القيمالدين

موقع الواقعة الدينية ضمن مشروع النهوض -شعيرة الحج الإسلامي نموذجا-

مقاربة سوسيو-سيميائية من خلال تجربتي علي شريعيتي وعبد الله حمودي

العناصر

الفصل الأول: الإمكان المعرفي لدراسة الواقعة الدينية: سوسيولوجيا وسيميائيا

المبحث الأول: الدراسة المعرفية للواقعة الدينية: إشكالات وشواهد

  1. إشكالات وعوائق الدراسة المعرفية للواقعة الدينية:
  2.  شواهد تاريخية للدراسة السوسيولوجية للواقعة الدينية

المبحث الثاني: الإمكان السوسيولوجي لدراسة الواقعة الدينية:

  1. الواقعة الدينية ووضعية كانت
  2. الواقعة الدينية ووظيفية دوركهايم
  3. تدين الديني وتمييز سيمل
  4. أبعاد التدين وقياس غلوك
  5. تنظيم الجماعة الدينية وتصنيف ويلسون وديكونشي
  6. الخلاصة السوسيولوجية في شعيرة الحج

المبحث الثالث: الإمكان السيميائي لدراسة الممارسة الدينية:

  1. تصنيفات بورس
  2. استعاريات لايكوف
  3. أهوائيات غريماس
  4. تأويليات إيكو
  5. الخلاصة السيميائية في شعيرة الحج

الفصل الثاني: الإمكان الوجودي لشعيرة الحج: من الواجب المطلق إلى المتحقق المقيد

المبحث الأول: شعيرة الحج في الواجب المطلق:

  1. الحكاية
  2. المحاكاة
  3. التعالق

المبحث الثاني: شعيرة الحج في الممكن المجرب:

  1. تقابلات ومفارقات شريعتي وحمودي
  2. تنسكات شريعتي وحمودي
    1. الإحرام تحولاالوقوف إضماراالرمي رجما
    1. الهدي فداء

5.2.      الطواف تمحورا

6.2.      السعي تكاملا

7.2.     التزمزم إحياء

المبحث الثالث: شعيرة الحج في المتحقق المقيد:

  1. الآليات الضابطة
  2. الأهوائيات المتفلتة
  3. الخلاصة السوسيوسيميائية في شعيرة الحج

الخاتمة

المقدمة

أولا: أهمية البحث:

إن تناول الواقعة الدينية في علاقتها بوظيفتها الحضارية، يكتسي أهمية كبرى، وذلك من عدة جوانب:

أولا من أجل فهم السياقات التاريخية والثقافية: فالدين لا ينفصل عن سياقه الحضاري؛ فكما أن التقاليد الدينية تؤثر في الثقافة والمجتمع، وبالمقابل، تتأثر بالعوامل السياسية والاجتماعية. دراسة الوقائع الدينية ضمن هذا السياق تسمح بفهم أعمق للدين نفسه وللثقافة التي نشأ فيها.

ثم في سبيل تحليل الأثر الحضاري للواقعة الدينية: فالدين يمكن أن يكون محركًا للتغيير الحضاري والاجتماعي. كما يمكن للوقائع الدينية أن تلعب دورًا هاما في تشكيل النظم السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية. وبالتالي، فإن الفهم الدقيق لهذه الوقائع يمكن أن يساعد في تحليل كيفية تطور المجتمعات وتغيرها عبر الزمن.

كما يفيدنا تناول الواقعة الدينية في علاقتها بالوظيفة الحضارية، من حيث إثراء الدراسات المقارنة: من خلال دراسة كيف تعاملت مختلف الحضارات مع الوقائع الدينية، يمكن للباحثين أن يقارنوا بين الأديان والثقافات المختلفة. هذه المقاربة تساعد في التعرف على العناصر المشتركة والفروقات الجوهرية، مما يقدم فهمًا أعمق للطبيعة الإنسانية والدينية.

كما يفيد ذلك في تفسير الرموز والأيقونات الدينية: ففي السياق السيميائي، يكون للوقائع الدينية دلالات ورموز، يمكن تحليلها لتفسير كيفية تأثيرها وتأثرها بالمجتمع. هذه الرموز قد تحمل معاني متعددة ومتداخلة تتعلق بالهوية، الأخلاق، والقيم.

وأخيرا، يفيدنا ذلك في تناول البعد التعليمي والأخلاقي: فالوقائع الدينية غالباً ما تحمل دروسًا أخلاقية وتعليمات سلوكية، يمكن أن تؤثر على السلوك الفردي والجماعي. فالفهم العميق لهذه الدروس يمكن أن يسهم في تنمية الفهم المتبادل والحوار بين الثقافات المختلفة.

وإذا رجعنا إلى المرجعيات الإسلامية، القرآن والحديث والتراث الإسلامي.. نجد أن هناك تأكيدا على ذلك الترابط بينهما بين الواقعة ووظيفتها الحضارية.

لذلك، يمكن أن نؤكد اليوم، أنه من غير المجدي، أن ننظر إلى مشروع النهوض، خارج اعتبار الوقائع الدينية الإسلامية. وعليه فقد اخترنا أن تكون شعيرة الحج، نموذجا للواقعة الدينية.

ثانيا: مشروعية البحث:

هذه المقالة، تتناول شعيرة الحج، كمعطى اجتماعي رمزي، بمقاربة معرفية، متوسلة بعضا مما أتاحته لنا العلوم الاجتماعية والإنسانية من إمكانات تحليلية. ومستندة على تجربتين مختلفتين متكاملتين لعالمي اجتماع، من داخل المنظومة الفكرية والاجتماعية للدين الإسلامي، وهما السوسيولوجيان الإيراني علي شريعتي، من خلال كتابه: “الحج الفريضة الخامسة[1]“، والمغربي عبد الله حمودي، من خلال كتابه: “حكاية حج، موسم في مكة[2]“.

وتستمد هذه المقالة مشروعيتها من سياقين اثنين: يتعلق الأول بندرة الكتابات المعرفية التحليلية لتجارب شعيرة الحج، بالرغم من ثراء المكتبة العربية والإسلامية بالسرد الحكائي لرحلات الحج[3]، وما تتيحه لنا هذه الشعيرة من مجال خصب وواسع لاستكشاف الأبعاد المختلفة لها. ويتجلى السياق الثاني في تصاعد الأحداث، التي تؤكد مدى الترابط بين التمثلات الدينية، والتعقيدات السياسية والاجتماعية التي نعيشها. حيث يتم طرح الإشكال التالي:

هل تعتبر الواقعة الدينية جزءا من التحديات [4] النهضوية المركبة التي نعانيها اليوم؟ أم على العكس من ذلك، يمكن اعتبارها مدخلا موضوعيا من مداخل الحل والاستجابة؟ وبعبارة أخرى نتساءل: أين تكمن جذور العنف والفوضى والتفرقة والاستبداد والتخلف والتبعية؟ هل في مكونات الدين ذاتها؟ أم في النموذج الإرشادي لتمثل مكونات الدين؟ وهو ما يجعل هذا الموضوع له ارتباط وثيق بمسالة النهضة، وتحدياتها، ومقترحات الاستجابة التي يمكن أن تطرح بهذا الخصوص.

لأجل ذلك، تأتي هذه الورقة لتحاول تقديم تحليل للواقعة الدينية، متمثلة في نموذج شعائري، وهو الحج الإسلامي، من خلال مقاربة معرفية تستند على معطيات علمي السوسيولوجيا والسيميائيات. وقد تم اختيار شعيرة الحج، لتكون مدوَّنة للبحث، باعتبار هذه الشعيرة ذات طبيعة مركبة، غنية بالتجليات الاجتماعية، ضافية بالرموز والدلالات. كما أن اختيار المقاربة السوسيولوجية متعاضدة بالسيميائية، يأتي بالنظر إلى تكامل هذين الحقلين المعرفين: حيث تعتبر الظواهر الاجتماعية التي تفسرها السوسيولوجيا، مساعدة على فهم دلالات السلوك الاجتماعي من وجهة نظر سيميائية. كما تعتبر شبكة الترميز التي تكشفها السيميائيات، ذات قيمة وصفية وتحليلية من وجهة نظر سوسيولوجية.

وعليه، سنعمل بداية، على تشخيص الواقعة الدينية باعتبارها واقعة سوسيولوجية، ثم بكونها واقعة سيميائية، عاكسين تلك المفاهيم على شعيرة الحج، لنعيد تعريفها وتشخيصها سوسيولوجيا وسيميائيا. ثم سننتقل بعد ذلك إلى تقديم تحليل سوسيولوجي للمناسك المرتبطة بشعيرة الحج نسيكة نسيكة، باعتبارها واقعة اجتماعية، من خلال ما عايشه ودوّنه كل من علي شريعتي وعبد الله حمودي. وأخيرا نتحول إلى دراستها باعتبارها منظومة دلالية متكاملة. مستخلصين نتائج تلك المقاربة، في اتجاه الإسهام في الجواب عن لإشكالية المفارقة بين القسم الدينية والقيم الاجتماعية.

