقواء بالعدو الخارجي خنجر في الخاصرة:
ومن المفارقات التاريخية، أن أول من أغرى التتار بدخول بلاد المسلمين، كان هو الخليفة العباسي أحمد الناصر قبل حوالي ثلاثين سنة، والذي كان على خلاف مع الخوارزميين، فأوعز إلى المغول أن يقضوا على سلطانهم خوارزمشاه.
سلوك الاستعانة بالعدو الخارجي ضد خصم داخلي كان سائدا حينها، وهو ما قام به أيضا الصالح إسماعيل ملك دمشق، على سبيل المثال: حيث جاء في طبقات الشافعية في سياق الحديث عمن “توفي بين الستمائة والسبعمائة” : (ثم إن المصريين حلفوا للملك نجم الدين أيوب، وكاتبوه بذلك، فوصل إليهم وملك الديار المصرية، وسار في أهلها سيرة مرضية، فخاف منه الملك الصالح إسماعيل، خوفا منعه المنام والشراب، واصطلح مع الفرنج على أن ينجدوه على الملك الصالح نجم الدين، ويسلم إليهم صيدا والشقيف، وغير ذلك من حصون المسلمين، ودخل الفرنج دمشق لشراء السلاح ليقاتلوا به عباد الله.)
لم يتوقف التتار عند بغداد، بل تابعوا اجتياحهم نحو الشام تحت قيادة هولاكو، وبتحالف مع بعض امراء العرب والمسلمين، ليحتلوا في ذات السنة ميافارقين ثم حلب فحماة ودمشق في نفس العام.
وبينما كان هولاكو يتهيأ لاجتياح بقية المدن الفلسطينية التي لا تخضع للصليبيين، ليسهل عليه الوصول إلى مصر، هدفه الاستراتيجي، جاءه نبأ وفاة منكو خان والي التتار على بلاد فارس، فقرر الإسراع إلى إيران لاقتناص فرصة تولي الإقليم. وأوكل إتمام الاجتياح نحو مصر إلى أخيه كتبغا إكمال الفتوحات، حيث تمكن من احتلال بقية مدن فلسطين .
•تحدي الانهيار الشامل:
وكانت حصيلة كل ذلك، ان أصبحت آخر عاصمة عربية إسلامية كبيرة مهددة بالسقوط: فمن مدينة بعلبك، مقر القيادة الإقليمية للتتار، أعلن القائد كتبغا نويان الحرب على مصر، عبر رسالة تحمل أكبر قدر ممكن من عبارات الاستعلاء والاحتقار، ومن ضمن ما جاء في نصها الوارد بكتاب “السلوك لمعرفة دول الملوك” لتقي الدين المقريزي: “من ملك الملوك شرقاً وغرباً الخاقان الأعظم، باسمك الله باسط الأرض ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم يتنعمون بأنعامه …أنَا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطناً على من حل به غضبه، سلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرفق بمن شكى .. فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتلنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عن الكلام، وخنتم العهود والأيمان وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان ….”
3) شروط الاستجابة: تكاتف النخبة المبدعة:
بعد كل ذلك السقوط والتردي أصبحت القاهرة عاصمة الأمة، وهدفا مباشرا للاجتياح التتاري. فكان عليها أن تخوض معركة مصيرية دفاعا عن حضارة عمرها سبعة قرون، على وشك أن تنهار وتندثر.
في تلك اللحظة الفارقة، كانت قد تحققت مجموعة من شروط الاستجابة للتحدي، تجلت في ثلاث عناصر متكاتفة، شكلت، ما يسميه أرنولد توينبي ب”النخبة المبدعة”، التي قادت المعركة الفاصلة.
فقد تحقق الشرط العلمي والروحي متجليا في العالم العز بن عبد السلام. وتحقق الشرط السياسي، في الملك سيف الدين قطز. كما تجسد الشرط العسكري في ركن الدين بيبرس.
وعلى قدر وعزم، اجتمع كل منهم بالقاهرة، بعد مسار طويل قطعه كل منهم، أهّلهم ليقوموا بدور القيادة المشتركة للأمة.