ثالثا: علاقة الواقعة الدينية بمشروع النهوض:

العلاقة بين الواقعة الدينية والنهضة الحضارية يمكن أن تكون معقدة ومتعددة الأبعاد، حيث تلعب الدين دورًا مهمًا في تشكيل الهويات الثقافية والاجتماعية والسياسية. في سياقات تاريخية مختلفة، يمكن ملاحظة كيف أثرت الوقائع الدينية في دفع عمليات التحول والتجديد الحضاري. إليك بعض الجوانب الرئيسية لهذه العلاقة:

–  توحيد الهوية وتعزيز التماسك الاجتماعي: الدين يمكن أن يوفر إطارًا للهوية المشتركة ويعزز التماسك الاجتماعي بين الأفراد. في الحقب التاريخية التي شهدت تحولات كبيرة، كانت الوقائع الدينية عاملًا رئيسيًا في توحيد الجماعات وتحفيزها نحو أهداف مشتركة، مما أسهم في استقرار الحضارات وتطورها.

– الدافع للابتكار والتطوير الفكري: الدين لم يكن فقط مصدرًا للعقائد بل كان أيضًا محركًا للبحث والاستقصاء العلمي والفلسفي. على سبيل المثال، خلال العصور الوسطى الإسلامية، كانت الدراسات الدينية تحفز الاهتمام بالعلوم مثل الفلك والطب والرياضيات، مما دفع بعجلة التقدم العلمي.

– تحفيز التطور الأخلاقي والقانونين: القوانين والأخلاقيات التي تنبثق من الدين كانت أساسًا لتطور النظم القانونية والأخلاقية في العديد من الحضارات. الدين غالبًا ما يقدم إطارًا للحقوق والواجبات التي تساعد في تنظيم السلوك الإنساني وضمان العدالة الاجتماعية، مما يساهم في النمو الحضاري.

– تأثير على الفن والثقافة: الفنون والعمارة الدينية، مثل الكنائس، المساجد، والمعابد، ليست فقط مكان للعبادة بل هي أيضًا تحف فنية تعكس القيم الجمالية والروحية للحضارات. هذه الأعمال الفنية والهندسية تشكل جزءًا من التراث الثقافي وتسهم في تعزيز الهوية الحضارية.

– نشر السلام والتفاهم الدولي: في بعض الأحيان، كانت الرسائل الدينية المؤكدة على السلام والعدل أساسًا للجهود الدبلوماسية وبناء السلام. القيم الدينية يمكن أن تلعب دورًا في تعزيز التفاهم والتعاون بين الحضارات المختلفة.

من خلال هذه العلاقات، يمكن ملاحظة كيف أن الوقائع الدينية ليست مجرد أحداث عقائدية بل هي عناصر محورية يمكن أن تدفع بعجلة التطور الحضاري والثقافي. بالتالي، فإن دراسة الدين في سياقه الحضاري تكشف عن كيفية تأثيره في تطوير الحضارات وتشكيل المجتمعات عبر التاريخ.

رابعا: المصطلح المعتمد:

في هذه المرحلة من المقالة تعترضنا ثلاث مصطلحات أساسية: “الحج” و”الشعيرة” و”النسيكة”.

نجد أن حمودي يتبنى مصطلح “طقوس”، للتعبير عن العبادات المتعلقة بالحج، فيقول: “العبادات والمناسك، هاتان الكلمتان المفتاحتان. حاولت مرة أو مرتين كلمة “طقوس”، لكنها لا تعني شيئا لأي أحد… إن مصطلح ” طقوس” مهيأة حديثا من المسيحية العربية لترجمة Rites وإضافة إلى ذلك فانا الوحيد الذي يشير بكلمة “طقوس” إلى ما امارسه وألاحظه في الآن ذاته.”[5] أما شريعتي فيفضّل مصطلح “شعائر[6]“، رافضا مصطلح “مناسك”. إذ يقول: “إن الحج شعائر وليس مناسك.”. حيث نزع كل منهما إلى المصطلح الذي يسعفه في تطبيق منهجيته التي اختارها لتناول شعيرة الحج.

غير أنه، من خلال الرجوع إلى الحقل الفقهي الإسلامي، فإننا نجد ترادفا بين مصطلحي “الشعيرة و”النسيكة”: فتستعمل “الشعيرة للاصطلاح على “الحج”، وتستعمل “النسيكة” للتعبير عن مختلف العبادات المتضمنة فيه.

ففي السياق الإسلامي، فمعجمات “الشعيرة”، “الحج”، و”النسيكية” تشير إلى مفاهيم مرتبطة بالعبادات والطقوس الدينية، ولكن لكل منها دلالاتها الخاصة:

فالشعيرة في الإسلام تعني الطقوس والممارسات الدينية التي يجب على المسلمين القيام بها وفقًا لتعاليم الإسلام. ت شمل الشعائر الإسلامية الصلاة، الصوم، الزكاة، والحج، وهي جزء من العبادات التي تعزز الانضباط الروحي والتقوى. الشعائر هي إظهار للطاعة والإخلاص لله وتساعد في توطيد الهوية الجماعية بين المسلمين.

لا يوجد ذكر مباشر لكلمة “شعيرة” في القرآن الكريم، بمعناها المتعارف عليه في الاصطلاح الإسلامي، لكن العديد من الآيات تتحدث عن العبادات والطقوس الدينية التي تعد من الشعائر في الإسلام، مثل الصلاة والحج. مثل ما ورد في القرآن الكريم، بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾[7].

كما ورد في قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله﴾[8]، وورد من نفس الجذر بالقرآن الكريم أيضا: “فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله عند المشعر الحرام﴾[9]. وفي كلتا الآيتين تعني معالم دين الله[10]. وهو ما يلتقي عند نفس معنى المعلم وا لدلالة، كما ورد عند ابن منظور: “والمشعر المعلم والمتعبد من متعبداته.”[11].

أما الحج الإسلامي، من الناحية التشريعية الإسلامية، فهو الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة، وهو يمثل إلى الرحلة الدينية التي يقوم بها المسلمون إلى منطقة مكة المكرمة، ويحتل موقع الفريضة الواجبة، على كل مسلم قادر على أدائها، مرة واحدة في حياته. وهو يتضمن مجموعة من العبادات التي تتم خلال أيام محددة في الشهر الإسلامي ذي الحجة، ويعتبر تجسيداً للتوحد والمساواة بين المسلمين من مختلف أنحاء العالم.

وقد ذكر الحج في القرآن الكريم، وتم التأكيد عليه في عدة آيات، ومنها ما ورد في قوله تعالى: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[12].

أما النسيكة فتشير إلى مشاعر التقوى والخشوع والتفاني في أداء العبادات، وخاصة العبادات المرتبطة بالحج والعمرة. والنسيك هو الشخص الذي يكرس نفسه للعبادة ويتبع الطقوس بخشوع وتقوى عالية.  وفي السياق الأوسع، تعبر النسيكة عن الجانب الروحي والأخلاقي في أداء العبادات، وهي تركز على النية الصادقة والتزام القلب تجاه الله.

وكلمة “نسك” أو “نسيك” تستخدم في القرآن بمعنى العبادة أو الطاعة، ويتم استخدامها للإشارة إلى الجهود الروحية والتضحيات التي يقدمها المسلمون في سبيل الله، إذ يقول تعالى: “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ[13].”

وورد قوله تعالى: “فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله عند المشعر الحرام..[14]“.

ثم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حين كان يطوف بالكعبة، بحجة الوداع، قوله: ﴿يا أيها الناس خذوا عني مناسككم﴾ [15]. فالمناسك كما هو واضح هنا تعني العبادات المرتبطة بالحج[16].  

هذه الآيات تعطي تصوراً عن كل مصطلح وكيفية تعامل النص القرآني مع هذه المفاهيم، مما يعكس أهمية ومركزية هذه المفاهيم في الدين الإسلامي.

تكمن العلاقة بين المصطلحات الثلاثة، في كون الشعائر الإسلامية، بما في ذلك الحج، هي تعبير عن النسيكة، حيث أن الأداء الخاشع والملتزم لهذه الشعائر يعكس الروحية والتقوى التي تعبر عنها تلك النسيكة. والحج هو أحد الشعائر الأساسية في الإسلام، وأداؤه بنية صادقة وخشوع يمثل تطبيقًا لمفهوم النسيكية.

وأما الفروق بينها، فتكمن في كون، الشعيرة تعمم على جميع الطقوس والعبادات الدينية بشكل عام، بينما الحج هو طقس محدد ومعرف جغرافياً وزمنياً. والنسيكة، من ناحية أخرى، تعبر عن البعد الروحي والأخلاقي الذي ينبغي أن يتحلى به المسلم في أداء الشعائر بما فيها الحج.

هذه الفروق والعلاقات تظهر التكامل بين المفاهيم الدينية في الإسلام وكيفية تأثيرها في تعزيز السلوك والهوية بين المسلمين.

وبالتالي يمكن التأكيد على أن بينها عموم وخصوص، ونشخصه في الشكل التالي:

وإجمالا، فبعد مقارنة بعض المراجع اللغوية [17] المعتمدة، اخترنا من بينها مرجعين، حصل بينهما قدر من التوافق حول المصطلحين: وهما كتاب “تاج الصحاح” للجواهري[18]، والثاني كتاب “القاموس المحيط” للفيروزبادي[19]. ويمكن أن نستنتج من كليهما ما يلي: “الشعيرة” تفيد الحج، و”النسيكة” تعني العبادة المندرجة ضمن شعيرة الحج، من وقوف بعرفة وطواف وسعي وغيرها.. وهو الاصطلاح الذي سنتبناه.

على أساس أننا سنستعمل، كلما اضطررنا، صيغ الأوزان التالية: في صيغة الاسم المفرد “شعيرة” “ونسيكة”. وفي صيغة الجمع: “شعائر” و”نُسُك”. وفي صيغة اسم الفاعل: “الشاعر” و”الناسك”. وفي صيغة اسم المكان: “مشعر” و”مناسك”. وأما في صيغة النسبة فقد اخترنا الوزن القياسي، وهو: “شَعَريّ” و”نَسَكيّ[20]“.

الفصل الأول: الإمكان المعرفي لدراسة الواقعة الدينية سوسيولوجيا وسيميائيا:

إننا هنا، أمام سؤال محوري، متعلق بالأسباب التي تجعل هناك فجوة واضحة بين القيم الدينية، التي تعلي من شأنها الشعائر والممارسات الدينية، وبين السلوك الفردي والجماعي في الحياة اليومية. من خلال تقديم نظرة وافية على العوائق الموضوعية التي تحول دون انتقال تلك القيم من المجال الديني إلى المجال الاجتماعي، سنحاول استكشاف مدى إمكانية العمل المعرفي على الإجابة عن هذه التساؤلات بطريقة تتجاوز النقاش النظري لتغوص في تحليلات مبنية على المعرفة العلمية الصلبة.

لقد وفر العديد من السوسيولوجيين إطارات نظرية تسمح بتحليل ديناميكيات الدين ضمن البنية الاجتماعية والثقافية، مثل أوغست كونت، إميل دوركهايم، جورج سيمل، وماكس فيبر.. ومن خلال دراسة الدين كظاهرة اجتماعية، يمكن للباحثين استكشاف كيف تُستخدم القيم الدينية لتعزيز التماسك الاجتماعي أو في بعض الأحيان، كأدوات للسيطرة الاجتماعية والسياسية.

وعلاوة على ذلك، يمكن للسيميائيات أن تقدم مدخلًا قيمًا لتحليل الرموز الدينية والدلالات المرتبطة بها، مما يكشف عن كيفية تشكيل هذه الرموز للإدراك والسلوكيات الاجتماعية. الرموز والشعائر الدينية لا تعمل فقط كعناصر من العقيدة، بل كأدوات للتواصل وتعزيز القيم المجتمعية.

إذ يصبح من الواضح أن الدراسة المعرفية للواقعة الدينية تشكل جزءًا أساسيًا من فهمنا للتفاعلات بين الدين والسلوك الاجتماعي. إن التحدي الذي يواجه الباحثين والمفكرين هو كيفية استخدام هذه المعرفة لسد الفجوات بين القيم الدينية والممارسات الاجتماعية، بما يخدم تطوير مجتمعات أكثر تناغمًا وفعالية.

المبحث الأول: الدراسة المعرفية للواقعة الدينية: إشكالات وشواهد:

إذا دفعنا بكون قيم الدّين، قد لا تتحمل أي مسؤولية مباشرة عن الواقع الحضاري الحالي لمجتمعات الأمة، ربما نكون قد برّأنا الدين في حد ذاته، لكنّنا لن نكون قد أجبنا عن السؤال الأهم: لماذا نعيش هذا الانفصام النكد بين القيم الدينية التي تحملها الشعائر، وبين السلوك الاجتماعي الفردي والجماعي؟ ما هي المعيقات الموضوعية التي تحول دون مرور تلك القيم من الشعيرة الدينية إلى السلوك الاجتماعي؟

إن الجواب على مثل هذه الأسئلة، تتجاوز بطبيعة الحال عالِم الشريعة، لأنها ليست أسئلة معيارية تتعلق بمدى شرعية الممارسة الدينية من بطلانها، ولكنها أسئلة حضارية، تستلزم أجوبة مؤسَّسة على أرضية المعرفة العلمية، بما تتيحه من أدوات. مما يعني ضرورة الاشتغال على الدراسة المعرفية للواقعة الدينية.

تلك الدراسة التي لا تخلو من إشكالات وعوائق، بيد أن لها، مع ذلك، شواهد تاريخية مشجعة.

1.    إشكالات وعوائق الدراسة المعرفية للواقعة الدينية:

نقر، منذ البداية، بأن محاولة توظيف العلوم المعرفية في دراسة الظواهر الدينية، تكتسي طابع الصعوبة الجوهرية، وتبعا لذلك، فهي على الأقل، تطرح إشكالين اثنين:

1.1. يتجلى الإشكال الأول في المستوى المنهجي: حيث إن تناول الشأن الديني، خاصة على مستوى التعاطي مع الشعائر التعبدية، وما يؤسس لها من نصوص، وما يصاحبها من ممارسات، هي في نهاية المطاف حصيلة سيرورة تأويلية مركبة. فنحن بذلك نكون بصدد محاولة تأطير نظام يكتسي طابع الإطلاقية/المقدس، بنظام يكتسي طابع النسبية/المجتهد فيه. أي محاولة التوسل بأدوات تحليل معرفية، بما هي أدوات متغيرة، لدراسة موضوع طقوسي ثابت.

2.1. يكمن الإشكال الثاني في المستوى التاريخي: حيث إن محاولات التوظيف السابقة للعلوم المعرفية، ضمن الدرس الأكاديمي العربي والإسلامي، وخاصة تلك التي اعتمدت مقولات معرفية جاهزة، قد آل معظمها إلى نتائج مخيبة للآمال، إذ لم تسعف سؤال النهضة في شيء ذي بال. وهو ما يعني ضعف التراكم المعرفي في هذا المجال[21]، من جهة، وما يبرر التوجس من هذا المنحى، من جهة أخرى.

لذا، يحدونا إيمان بأن ننجح في محاولة تفعيل بعض الأدوات المعرفية المرتبطة بالمجالين السوسيولوجي والسيميائي، لمقاربة سؤال النهضة، من خلال الجواب على البون الفاصل بين قيم شعيرة الحج والممارسة الاجتماعية لكيان الحاج. باعتبار ذلك النموذج الشعائري قد يكون معبرا عن تلك المفارقة القائمة بين قيم الدين وقيم التدين.

2.    شواهد تاريخية للدراسة السوسيولوجية للواقعة الدينية:

عقب تطور نتائج الثورتين الصناعية والسياسية بأوربا، ظهرت في المجتمع الغربي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أزمة اجتماعية عميقة، تجلت في النزوع المفرط نحو الفردانية، انسجاما مع طفرة الإنتاج وحرية المنافسة. مما دعا النخبة المفكرة إلى دق ناقوس الخطر، والدعوة إلى إيجاد معادلة، تجمع بين القيم البرجوازية الجديدة والقيم الاجتماعية الموحدة، حتى لا تدمر النتائجُ السلبية للطفرة الاقتصادية مصيرَ الحضارة الاوربية برمتها.

حينها، عمل العديد من العلماء والفلاسفة على الانخراط في الجواب على ذلك التحدي، وقد كان من ضمنهم الفيلسوفان الفرنسيان: أوغست كونت[22] Auguste Comte، وتلميذه دافيد إيميل دوركهايم[23] David Émile Durkheim، اللذان عملا على تقديم أجوبة عن ” كيف يتمكن المجتمع الحديث، المؤسس على قيم الفردانية، من أن يظل متماسكا. وكيف يتمكن نظام اجتماعي تأسس على مبدأ مشروعية المصالح الفردية، من أن يحافظ على تلك المشروعية، من جهة، وفي ذات الوقت يتمكن من الحد من أن تتحول إلى مفجّر لأزمة صراع دائم ومدمر على المدى البعيد[24]؟”.

وعلى إثر ذلك التساؤل، تأسس علم الاجتماع الديني، كجزء من مشروع الإجابة على هذا السؤال. وقد تمكن هذان العالمان من التركيز على إعادة الاعتبار إلى قيم الأسرة والبيئة الاجتماعية، بناء على المقولات الإنجيلية، مما عرضهما للنقد فيما بعد. ولعلنا لا نكون جامحين لو اعتبرنا أن نسبة كبيرة من الاستقرار الاجتماعي الذي حظيت به المجتمعات الغربية، يرجع الفضل في جزء كبير منه إلى هذين العالمين، وخاصة في المجتمعات الكاثوليكية التي تجاوبت أكثر مع فلسفتهما، في مقابل المجتمعات البروتيستانية، التي ظلت مقاومة لمحاولات الانتقاص من النزعة الفردية.