أ- الشرط العلمي والروحي: العز بن عبد السلام والتمكين للحكم الراشد:
ظهر العز بن عبد السلام في سياق علمي وروحي متميز: فالشام ومصر والأندلس كانت تشهد في القرنين الثاني والثالث عشر نهضة علمية كبيرة، حيث ظهرت مدارس مرموقة هي بمثابة جامعات، مثل المستنصرية في بغداد، والكاملية والصالحية والمنصورية في القاهرة، والظاهرية في دمشق. والجوامع المركزية لكل من قرطبة وطليطلة وإشبيلية.
وقد أدى ذلك إلى ظهور عمالقة الأدب والفقه ومختلف العلوم الشرعية والطبيعية والإنسانية. أمثال: الأصولي التبريزي (621هـ) واللغوي المبارك بن الأثير الجزري (606هـ)
والنحوي ابن مالك النحوي (672هـ) والمفسر فخر الدين الرازي (606هـ) والفقيه أبو القاسم الرافعي القزويني (623هـ) والمؤرخ عز الدين علي بن الأثير الجزري المؤرخ الأديب (630هـ) والعالم الصوفي شهاب الدين عمر السهروردي صاحب العز بن عبد السلام.
يقول فيه الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام (14/933(: “بلغ رتبة الاجتهاد، وانتهت إليه رئاسة المذهب، مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلابة في الدين، وقَصَدَه الطلبة من الآفاق، وتخرّج به أئمة.” .
من أول مواقفه المناهضة للحكام، كان موقفه من ملك دمشق الصالح إسماعيل ، حينما تحالف مع الفرنج ضد الملك الأيوبي نجم الدين وباع لهم السلاح. حيث قال على المنبر: «يَحْرم عليكم مبايعتهم، لأنكم تتحققون أنهم يشترونه ليقاتلوا به إخوانكم المسلمين». ففرضت عليه الإقامة الجبرية إلى ان غادر دمشق متجها إلى مصر عبر مدينة القدس. وحين أرسل له الملك إسماعيل حاجبه يسايسه كي يرجع إلى دمشق على أن يقبل يده عند لقائه، أجابه العز بقوله : “يا مسكين، ما أرضاه أن يُقبل يدي، فضلاً أن أقبّل يده، يا قوم، أنتم في وادٍ، وأنا في وادٍ.” فاعتقل بالقدس وهي تحت حكم الصليبيين بتحريض من الحاجب، حتى استعادها الملك أيوب، فاتجه إلى مصر، حيث استقبله استقبالا عظيما وولاه قضاء مصر وخطابة مسجد عمرو بن العاص.
ما لبث العز بن عبد السلام أن اكتشف خللا إداريا تجلى في كون الملك أيوب يولي قادة غير أحرار ممن يوصفون بالمماليك شؤون الجيش والدولة. مما يترتب عليه شرعا عدم صحة توليتهم. وكانت تلك سياسة الملك أيوب في ضمان ولاء القادة والأمراء له. وما كان منه إلا أن أوقف جميع تعاملاتهم واعتبرها في حكم البطلان. فتوترت العلاقة بينه وبين الملك وبقية المماليك. فما كان منه إلا أن خلع نفسه، وقرر الخروج من مصر. غير أن الناس والعلماء والاعيان لحقوا به إلى مشارف المدينة يريدون الخروج معهم. فتراجع الملك عن موقفه وخضع لأمر العالم. فعرض المماليك للبيع ثم اشتراهم وأعتقهم. وكان من بينهم سيف الدين قطز وسيف الدين قلاوون.
وحين تعرضت دمياط والمنصورة لهجوم الصليبيين كان هو في مقدمة الجيش محاربا.
وأما موقفه الحاسم فقد تجلى في فتواه التي بها أسقط حكم الملك الطفل نور الدين علي، حينما بدأ تهديد التتار لمصر، وذلك بقوله: ” لابد من سلطان قاهر يقاتل هذا العدو، والملك الصبي لا يعرف تدبير الملك.” وأقر بدله فارس الدين قطز.