ولئن كان تحدي “تجاوز آثار النزعة الفردية” في المجتمع الغربي يبدو أقل تعقيدا من تحدي “تجاوز أسباب الاحتباس الحضاري” في المجتمع العربي والإسلامي، فإن حظنا في تحقيق النجاح في تلك المهمة قد يكون متاحا، حيث تكون عملية تفعيل منهج الاشتغال على القيم الدينية علميا ومعرفيا، مدخلا جيدا من مداخل تجاوز الأزمة الحضارية، خاصة مع ما تحظى به القيم الدينية، لدينا، من اعتبار مركزي ضمن منظومة القيم الاجتماعية التي تؤطرنا.

من هنا تأتي أهمية الاشتغال بالمجال الإسلامي، بأدوات علم الاجتماع الديني، للتعاطي مع الواقعة الدينية الإسلامية، باعتبارها تجل نموذجي للقيم الدينية.

وتجدر الإشارة، إلى أنه، لفترة تزيد عن ستة قرون ظلت مواضيع من هذا القبيل تناقش ضمن المنطق المعياري الفقهي بالأساس. وبنظرة سريعة في النتائج الملموسة بواقعنا اليومي، نجد أن الجواب لم يتم بالشكل المناسب لحل الإشكالات الاجتماعية، وذلك لأسباب متعددة، كون الفقيه بالأساس لم يكن مزودا بالآليات الضرورية لمعالجتها. إضافة إلى نكوص الفيلسوف العربي والمسلم، خلال تلك الفترة خاصة، عن مواكبة الأسئلة المستجدة للمجتمع الإسلامي.

المبحث الثاني: الإمكان السوسيولوجي لدراسة الواقعة الدينية:

وبعيدا عن أي حرفية في التناول، أو إسقاط في التحليل، نستطيع أن نفيد من أعمال مجموعة من المدارس السوسيولوجية، مثل أعمال كل من: كونت ودوركهايم وسيمل وغلوك.. حيث إن بإمكانهم أن يسهموا في الجواب عن تلك الإشكالات المتعلقة بعلاقة القيم الدينية بالقيم الاجتماعية..

1.    الواقعة الدينية ووضعية كونت:

باعتبار أن الواقعة الدينية تجسيد عملي ضمن منظومة القيم الاجتماعية، فيمكن ل “وضعية[25] أوغست كونت” مثلا، أن تساعدنا في تحليل الشعيرة الدينية، عن طريق تفعيل ما أسماه “قانون الحالات الثلاثة[26]: ” بيولوجيا وعقليا واجتماعيا. إذ الدين بالنسبة إليه هو استراتيجية اجتماعية لخلق الوفاق، والوفاق هو جوهر علم الاجتماع. بل إن الجذر اللاتيني لمصطلح علم الاجتماع Sociology، هو “Socius”، والذي يعني “شريكا” أو “رفيقا”.

2.    الوظيفة الدينية ووظيفية دوركايم:

كما أن الواقعة الدينية، وباعتبار أثرها المباشر على المجتمع، فإن “وظيفية” تلميذه دوركهايم، قد تمثل تساعد على تسليط الضوء على كيفية توظيف تلك القيم اجتماعيا. فدوركهايم، سيؤكد، انطلاقا من مفهوم “الوظيفة الدينية”، أن الدين يلبي حاجات معرفية وسلوكية عميقة لدى الإنسان[27]. وهو الذي تميز مشروعه عن أستاذه، كونه كان أكثر تركيزا على المجال الديني، فطور مفاهيم أكثر دقة وانسجاما. وقد ضمنها عمله التتويجي “الأشكال الأولية للحياة الدينية” سنة 1912. حيث أعطى الدليل العلمي على دور الانتماء إلى جماعة الدينية في تقوية الروابط مع بقية فئات المجتمع. فأبرز فيه دور القيم والسلوكيات الجماعية في احتواء الفرد وانسجامه. وقد اهتم ب “الوظيفة” كسبب وكعلاقة. وبذلك يغدو لديه علم الاجتماع عبارة عن دراسة للعلاقات السببية بين الظواهر. حيث تفسر كل ظاهرة لاحقة ظاهرة سابقة، وحيث لا يمكن فصل أي ظاهرة عن سابقاتها. وحيث لا يمكن تجريد تمثل المجتمع للدين خارج هذا السياق.

3.    تدين الديني وتمييز سيميل:

وأما التمييز الذي أقامه السوسيولوجي جورج سيمل [28] Georg Simmel بين الدين والتدين، فسيفسح مساحة واسعة لمناقشة هذه الشعيرة الدينية، بتفاعلها مع التمثلات الذهنية للمتدينين وتشاكلاتها المؤسساتية في المجتمع، دون أن تمس بجوهر الدين وقدسيته. فهذا السوسيولوجي الألماني، مثلا، هو أول من ميز بين الدين كمقدس، والتدين كسلوك يطاله القصور. فالدين بالنسبة له “يمثل الدافع الحيوي، ويمثل التدين الشكل الاجتماعي الذي يسعى إلى الاستحواذ والسيطرة على الأول. لذلك يحضر الكائن البشري …مجبولا بطبيعته على صياغة رؤاه الدينية الخاصة عن العالم. فكل فرد.. ينجذب إلى دائرة الفن والأيروس، وبالشك ل نفسه، وبعفوية، تفتنه المعاني الرمزية التي تتيح له الدائرة الدينية التمتع بها[29].”

4.    أبعاد التدين وقياس غلوك:

تتجسد الواقعة الدينية داخل المجتمع، عن طريق التدين، فتحدث أثرا فيه، بإحلال منظومتها الاجتماعية ضمنه، فتصبح قابلة للقياس كأي ظاهرة اجتماعية أخرى. ذلك ما أكده السوسيولوجي الأمريكي شارل غلوك Charle.Y. Glock[30]، بتقديمه مقترحات لقياس مستوى التدين، عبر خمسة معايير وهي: الاعتقاد [31]والممارسة [32]والتجربة والانتماء والمعرفة.

5.    تنظيم الجماعة الدينية وتصنيف ويلسون وديكونشي:

تسعفنا مفاهيم السوسيولوجيين الأمريكي بريان ويلسون BryanRonaldWilson والفرنسي جان بيير ديكونتشي، بخصوص تنظيم وتصنيف الجماعات[33]، في تصنيف الحج وفهم طبيعة تنظيمه: حيث نجد أن بريان ويلسون[34] في تصنيفه للثّول (جماعة النحل)[35]، يعتبرها تنظيما ذا بينة تنظيمية ذات طابع حيوي، أشبه بهيكل غير مرئي. وبناء على ذلك، يصف ديكونشي[36] يصف طبيعة الآليات الضابطة للتنظيمات الدينية بكونها خاضعة لآليات رقابية تنظيمية وطقوسية [37]. ويمكن أن يكون لها أهداف تبشيرية[38].

6.    الخلاصة السوسيولوجية في شعيرة الحج:

وتكثيفا للمفاهيم السوسيولوجية السابقة، نستطيع أن نعرّف الحج باعتباره: تنظيما دينيا مؤقتا، له بينة ذات طابع صوفي، أشبه بهيكل روحي غير مرئي، وهو يخضع لآليات رقابية تنظيمية وطقوسية. وهو قادر على تحقيق استراتيجية اجتماعية من شانها خلق وفاق يلبي حاجات معرفية وسلوكية عميقة لدى الحاج، حيث يوطد معاني الانتماء إلى الجماعة الدينية. وبالرغم من أنه ليست له أهداف تبشيرية دعوية مباشرة، باعتبار أنه تجمع مؤقت، إلا أنه يمارس عمليا نوعا من الدعاية غير المباشرة لهذا التجمع. بما يسبقه من إجراءات تنظيمية، وما يواكبه من تغطية إعلامية، وما يستتبعه من تداعيات تقييمية. حيث تخضع ممارسته لاستحواذ ذات الحاج على قيمه المجردة، بفعل عملية إعادة صياغتها من قبله، وهو ما قد يصل إلى درجة التناقض معها. وبذلك فواقعة الحج ممارسة قابلة للقياس حسب نوع الاعتقاد وطبيعة التجربة وشكل الممارسة ونوعية الانتماء الذي حققه الحاج ومستوى المعرفة المسبقة التي شكلها عن الحج.

المبحث الثالث: الإمكان السيميائي لدراسة الممارسة الدينية:

لئن كانت السوسيولوجيا قد طورت مفاهيم وأدوات خاصة بالمجال الديني منذ أواسط القرن التاسع عشر، فإن المجال السيميائي لا يزال لم يشهد تطويرا لمفاهيم خاصة بالرموز الدينية وعلاماته. وهو أمر مبرر إلى حد بعيد، إذا استحضرنا حداثة بروز هذا المجال في مقابل مجال السوسيولوجيا.

ومع ذلك يمكن اعتبار مجال السميائيات ذي فائدة وافرة للمجال الديني، باعتبار هذا الأخير نسق رمزي ودلالي بامتياز. فالممارسة الدينية لا تتجسد إلا في شكل رموز، ضمن حكاية مبنية، تأتي لمحاكاة نموذج أعلى سابق، فتحدث داخل كيان الفرد مشاعر يحياها، ومفاهيم يتبناها، وسلوكا يعتاد عليه.

1.    تصنيفات بورس:

قدم شارل ساندرس بيرس Charles Sanders Peirc، صنيفات مهمة للعلامات التي تساعد في تحليل الظواهر المختلفة، بإمكانها أن تسعفنا في دراسة الوقائع الدينية: فتصنيفاته للعلامات تشمل الأيقونة، الرمز، والدلالة، وكل نوع من هذه العلامات يساهم بطريقة محددة في فهم الأنظمة الدينية:

1.1. مفهوم الأيقونة Icon: بيرس تحدث عن مفهوم الأيقونة في إطار السيميائيات، حيث تعتبر الأيقونة جزءًا من نظرية العلامات الثلاثية التي طورها. الأيقونة، بحسب بيرس، هي نوع من العلامة التي تمثل موضوعها من خلال التشابه أو المحاكاة[39]. الأيقونات ليست مجرد صور أو تماثيل، بل تشمل أي رموز تشبه أو تحاكي الخصائص الجوهرية للموضوع الذي تمثله. ففي السياق الديني، تتجاوز الأيقونات التماثيل والصور لتشمل رموزًا تمثل أو تحاكي المقدسات. في الدين الإسلامي، يمكن اعتبار الكعبة مثالاً بارزًا على الأيقونة. فالكعبة ليست مجرد هيكل معماري، بل هي تمثيل مرئي لمركز العالم الروحي والوحدة الإسلامية. الكعبة تمثل الأيقونة الأسمى في الإسلام، فهي ليست فقط مركز الحج ولكنها أيضًا تعبير مادي ومرئي عن التوحيد ومحور العبادة في الإسلام. إنها أيقونة تعكس العديد من المعاني الروحية والدينية، فهي تمثل وجهة الصلاة للمسلمين في جميع أنحاء العالم ومكان التقاء المسلمين من مختلف الثقافات والأعراق خلال موسم الحج. إنها رمز للوحدة والتكافل بين المسلمين وتجسد محور العبادة والتوجه الروحي للمسلمين.

2.1. مفهوم الرمز Symbol: وفقًا لبيرس، ف”الرمز” علامة تعتمد على الاتفاق الاجتماعي والتقليد لنقل المعنى. فهي لا تحمل معناها في خصائصها الفيزيائية أو التشابه مع الموضوع، بل تستمد معناها من الاتفاقات الاجتماعية والثقافية التي تربط بينها وبين الموضوعات التي تمثلها[40]. وتعتمد الرموز بشكل كبير على الاتفاق الاجتماعي والتقليد لنقل المعنى. مثلاً، الصليب في المسيحية لا يحمل أهميته من الخشب الذي صُنع منه بل من الدلالات الدينية والروحية المتفق عليها التي ترمز إلى فداء المسيح والخلاص. بالمثل، في الإسلام، الهلال لا يمثل القمر في حد ذاته، بل يعتبر رمزًا لبداية الأشهر القمرية وله أهمية خاصة في تحديد أوقات العبادات والأعياد مثل رمضان والعيد.

3.1. الدلالة Index: الدلالات ترتبط بالأشياء التي تمثلها من خلال علاقة سببية أو تجريبية. مثلًا، رؤية الناس يؤدون الصلاة يمكن اعتبارها دلالة على التدين والطاعة الروحية. في الحج، الطواف حول الكعبة يعتبر دلالة على الطاعة والتسليم لإرادة الله، حيث يجسد الحجيج علاقة مباشرة وفعلية مع الإيمان من خلال هذا الفعل[41]. إن استخدام هذا التصنيف يسمح بفهم أعمق لكيفية تأثير الدين في المؤمنين والمجتمعات. الدين، من خلال هذه العلامات، ينظم السلوك ويعبر عن القيم الأخلاقية ويحافظ على التقاليد، ويسهم في تشكيل الهويات الجماعية. فهم هذه العمليات يكشف عن البنية الأساسية للأنظمة الدينية ويوفر رؤى حول كيفية تفاعل الأفراد والجماعات مع المعتقدات الدينية وتجسيدها في حياتهم اليومية.

بهذه الطريقة، يكون تحليل العلامات الدينية وفقًا لنظرية بيرس أداة قوية لاستكشاف كيف تُنظم الديانات وتُعبر عن نفسها من خلال الرموز والطقوس والأيقونات، مما يساعدنا على فهم كيف تشكل هذه العلامات تجربتنا الدينية والروحية.

2.    استعاريات لايكوف:

بأعماله في مجال اللغة الإدراكية ونظريات التلخيص المفاهيمي، يقدم جورج لايكوف، يقدم إطاراً مفيدًا لفهم كيف يتم تشكيل الفكر واللغة وفقًا للهياكل المفاهيمية الأساسية في العقل البشري. مفاهيمه مثل “التشبيهات المفاهيمية” Conceptual Metaphors يمكن أن تكون أداة قوية لتحليل الواقعة الدينية. دعونا نستكشف كيف يمكن تطبيق أفكار لايكوف على الدين:

1.2. التشبيهات المفاهيمية Conceptual Metaphors: يؤكد لايكوف أن البشر يفهمون المفاهيم المعقدة (مثل الأفكار الدينية) من خلال التشبيهات المألوفة من الحياة اليومية. “في جميع جوانب الحياة، وليس في اللغة فقط، نعرّف واقعنا من خلال التشبيهات ثم نتصرف بناءً على تلك التشبيهات. نستنتج، نحدد أهدافًا، نلتزم بتنفيذ خطط، وكل ذلك على أساس كيفية هيكلة تجربتنا جزئيًا، بوعي أو بغير وعي، من خلال التشبيهات. من خلال كشف ودراسة الهيكل التشبيهي لمفاهيمنا، يمكننا أن نجعل هذه الجوانب المخفية من تفكيرنا واضحة لأنفسنا، وبالتالي نحصل على فهم أعمق لجذورنا الثقافية لنظم المفاهيم لدينا[42].”. وفي سياق المفاهيم الدينية، يُمكن توضيح نظريته حينما ينظر الدين إلى الحياة كرحلة. هذا التشبيه يساعد المؤمنين على فهم وتصور حياتهم كمسار أو طريق يجب أن يسلكوه بحكمة لتحقيق هدف نهائي، مثل الخلاص أو الوصول إلى الجنة. كما يتم تشبيه الله بالأب، في مثل الديانة المسيحية، لتحديد طبيعة علاقة المؤمنين بالله. أو تتم مقابلة النور بالظلام، لتمثيل الخير والشر أو المعرفة والجهل، إذ يرمز النور إلى المعرفة والهداية والحق، بينما يرمز الظلام إلى الجهل والخطأ.

2.2. التخطيطات الصورية [43]Image Schemas: يستخدم لايكوف مفهوم “التخطيطات الصورية” لوصف كيف يمكن للبنيات المعرفية البسيطة أن تكون أساسًا للفهم المعقد. في الدين، يمكن أن تكون “التخطيطات الصورية” مثل “الداخل/الخارج” و”الأعلى/الأسفل” مفيدة لتفسير الأفكار حول النقاء والتلوث، السمو والتدني. على سبيل المثال، الصعود إلى الجبل قد يُفهم على أنه التقارب نحو الله (الأعلى)، بينما يُنظر إلى النزول كبُعد عن القداسة.

3.2. الأطر التفسيرية [44]Frames: يعتبر لايكوف أن الأطر التفسيرية تشكل الطريقة التي يفهم بها الناس الأحداث والمواقف. في السياق الديني، يمكن للأطر أن تحدد كيف يفسر الأفراد النصوص المقدسة والممارسات الدينية. مثلاً، الإطار الديني قد يُفسر الكارثة الطبيعية كـ “عقاب إلهي” أو كـ “اختبار للإيمان”، وفقًا للقيم والمعتقدات المحددة للديانة.

4.2. التلخيص المفاهيمي [45]Conceptual Integration: هذا المفهوم يشرح كيف يمكن للأفراد دمج معلومات من عدة مصادر لخلق فهم جديد. في الدين، يمكن أن يحدث هذا عندما يُفسر الأشخاص الأحداث الحديثة في ضوء النصوص الدينية، مما يؤدي إلى تكامل مفاهيمي يجمع بين التقاليد الدينية والتجارب الشخصية العصرية.

إن تطبيق هذه المفاهيم للايكوفية يمكن أن يوفر نظرة غنية ومعمقة لكيفية تفاعل الأفراد مع الدين وكيف تُشكل هذه التفاعلات تجاربهم الروحية والاجتماعية. من خلال استخدام الأدوات التي يوفرها لايكوف، يمكن للباحثين دراسة الدين كنظام دلالي يعتمد بشكل كبير على التشبيهات المفاهيمية والتخطيطات الصورية، مما يكشف عن الديناميكيات المعقدة للمعتقدات والممارسات الدينية.