ب- الشرط السياسي: سيف الدين قطز والتمكين للقياد العسكرية:
سيف الدين قطز محمود أمير خوارزمي في الأصل، وابن عم السلطان جلال الدين الخوارزمي. تعرض للأسر والاستعباد على إثر هجوم التتار على بلاده. فقضى جزءا من حياته في دمشق، هناك حيث تعرف على العالم العز بن عبد السلام، ولما هاجم الصليبيون دمشق انضم للدفاع عنها ضمن جيش نجم الدين، الذي استقدمه معه إلى القاهرة. فدخل المدارس الحربية المملوكية. وحسب المقريزي في كتابه الخطط ( 346/3): “إن أول المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم بعد ذلك يُدفع إلى من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ الفقه الإسلامي، وآداب الشريعة الإسلامية.. ويُهتم جدًّا بتدريبه على الصلاة، وكذلك على الأذكار النبوية، ويُراقب المملوك مراقبة شديدة من مؤدبيه ومعلميه، فإذا ارتكب خطأً يمس الآداب الإسلامية نُبه إلى ذلك، ثم عوقب.”
وقد شارك في صد الحملة الصليبية السابعة، في معركة المنصورة الشهيرة. وكان محسوبا على المماليك المعزية. بعد وفاة الملك نجم الدين، أصبح قريبا من مواقع القرار السياسي. ارتكب قطز خطأ فادحا، حينما كان معاونا للملك أيبك، فتورط في قتل فارس الدين اقطاي زعيم المماليك البحرية، ففارقه ركن الدين بيبرس، وسحب جزءا من الجند معه خارج القاهرة، فضعف بذلك الجيش المصري. وبدعم شرعي من العز بن عبد السلام أصبح ملكا على مصر، في ظروف سياسية واقتصادية وعسكرية صعبة، فاضطر لعرض المصالحة على بيبرس، ليستعين به وبكتيبته لقتال التتار.
ت-الشرط العسكري: ركن الدين بيبرس وتحقيق النصر:
كان ركن الدين بيبرس من قبجاق كازاخستان، أسر وهو صغير في احدى الغزوات، ثم تنقل من بغداد إلى حلب إلى دمشق، ثم إلى القاهرة، حيث لفت انتباه المك نجم الدين بمهارته في التدريب، فأعتقه وأمره على كتيبة بالجيش. كما تألق في معركة المنصورة حينما وضع خطة أنقذت الجيش المصري من الهلاك، وتمكن من أسر الملك الفرنسي لويس التاسع عشر.
وحينما انشق صف مماليك مصر، بعد اغتيال زعيمهم أقطاي، تفرق المماليك البحرية إلى سوريا والكرك وسلطنة السلاجقة وغيرها. فيما توجه بيبرس إلى دمشق لدى الملك الناصر، هو ورفيق سلاحه قلاوون، اللذان ظلا يبحثان عن قاعدة لتجميع جيش قوي يواجه الخطر الجامح للتتار. لكنه لم يستقر به الحال هناك لعدم استجابة الملك لما يرغب فيه، فسار إلى الكرك عند المغيث عمر، فحكم غزة على فترتين. وحين اجتاح التتار حلب، وتوجهوا نحو دمشق، كان بيبرس على استعداد لنسيان خلافاته مع قطز، وسرعان ما استجاب لطلب الانضمام إليه.
هكذا اجتمعت “نخبة مبدعة” في لحظة حاسمة من لحظات التاريخ الإسلامي والعربي: العز وقطز وبيبرس. قيادة ثلاثية متكاملة: روحية علمية، وسياسية وعسكرية.
4) الإعداد للحظة الحاسمة:
عملت القيادة الثلاثية في اتجاه واحد من أجل تحقيق مجموعة من الترتيبات العملية المستعجلة:
أ-اكتساب الشرعية الدينية:
كان الملك قطز يعلم أنه بدون شرعية دينية، فلن يستطيع تعبئة العامة والخاصة حوله لتحقيق أي إنجاز تاريخي، فعمد إلى تقوية الصلة بالعز بن عبد السلام منذ أن فكر في خلع الملك الصبي، إلى أن قرر فرض الضرائب اللازمة لتجهيز الجيش. وقد لعبت منابر العلماء والخطباء وظيفة توعوية وتعبوية متقدمة في تلك اللحظة.
ب- توحيد الجبهة الداخلية:
كان سيف الدين قطز يدرك أنه في هذه اللحظة عليه أن يجعل مسألة الاختلاف بين الأمراء حول القيادة، فجمع الأمراء والقادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي وقال لهم: “إني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتر ولا يأتي ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم أقيموا في السلطة من شئتم. فحقق ما كان يصبو إليه من تحييد الاختلاف حول القيادة.