3.    أهوائيات غريماس:

ألجيرداس جوليان غريماس، المنظر الليتواني-الفرنسي في السيميائيات، طور نظرية تُعرف بـ “الأهوائيات” Semiotic Theory of Passions، والتي تهتم بكيفية تمثيل العواطف والمشاعر في النصوص والعلامات الثقافية. تطبيق هذه المفاهيم على الواقعة الدينية يمكن أن يكشف بعمق عن الديناميكيات العاطفية والدلالية التي تحيط بالتجارب الدينية. دعنا نستكشف كيف يمكن لأفكار غريماس المساعدة في تحليل الظواهر الدينية:

1.3 الأدوار الأهوائية [46] Passional Roles: يصف غريماس العلاقات بين الشخصيات في السرديات بأنها أدوار أهوائية، تشمل الرغبات، الأهداف، والعقبات. في السياق الديني، يمكن تحليل الشخصيات المقدسة، مثل الأنبياء والآلهة، والمؤمنين بأنهم يؤدون أدواراً أهوائية محددة. على سبيل المثال، النبي في الديانة الإسلامية قد يُنظر إليه كبطل يسعى لتحقيق الرغبات الإلهية ويواجه عقبات على هذا الطريق.

2.3. البرامج السردية [47]Narrative Programs: يعتقد غريماس أن السرديات تتشكل من برامج سردية تحكم تصرفات الشخصيات والأحداث. في الديانات، النصوص المقدسة والحكايات الدينية تحتوي على برامج سردية تدير العلاقات بين الشخصيات وتُظهر كيفية التفاعل مع الأوامر الإلهية والتجارب. فهم هذه البرامج يسمح بتحليل كيفية تقديم الأحداث الدينية كتجارب معنوية وعاطفية.

3.3. التحولات الأهوائية [48]Passional Transformations: يركز غريماس على كيفية تحول الأهوائيات، أي كيف تتغير العواطف والرغبات عبر الزمن أو بفعل الأحداث. في الدين، التحولات الأهوائية قد تكون مثل تحول الشخص من الشك إلى الإيمان، أو من اليأس إلى الأمل بتدخل إلهي. تحليل هذه التحولات يمكن أن يكشف عن كيفية استخدام الدين لتوجيه وتغيير الحالات العاطفية للأفراد.

إن تطبيق هذه المفاهيم الغريماسية يسمح بفهم أعمق للديناميكيات النفسية والعاطفية التي تتحكم في السلوك الديني، وكيفية تأثيرها في تشكيل الخبرات الدينية للأفراد. من خلال دراسة هذه العناصر، يمكن للباحثين أن يستكشفوا كيف يتم تأطير وتجسيد الأفكار الدينية في الحياة اليومية للأفراد، وكيف تُستخدم هذه المفاهيم لتحليل وفهم تفاعلات الأفراد وردود أفعالهم ضمن السياقات الدينية.

بهذه الطريقة، تقدم أهوائيات غريماس نظرة معقدة وغنية عن كيفية تفاعل الأفراد مع الرموز والمفاهيم الدينية بطريقة تؤثر في تصوراتهم وسلوكهم، مما يقدم رؤى قيمة لدراسات الدين.

4.    تأويليات إيكو:

قدم أمبرتو إيكو، السيميائي الإيطالي وناقد الثقافة، مساهمات كبيرة في نظرية التأويل والسيميائيات، مركزاً على كيفية تفسير النصوص والعلامات. نظرياته حول التأويل يمكن أن توفر أدوات فعالة لتحليل النصوص والممارسات الدينية بعمق. فيما يلي بعض الجوانب الرئيسية من أعمال إيكو التي يمكن تطبيقها على دراسة الواقعة الدينية:

1.4. التأويل المفتوح Open Work: يعرض إيكو يعرض مفهوم “العمل المفتوح[49]“، الذي يشير إلى أن النصوص (بما في ذلك النصوص الدينية) يمكن أن تُقرأ بطرق متعددة، ويمكن أن تولد معاني مختلفة بناءً على تفاعل القارئ معها. هذه النظرية تدعم فكرة أن النصوص الدينية ليست ثابتة أو ذات معانٍ مغلقة، بل هي ديناميكية ومتفاعلة، تتيح مساحة للتأويل الشخصي والثقافي المتنوع.

2.4. تجاوز الحدود بين المؤلف والقارئ: في كتابات إيكو، يتم التأكيد على الدور النشط للقارئ في تأويل النصوص[50]. هذا يعني أن دراسة الواقعة الدينية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ليس فقط النص نفسه، بل كيف يتم استقباله وتفسيره من قبل المؤمنين. يمكن لهذا التأويل أن يكشف عن كيفية تأثير العقائد الدينية على الأفراد والمجتمعات.

3.4. نقد الأيديولوجيا[51]: كان إيكو مهتمًا بكيفية استخدام النصوص لبناء وتعزيز الأيديولوجيات. في سياق الدين، يمكن لهذه النظرية مساعدتنا على فهم كيف تستخدم النصوص الدينية لدعم أو تحدي أيديولوجيات معينة داخل المجتمع. يمكن تحليل الرموز والطقوس لكشف الأيديولوجيات التي تسهم في تشكيل السلوكيات والقيم الاجتماعية.

باستخدام هذه المفاهيم التأويلية، يمكن للباحثين في الدراسات الدينية تقديم تحليلات معمقة للنصوص، الرموز، والممارسات الدينية، مع الأخذ بعين الاعتبار التفاعلات المعقدة بين النص، القارئ، والسياق الثقافي. هذه النظرة تساعد على فهم كيف تتشكل التجربة الدينية وكيف يمكن أن تتغير وتتطور عبر الزمن والثقافات.

-الخلاصة السيميائية في شعيرة الحج:

وتكثيفًا للمفاهيم السيميائية السابقة، نستطيع أن نعرّف الحج باعتباره: نظامًا رمزيًا مركبًا، يعبر عن بُنية دلالية ذات طابع روحي وأيقوني، يتمثل في مجموعة من العلامات والرموز التي تؤدي وظائف متعددة في تجربة الحاج. يتضمن هذا النظام أيقونات مركزية مثل الكعبة، ورموزًا مثل الهلال، ودلالات تعبيرية كالسعي والطواف، والتي تجتمع لتشكل منظومة متكاملة من المعاني والدلالات. هذا النظام الرمزي قادر على تحقيق استراتيجية تأويلية تتيح للحاج فهمًا عميقًا ومتعدد الأبعاد للمعاني الدينية والروحية. من خلال الرموز والأيقونات، يتم تعزيز معاني الانتماء والهوية الدينية، حيث يندمج الحاج في سياق ديني يتجاوز الفهم الفردي إلى الإدراك الجماعي. وبالرغم من أن هذه الرموز لا تحمل أهدافًا تبشيرية دعوية مباشرة، إلا أنها تعمل على نشر القيم الدينية بطرق غير مباشرة، عبر التفاعل مع السياقات الثقافية والإعلامية المختلفة.

ممارسات الحج تخضع لتأويلات متعددة من قبل الحجاج، حيث يعيد كل حاج صياغة هذه الرموز والدلالات بطريقته الخاصة، مما قد يؤدي أحيانًا إلى تناقضات في الفهم والتجربة. وبذلك، فإن شعيرة الحج كواقعة رمزية، تكون قابلة للتحليل وفقًا لأنواع العلامات (الأيقونة، الرمز، الدلالة) وطبيعة التأويلات (التشبيهات المفاهيمية، الأدوار الأهوائية، التأويلات المفتوحة)، مما يعكس تنوع وتعدد التجارب الروحية والمعرفية التي يمر بها الحاج.

-الخلاصة المعرفية في شعيرة الحج:

وتكثيفًا للمفاهيم السوسيولوجية والسيميائية السابقة، نستطيع أن نعرّف الحج باعتباره: تنظيمًا دينيًا مؤقتًا يتسم ببنية ذات طابع صوفي وروحي، تجمع بين الهيكل التنظيمي والاجتماعي، والنظام الرمزي والدلالي. هذا التنظيم يخضع لآليات رقابية تنظيمية وطقوسية تساهم في تحقيق وفاق اجتماعي ومعرفي، يلبي حاجات الحاج النفسية والروحية العميقة: فمن المنظور السوسيولوجي، يوطد الحج معاني الانتماء إلى الجماعة الدينية، ويعمل على تعزيز الهوية المشتركة بين الحجيج، من خلال ممارسات تنظيمية وطقوسية تخضع لإجراءات دقيقة ومتابعة إعلامية، مما يعزز الروابط الاجتماعية وينمي الشعور بالوحدة الدينية. وأما من المنظور السيميائي، يمثل الحج نظامًا رمزيًا مركبًا يعبر عن بُنية دلالية متكاملة، تتضمن أيقونات مركزية مثل الكعبة، ورموزًا مثل الهلال، ودلالات تعبيرية كالسعي والطواف. هذه الرموز تعمل على تحقيق استراتيجية تأويلية تتيح للحاج فهمًا عميقًا ومتعدد الأبعاد للمعاني الدينية والروحية، حيث يندمج الحاج في سياق ديني يتجاوز الفهم الفردي إلى الإدراك الجماعي.

تجمع ممارسات الحج بين الأبعاد السوسيولوجية والسيميائية، حيث يخضع الحاج لتجربة شاملة تعيد صياغة القيم والمفاهيم الدينية والاجتماعية من خلال تفاعلها مع النظام الرمزي. بالرغم من أن هذه الممارسات لا تحمل أهدافًا تبشيرية دعوية مباشرة، إلا أنها تعمل على نشر القيم الدينية بطرق غير مباشرة عبر التفاعل مع السياقات الثقافية والإعلامية المختلفة.