كما كتب إلى ملك دمشق وحلب، رسالة ملاطفة، ويطمئنه على ملكه، بل يدعوه ان يصبح نائبا له على مصر. يبغي بها ثنيه عن التحالف مع التتار، لما كان يعلمه من سيرة الرجل الميالة للمهادنة والاستسلام بأي ثمن. وكان من ضمن ما قال له: ” وإن اخترتني خدمتك، وإن اخترت قدمت ومن معي من العسكر نجدة لك على القادم عليك، فإن كنت لا تأمن حضوري سيرت لك العساكر صحبة من تختاره.”
ت- توسيع دائرة المشورة:
مع أن الأمراء قد سلموا لقطز بالقيادة، إلا أنه سيحرص على توسيع دائرة المشورة لتشمل حتى من لم يكونوا قريبين من دائرة الحكم. فقد التزم عند كل طارئ كبير بأن يعقد مجلس الاستشارة مع الأمراء والقادة والعلماء وأعيان البلد. و سجل له التاريخ ذلك، في مناسبتين على الأقل: حين وصلته رسالة التتار، وحين أراد إقرار الإجراءات العملية للمعركة.
ث- تولي قيادة المرحلة:
بعد أن استشار الملك قطز مع صديقه ركن الدين بيبرس، ورأوا أن يستجيبوا لقتال التتار، أشار عليه بيبرس بقوله: ” أرى أن نقتل الرسل الأربعة (الذين تجاوزوا حدود وظيفة الرسل إلى التمادي في التهديد والاستعلاء ) ونقصد كتبغا قائد المغول متضامنين، فإذا انتصرنا أو هزمنا فسنكون في كلتا الحالتين معذورين.” وكذلك فعل قطز.
لم يمر قرار الحرب سهلا، إذ تلكأ بعض الامراء، وحاولوا اقتراح حلولا غير مواجهة الحرب، فيما صمت البعض الآخر. هنا خاطبهم بقوله: “يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال. وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المسلمين… من للإسلام إن لم نكن نحن؟ “
أ-قمع الثورات الجانبية
نتيجة لقرار الحرب، أعلن بعض الأمراء بأطراف مصر العصيان، ومنهم من أراد استغلال الفرصة للتمكين لنفسه، فما كان من سيف الدين أن عاجلهم بالتأديب والاعتقال بسجن القلعة. وقد كان من بينهم الأمراء: شبل الدولة كافور، وحسام الدين بلال المغيثي الجمدار، وعز الدين أيدمر النجيبي الصغير، وشرف الدين قيران المعزي، وعلم الدين سنجر الغتمي، وسيف الدين الدود خال السلطان المنصور علي بن المعز..
ب-تشكيل الجيش القوي
كان لقرار العفو العام الذي أصدره سيف الدين أبلغ الأثر على المماليك البحرية الذين عادوا إلى مصر لينضموا إلى الجيش المصري، ويكونوا عامل قوة نوعي ومادي. بما يمثلوه من قوة عظيمة وخبرة واسعة في الحروب.
إضافة إلى كل ذلك، أجرى تعديلات واسعة في القيادة السياسية والاقتصادية والعسكرية. كما عمل على إصلاح البنية التحتية، من طرق وجسور ومرافق عمومية.
5)إجراءات تجهيز الجيش:
كانت كل الترتيبات السابقة تصب في التحضير غير المباشر لجيش منسجم وقوي ومستعد لخوض المعركة. وبقيت من مجموعة الإجراءات المباشرة. فدعا سيف الدين مجلسه الاستشاري، وعلى رأسهم العز بن عبد السلام، وعرض عليه فرض ضرائب لدعم الجيش.
ولأن المسلمين حينذاك لم يعتادوا غير دفع الزكاة، فقد كان الأمر يحتاج إلى فتوى شرعية.
فكان موقف العالم العز واضحا: ” إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم كله قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص – وهي حزام الرجل وحزام الدابة- المذَهَّبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة، فلا.”