وبذلك، يمكن اعتبار شعيرة الحج ممارسة معرفية قابلة للقياس والتحليل، تتفاعل فيها الأبعاد الاجتماعية والرمزية، مما يعكس تنوع وتعدد التجارب الروحية والمعرفية التي يمر بها الحاج. هذه الممارسة تجمع بين تحقيق الوفاق الاجتماعي وتعزيز الهوية الدينية، وبين فهم الرموز والدلالات العميقة التي تشكل جوهر التجربة الروحية للحاج.

الفصل الثاني: شعيرة الحج: من الواجب المطلق إلى المتحقق المقيد:

إن الحج، كشعيرة دينية رئيسية في الإسلام، يُعد محوراً لالتقاء العديد من النزوعات الروحية والفلسفية. هذه الشعيرة، التي تعبر عن مزيج عميق من الإيمان والتاريخ، تُمثل مجالاً فريداً للدراسة من عدة منظورات، بما في ذلك المعرفي والوجودي. إذ سنحاول استكشاف الحج، ليس فقط كفعل تعبدي، بل كظاهرة متعددة الأبعاد تكشف عن الديناميكيات المعقدة بين النظرية والممارسة في السياق الديني.

أولًا، نتناول الحج على مستوى “الواجب المطلق”، حيث تُعتبر الشعيرة تجسيدًا للتعليمات والقيم المنصوص عليها في النصوص المقدسة. هنا، يُمارس الحجيج فعلهم العبادي في سياق زماني ومكاني محددين، محاكين نموذجًا أو مثلًا أعلى سبق أن عاش هذه التجربة الروحية. هذا البُعد يُسلط الضوء على الحج كتأكيد على التقليد واستمرارية العقيدة. وبذلك نكون بصدد تجليات قيمية، منصوص عليها في النصوص المقدسة، والتوجيهات الإرشادية الدينية، وهو ما اصطلحنا عليه ب “الواجب المطلق”.

ثانيًا، نفحص “الممكن المجرب”، حيث يقوم نخبة من الحجاج بتطبيق تجارب فريدة واستثنائية تُعد توسيعًا للفهم الروتيني للشعيرة. في هذا المستوى، يكتسب الحجيج فهمًا أعمق وربما تجارب أكثر شخصية وتفردًا، مما يُمكنهم من استيعاب وتمثل القيم الدينية بطرق مبتكرة ومؤثرة.

وبذلك نكون بصدد تجليات نوعية، يقوم بتطبيقها نوعية استثنائية من الحجاج، وهو ما اصطلحنا عليه ب “الممكن المجرب”.

أخيرًا، ندرس “المتحقق المقيد”، الذي يشير إلى كيفية ممارسة الغالبية العظمى من الحجاج لهذه الشعيرة. هذا المستوى يكشف عن التحديات والتجليات الكمية للحج، حيث تُمارس الطقوس في إطار محدوديات معينة قد تشمل الظروف اللوجستية، التفاعلات الاجتماعية، والأطر التنظيمية. وبذلك نكون بصدد تجليات كمية، وهو ما يشمل سلوك الكم الأكبر من الحجاج، وهو ما اصطلحنا عليه ب “المتحقق المقيد”.

من خلال النظر في هذه المستويات الثلاثة، يُمكننا تقديم رؤية شاملة للحج كفعل ديني يتسم بالغنى والتعقيد. سنعتمد في تحليلنا على تصورات مفكرين مثل شريعتي وحمودي، لاستكشاف كيف يمكن للتجربة الروحية أن تتخذ أشكالاً متنوعة وتؤثر بعمق في السلوك والفهم الديني.

المبحث الأول: واقعة الحج واجبا مطلقا باعتبارها تجليا قيميا:

تدور نسك شعيرة الحج كلها، على توظيف الفعل التعبدي، داخل حيز زماني ومكانين مقدسين، ليحاكي الحاج فعلا قد سبق أن قام به نموذج/ مثل أعلى، استطاع تمثل تلك القيم التي هي مناط تلك النسيكة. وفي هذا التوصيف تلتقي كل النزوعات الدينية التي تتخذ من الحج شعيرة أساسية، في سلم نظامها التعبدي[52]، لتحقيق قيمة معنوية محددة.

من هذا المنظور سنعرض التصورات القيمية للحج الإسلامي، من خلال تصورات شريعتي وحمودي، (الواجب المطلق). كما سنتناول التمثل الفعلي لكل منهما، نسيكة نسيكة، كل من زاوية ممارسته ومعايشته لها، لممكن المجرب. ثم نختم كيف سجل كل منهما، ممارسة الكم الأعظم من الحجيج لتلك الشعيرة، المتحقق المقيد.

في هذا المبحث، سنعرض مكونات منظومة الحج بشكل متراكب، دون الدخول في تفاصيلها، تلك التفاصيل التي سنعرض لها في بقية الفقرات.

فشعيرة الحج تضم أربعة أبطال، بخمس حكايات، يقوم الناسك بمحاكاتها:

-أما الأبطال فهم: آدم وإبراهيم وهاجر وإسماعيل.

-وأما الحكايات فهي: النزول إلى الأرض، والتخلص من الشيطان، والتضحية بالولد، وبناء الكعبة، والسعي لأجل الارتواء. وكل حكاية تقابلها نسيكة تحاكيها.

وبدراستنا لما يقوم به الناسك، نكون أمام أربعة عناصر، وثلاثة مستويات، ومسارين اثنين:

-أما العناصر فهي: الوظيفة والإنجاز والحيز والمنجِز.

-وأما المساران فهما: الحكاية والمحاكاة.

-وأما المستويات فهي: الإسناد والاستدعاء وإعادة الإنتاج.

وسنشرع بتحليل الحكايات والمحاكاة، والتعالق بينهما:

1. الحكايات موضوع الحج:

تجسد شعيرة الحج خمس حكايات تاريخية، تحكي قصص ثلاثة أنبياء وامرأة صالحة. وهي: نزول آدم، وسعي هاجر، وبناء الكعبة، ورجم الشيطان، والتضحية بالولد. يهدف هذا المقال إلى تحليل هذه الحكايات باستخدام ستة عناصر أساسية: المنجِز، والإنجاز، والوظيفة، والحيز الزماني، والحيز المكاني، والقيمة المعنوية.

1.1. نزول آدم: بدء التاريخ البشري:

– المنجِز: آدم (عليه السلام) هو الشخصية الرئيسية في هذه الحكاية، يمثل أول إنسان وأب البشرية.

– الإنجاز: نزول آدم من الجنة إلى الأرض يمثل بداية الوجود البشري على الأرض. هذا الحدث هو نقطة التحول الكبرى في التاريخ البشري، حيث انتقل الإنسان من الحياة في الجنة إلى الحياة على الأرض بكل ما فيها من تحديات وفرص.

– الوظيفة: يرمز نزول آدم إلى بداية الحياة البشرية وتعليم البشر مبادئ التوبة والغفران. هذا الحدث يُظهر رحمة الله وتوجيهه للبشر نحو التوبة والعودة إليه بعد الخطأ.

– الحيز الزماني: الفترة الزمنية لنزول آدم غير محددة بدقة، ولكن يُنظر إليها على أنها بداية التاريخ البشري. ولكن لا دليل على أن يوم التاسع من ذي الحجة هو احتفال سنوي بنزوله بجبل الرحمة. كما لا دليل على أن أعمال إبراهيم وإسماعيل وهاجر كانت في تلك الأيام، من الأيام المقيدة نسكها بزمان معين. إذن، تبقى أزمان النسك أزمان رمزية بالأساس.

– الحيز المكاني: جبل عرفات يُعتبر المكان الذي نزل فيه آدم إلى الأرض، وهو مكان ذو رمزية كبيرة في شعيرة الحج، حيث يقف الحجاج في يوم عرفة كأحد أهم مناسك الحج. وتدل آخر الحفريات التي أنجزت، سنة 2013 بمنطقة عفار، شمال شرق إيثيوبيا، إلى أن أقدم إنسان وجد لحد الآن يعود تاريخه إلى ما يقارب 3 ملايين سنة. أي أن فترة آدم قد تكون سبقت ذلك الزمن بقليل[53]. وهو ما يعادل 30 ألف قرنا من الآن. كما أن زمن إبراهيم يمتد إلى 22 قرنا قبل الميلاد (2200ق.م-2000 ق.م)، أي ما يعادل 44 قرنا من الآن.

– القيمة المعنوية: يمثل نزول آدم قيمة التوبة والغفران. يُعتبر رمزًا لبداية جديدة بعد الوقوع في الخطأ، مما يُعزز الأمل في رحمة الله وقبوله لتوبة عباده.

2.1. سعي هاجر: رمز الصبر والإيمان:

– المنجِز: هاجر (عليها السلام) هي البطلة في هذه الحكاية، تمثل نموذجًا للأم المثابرة والمؤمنة.

– الإنجاز: سعي هاجر بين الصفا والمروة بحثًا عن الماء لولدها إسماعيل. هذا الفعل يُظهر قوة الإيمان والتوكل على الله في أصعب الظروف.