لقد قدم العز بهذه الفتوى حزمة إجراءات متسلسلة، سوف يقوم سيف الدين بترجمتها إلى أوامر عملية:
أ-تنازل الامراء عن اموالهم الفاضلة:
باع سيف الدين كل ما يملك، حتى حلي زوجته، وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذات الشيء، فأحضروا كافة ما يملكون من مال وحلي نسائهم. وحين علم بإخفاء البعض منهم لأموالهم، صادرها بالقوة وردها على بيت المال.
لما جمعت تلك الثروات ضربت سكاً ونقداً. فتم تقييمها، غير أنها لم تكن كافية لسداد احتياجات تجهيز الجيش.
حين ذاك، قرر فرض دينار واحد على كل مصري، واقتطاع أجرة شهر واحد من الأملاك المستأجرة، ثم طلب من أصحاب النصاب تعجيل تقديم زكاة أموالهم، ومصادرة ثلث مال الترك الأهلية، واستقطاع أجرة شهر واحد من استئجار الغيطان والسواقي.
كانت حصيلة تلك العملية ستمائة ألف دينارا. وقد كان ذاك هو ميزانية تجهيز الجيش بقوام عشرين ألف جندي.. وقد تطلب الإعداد والتجهيز والتدريب مدة خمسة أشهر.
ب-حسم الخطة العسكرية
كان محسوما لدى سيف الدين قطز وركن الدين بيبرس أن الخطة العسكرية لمواجهة التتار تقتضي الخروج إليهم، وعدم الانتظار حتى قدومهم إلى القاهرة. بل قررا اعتماد أسلوب الاستدراج خارج حدود مصر، في موقع وموعد يكون فيهما الجيش المصري قادرا على السيطرة على المعركة.
لذلك اقترح بيبرس تمكينه من تشكيل مقدمة كبيرة للجيش، تكون لها أدوار متعددة، من ضمنها استكشاف الموقع المناسب للمعركة.
وبما أن مركز قيادة التتار مقرها بعلبك، فقد مال القائدان إلى اختيار موقع شمال فلسطين، بالقرب من مدينة عكا.
وهنا كان لزاما تأمين مسار الجيش: فمدينة عكا محتلة من قبل الصليبين.
ت-تأمين مسار الجيش:
قرر القائدان عقد معاهدة عكا بشكل مؤقت، الأمر الذي وافق عليه أمراء عكا دون تردد.
على أساس أن يمد الصليبيون المسلمين بالمؤن، في مقابل أن يبيع المسلمون خيول التتار بأسعار امتيازية بعد الانتصار عليهم، وأن أي خيانة من جهتهم ستؤدي إلى مهاجمة المدينة فورا.
6)تنفيذ المعركة:
تجلت عبقرية القيادة العسكرية في تنفيذ استراتيجية قتالية، ترقى إلى مستوى أن تكون نموذجا للدراسة والتحليل في الكليات الحربية العالمية إلى اليوم. وقد تم تنفيذ المعركة بتحقيق الشروط التالية:
أ-دور الطليعة المقاتلة:
اختار ركن الدين بيبرس أن يكون على رأس الطليعة المقاتلة للجيش، ليحقق أهدافا مجتمعة دفعة واحدة:
فتشكيل مقدمة كبيرة للجيش، من شأنها أن توهم فرق استطلاع العدو بأنها تمثل الجيش كله. وبالتالي يكون للجيش امتياز المفاجأة العددية. كما أن من شأن تلك الطليعة أن تمثل فرصة اختبار للعدو، ورأس رمح لاختراق صفوفه بقصد إرباكه وإثخانه. إضافة إلى تمكين الجيش من تجنب المفاجآت الطارئة.
وعليه، اختار ركن الدين تلك الطليعة من أفراد النخبة المجربة في الحروب، وذات الكفاءة القتالية النادرة، والقادرة على تحقيق تلك الاهداف جملة واحدة.
وكان هذا التكتيك في تقسيم الجيش جديدا عما كان سائدا من قبل، وكانت تلك طريقة بيبرس الذي لا يدخل معركة إلا بفكرة تكتيكية غير تقليدية.
وبينما كان كتبغا منشغلا بإعداد قادته وجيشه، تحركت طليعة ركن الدين، شمالا نحو غزة، التي تحتلها حامية تتارية صغيرة، فانتصر على قائدها أخ كتبغا. وكان ذلك يوم 15 رجب.
لم يكد جيش سيف الدين قطز يتحرك، حتى وصلته أولى بشائر تحرير غزة، بينما وصلت فلول الحامية المنهزمة إلى عكا.
ب- مسار تحرك الجيش واختيار موقع المعركة:
مع بداية شهر شعبان، تجمعت الفرق العسكرية للجيش المصري، في منطقة صحراوية واسعة تسمى منطقة الصالحية (محافظة الشرقة حاليا)، فتوجه بها سيف الدين نحو سيناء ثم غزة. ثم سارا نحو عكا، مرورا بعسقلان ثم يافا فغرب طولكرم، ثم حيفا. حيث عسكر الجيش لإجراء الترتيبات التنظيمية الاخيرة.
لم يرق لركن الدين بيبرس أن يلتقي الجيش مع العدو بنواحي بعلبك، إذ كانت منطقة مفتوحة منبسطة، فما كان من إلا أن أرسل سراياه لاستكشاف موقع يمكّن الجيش من الاختفاء، بينما يكون قريبا من المعركة التي ستشتبك فيها الطليعة المقاتلة مع العدو.
رجعت السرايا باقتراحِ سهلٍ تحيط به تلال، في منطقة تسمى “عين جالوت”.
أقرت القيادة العسكرية الموقع، وفورا تحرك ركن الدين بيبرس بطليعته نحو السهل، فيما ستتبعه، على مسافة متوسطة، بقية الجيش، بقيادة سيف الدين قطز. فيما أوصلت سرايا استطلاع التتار خبر تحرك الطليعة نحو عين جالوت.
انحرف مسار جيش كتبغا من اتجاه عكا نحو عين جالوت. فتحقق بذلك الاستدراج الأول.
ت-سرايا الاستطلاع وتوظيف المعلومات:
قبيل تحرك الجيش الرئيسي نحو عين جالوت، وصلت رسالة سرية، من حليف عربي للتتار، وهو صارم الدين أيبك، الذي وقع في الأسر أثناء احتلال التتار للشام، فقبل الانخراط في جيشهم.
تفيد الرسالة أن معظم جيش التتار قد غادر نحو فارس رفقة هولاكو الذي كان يطمع في تولي فارس بعد وفاة الوالي التتاري السابق. وأن العدد المتبقي لا يتجاوز عشرين الفا. وأن ميمنة الجيش هي الأقوى، وأن الملك الأشرف، الذي حالف التتار، سينهزم مع بداية المعركة ليترك ثغرة في جيشهم ويؤثر على معنوياتهم.
قرر سيف الدين أن يأخذ تلك المعلومات بعين الاعتبار دون الاغترار بها، لما يحتمل ان تشكله من إغراء كاذب. فاتخذ الاجراءات المناسبة لذلك.
ث-الاستدراج الثاني للكمين والإجهاز على العدو:
في ليلة الخميس وصل جيش المسلمين إلى عين جالوت. وفجر اليوم الموالي، أي يوم 25 من رمضان سنة 658 هجرية/ 3 سبتمبر 1260 ميلادية، أخذ الجند مواقعهم حسب خطة الظهور والاختفاء المقررة: الطليعة بباب السهل المغلق، وبقية الجيش خلف التلال المحيطة.
حين وصل جيش كتبغا، وجد ركن الدين بيبرس على رأس قوة صغيرة كما وصفتها له سرايا الاستطلاع. وبينما كان يفكر في كيفية الإجهاز عليها، بادره بيبرس بالهجوم الخاطف واقتحام جيشه إلى العمق ثم العودة إلى موقعه الأول. استفز هذا السلوك كتبغا، فقرر سحق تلك القوة. فما كان من بيبرس إلا أن تراجع بطليعته نحو السهل بين التلال، فتبعه جيش التتار كاملا.
حينها انطلقت دقات طبول جيش سيف الدين من خلف التلال ليظهر حجمه الحقيقي، فأيقن كتبغا أنه قد وقع في الفخ القاتل. ظل الجيشان في سجال شديد، حيث قاتل التتار بعنف ووحشية، حتى خارت قواهم وقتل كتبغا، ففرت قوة تتارية خارج السهل نحو مدينة بيسان، و لحقهم سيف الدين وأبادهم هناك.
7) تداعيات النصر:
مثل انتصار جيش قطز على التتار نقطة فاصلة بين عهدين، فهي المعركة الكبيرة الاولى، التي يبوء فيها التتار بالهزيمة. حيث استمرت تداعياتها لسنوات. وكان من ضمن تلك التداعيات:
أ-تحرير المناطق وتوحيد مصر والشام:
بعد يومين من المعركة، وبالرغم من فداحة الثمن الذي بذله جيش قطز وبيبرس، من شهداء وجرحى، إلا انهما قد قررا التوجه نحو العاصمة دمشق لتحريرها من بقية التتار.. فأرسل سيف الدين قطز رسالة إلى أهالي دمشق يخبرهم فيها بالنصر. حيث جاء فيها: ” أما النصر الذي شهد الضرب بصحته، والطعن بنصيحته، فهو أن التتار خذلهم الله، استطالوا على الأيام وخاضعوا بلاد الشام واستنجدوا بقبائلهم على الإسلام، وهذه عساكر الإسلام مستوطنة في مواطنها ما تزلزل لمؤمن قدم إلا وقدم إيمانه راسخة ولا تثبت لأحد حجة إلا وكانت الجمعة ناسخة … فلم تر إلا ضرباً يجعل البرق نضوا ويترك في بطن كل من المشركين شلوا، وقتل من المشركين كل جبار عنيد، ذلك بما قدمت أيديهم (وما ربك بظلام للعبيد)”
وما كادت أخبار الرسالة تصل أهالي دمشق حتى ثاروا على التتار فغلبوا عليهم، وفتحوا أبواب دمشق أمام الجيش دون أن يشهر سيفا.
لم يكد صبح يوم عيد الفطر ينتصف حتى أنفذ سيف الدين صديقه ركن الدين بيبرس لتطهير مدن الشام من بقايا الحاميات التتارية، فاقتحم حمص، ثم حرر حلب. وخلال أسابيع تم تحرير الشام.
بعد أن تحررت الشام صارت سائر مدنه تحت سيطرة سيف الدين قطز، وولى المدن الشامية أمراء أيوبيين، فتم بذلك إحياء الوحدة بين مصر والشام، بعد عشر سنوات من الفرقة والصراع.
ب- كسر زحف المغول:
بعد معركة عين جالوت تكسرت شوكة المغول في مناطق الشام وفلسطين والاناضول، وانكفأ هولاكو في تبريز. وتشجع ابن عم هولاكو بركة خان، زعيم القبيلة الذهبية، والذي كان قد أسلم من قبل، أن يعقد تحالفا قويا مع ركن الدين بيبرس، وهو الذي أصبح ملكا لمصر والشام بعد خمسين يوما من معركة عين جالوت، عقب مقتل سيف الدين قطز.
ت- تجديد قيادة الأمة:
بالرغم من أن الظروف التي أحاطت باغتيال سيف الدين ظلت غامضة، كما كانت خسارته دليلا على استمرار التناقض الداخلي بين أطراف القيادة… إلا أنها سمحت لجيل يافع من أن يتبوأ موقع قيادة المرحلة الجديدة، فقوي شأن الحكم واستقرت أوضاع الأمة، وازدهر العمران.
8) خلاصات على سبيل الاستجابة:
لم تكن معركة عين جالوت معركة ملائكية غرائبية، ولكنها كانت استجابة موضوعية لتحديات مصيرية، استطاعت “النخبة المبدعة” خلالها أن تنحت عوامل الانتصار، بروحانية عالية، وعقلانية كبيرة، وتصميم وعزم وإرادة قوية.. فحققت الوحدة والتحرر والتقدم. فتكاتفت القيادات الروحية العلمية مع القيادة السياسية والعسكرية لتمثل الوصفة الفعالة لكل ذلك.
والظروف التي نحياها اليوم، أوفر حظا وأعلى استفزازا، لتحقيق أفكار مبدعة لتحقيق الوحدة والحرية والتقدم، على سبيل روح “الكتلة تاريخية” التي نادى بها محمد عابد الجابري قبل عقود، استلهاما مما نادى به غرامشي من قبل.
فهل نشهد تحركا نحو تحقيق هذه الشروط، بعد أن بلغت التحديات ما نراه اليوم ونحياه ؟