– الوظيفة: يمثل سعي هاجر التضحية والصبر، ويعكس قوة إيمانها بالله وثقتها في رحمته.

– الحيز الزماني: الزمن غير محدد بدقة في التاريخ، لكن يرتبط بولادة إسماعيل (عليه السلام) ويُحيي في ذاكرة المسلمين قصتها الملهمة.

– الحيز المكاني: الصفا والمروة في مكة المكرمة هما الموقعان اللذان تجري فيهما هذه الحكاية. يسعى الحجاج بينهما كما فعلت هاجر.

– القيمة المعنوية: يُعبر سعي هاجر عن الصبر والإيمان العميق بالله، مما يجعلها رمزًا للتوكل والإصرار في مواجهة الصعاب. هذه الحكاية تُعزز من قيمة الثقة بالله والعمل الدؤوب في سبيل تحقيق الأهداف.

3.1. بناء الكعبة: وحدة الأمة الإسلامية:

-المنجِز: إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) هما الشخصيتان الرئيسيتان في هذه الحكاية، يمثلان طاعة الله والعمل المشترك.

– الإنجاز: بناء الكعبة المشرفة هو الحدث المحوري في هذه الحكاية، حيث قام إبراهيم وإسماعيل ببناء بيت الله الذي أصبح قبلة المسلمين.

– الوظيفة: يرمز بناء الكعبة إلى توحيد المسلمين حول بيت واحد يعبدون الله فيه. يمثل هذا الفعل محور العبادة والتوحيد.

– الحيز الزماني: فترة زمنية تعود إلى نحو 2200 قبل الميلاد، مما يعطيها بُعدًا تاريخيًا قديمًا.

-الحيز المكاني: مكة المكرمة هي المكان الذي بُنيت فيه الكعبة، وهي المركز الروحي للمسلمين في جميع أنحاء العالم.

– القيمة المعنوية: يمثل بناء الكعبة الوحدة والتوحيد بين المسلمين، ويعتبر مركزًا روحانيًا يلتقي فيه المسلمون من جميع أنحاء العالم لعبادة الله. هذه الحكاية تُعزز القيم المشتركة والتجمع حول رمز موحد، مما يقوي الروابط الدينية والروحية بين المسلمين.

4.1. رجم الشيطان: مقاومة الإغراءات:

– المنجِز: إسماعيل أو هاجر أو إبراهيم (عليهم السلام) حسب الروايات المختلفة، يمثلون الشخصيات الرئيسية في هذه الحكاية.

– الإنجاز: رجم الشيطان ثلاث مرات في منطقة منى. هذا الفعل يُجسد رفض وساوس الشيطان والتخلص منها.

– الوظيفة: يرمز رجم الشيطان إلى مقاومة الإغراءات والتمسك بالطريق الصحيح، مما يعزز من قوة الإرادة والإيمان.

– الحيز الزماني: خلال فترة الحج (أيام التشريق) يُمارس الحجاج هذا الفعل كجزء من مناسك الحج.

– الحيز المكاني: منى هي المكان الذي يجري فيه رجم الشيطان، وهي موقع ذو أهمية كبيرة في شعيرة الحج.

– القيمة المعنوية: يمثل رجم الشيطان مقاومة الإغراءات والتمسك بالطريق الصحيح، ويُعتبر تعبيرًا عن النصر على الشيطان ورفض المعاصي. هذه الحكاية تُعزز من قيم الاستقامة والتمسك بالحق، مما يُقوي الإرادة الفردية والجماعية لمقاومة الشرور.

5.1. التضحية بالولد: اختبار الإيمان والطاعة:

– المنجِز: إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) هما الشخصيتان الرئيسيتان في هذه الحكاية، يمثلان الامتثال لأوامر الله والإخلاص الكامل له.

– الإنجاز: استعداد إبراهيم للتضحية بابنه إسماعيل طاعةً لأمر الله واستبداله بالكبش. هذا الفعل يُظهر الطاعة المطلقة والامتثال الكامل لأوامر الله.

– الوظيفة: تمثل هذه الحكاية الامتثال التام والطاعة المطلقة لأوامر الله، مما يعكس الإخلاص الكامل لله.

– الحيز الزماني: خلال فترة الحج (يوم العاشر من ذي الحجة)، يُحتفل بهذه الحكاية كجزء من مناسك الحج وعيد الأضحى.

– الحيز المكاني: منطقة منى هي المكان الذي تجري فيه التضحية، مما يجعلها موقعًا مقدسًا في شعيرة الحج.

– القيمة المعنوية: يرمز هذا الحدث إلى التضحية والإخلاص لله، ويُعتبر اختبارًا للإيمان والطاعة. يُحتفل به كعيد الأضحى، مما يعكس قيمة التضحية والتفاني في سبيل الله، ويُعزز من الروابط الروحية بين المسلمين.

يبقى هدف الحكايات أن ترجعك إلى البدايات، وهو ما يعبّر عنه حمودي بقوله: “الشعر القاتم للسور التي تروي نهاية العالم تفتنني دائما. كانت الآيات حول بدائع المخلوقات تمنح كل شيء … سحر المرات الأولى[54].  وتحمل الحكايات المتعلقة بشعيرة الحج في الإسلام رموزًا وقيمًا روحية عميقة، تعزز من فهم الأبعاد الروحية والاجتماعية لهذه الشعيرة. من خلال تحليل هذه الحكايات باستخدام العناصر الستة، يُمكن فهم الأبعاد الرمزية والوظيفية لكل حكاية، وكيف تسهم في تشكيل تجربة الحج الروحية والمعنوية. هذه الحكايات ليست مجرد قصص تاريخية، بل هي أدوات تعليمية وروحية تعزز القيم الدينية وتربط المسلمين بتاريخهم وإيمانهم المشترك. تُجسد شعيرة الحج بذلك مجموعة من القيم التي تعزز الوحدة، والصبر، والطاعة، والإيمان، مما يجعلها تجربة دينية وروحية فريدة.

في هذا الصدد، يعبّر حمودي عن الحيز المكاني بأبلغ تعبير سيميائي، فيقول: ” في تلك التخوم، الأشياء المحسوسة، التي تعلمنا أخيراً تسميتها رموزاً، الانفعال في المكان ذاته حيث تستنفد الدلالة. تلك هي نزعتها قبل كل شيء، قبل التعريف أو التعرف إلى معضلة، واقتراح عرض وفير من الإحساسات والمقاصد المعينة التي قد تفسد هذا الحشد، أو تحدث فينا نزوات. بالأحرى، تلك النزعة تشير لنا إلى الوجه المعروف والمتحول في الخطورة لأبي الهول والعنقاء. الرموز تعيدنا نحن البشر، بعضنا إلى بعض. إذا كان لهذه الأشياء حقاً نوع من العمق الإنساني، فليس بمقدوري أن أمنع نفسي من الاعتقاد أن ذلك العمق صادر عن حركة الإحالة هذه والتي، بهذا الواقع نفسه، ستظل محاولتها للاستبدال ناقصة دائماً، متجاوزة دائماً[55].”

 ويلخص الجدول التالي تلك الحكايات موضوع الحج:

الحكايةالمنجِزالإنجازالوظيفةالحيز الزمانيالحيز المكانيالقيمة المعنوية
نزول آدمآدمنزول آدم من الجنة إلى الأرضبداية الحياة البشرية والتوبة والغفرانبداية التاريخ البشريجبل عرفاتالتوبة والغفران، بداية جديدة بعد الخطأ
سعي هاجرهاجرسعي هاجر بين الصفا والمروة بحثًا عن الماءقوة الإيمان والتوكل على اللهغير محدد بدقةالصفا والمروةالصبر والإيمان العميق بالله، الإصرار والتوكل
بناء الكعبةإبراهيم وإسماعيلبناء الكعبة المشرفةتوحيد المسلمين حول بيت اللهنحو 2200 قبل الميلادمكة المكرمةالوحدة والتوحيد، المركز الروحي للمسلمين
رجم الشيطانإسماعيل/هاجر/إبراهيمرجم الشيطان ثلاث مراترفض وساوس الشيطانأيام التشريق (فترة الحج)منىمقاومة الإغراءات، النصر على الشيطان
التضحية بالولدإبراهيم وإسماعيلاستعداد إبراهيم للتضحية بإسماعيل واستبداله بالكبشالطاعة المطلقة لأوامر اللهيوم العاشر من ذي الحجةمنطقة منىالتضحية والإخلاص لله، اختبار الإيمان والطاعة

2. المحاكاة لحكاية الحج:

سنحاول هنا تحليل محاكاة الحجاج لحكايات الحج، بأفعال ورموز حكايات الأنبياء والمرأة الصالحة، حيث ضمن إطار زمني ومكاني محدد.

باستخدام ستة عناصر أساسية: المنجِز، الإنجاز، الوظيفة، الحيز الزماني، الحيز المكاني، والقيمة المعنوية.

1.2. محاكاة نزول آدم:

– المنجِز: الحاج هو المنجِز الذي يعيد تمثيل قصة نزول آدم (عليه السلام).

-الإنجاز: الوقوف بعرفات، حيث يجتمع الحجاج في هذا المكان للتضرع إلى الله وطلب المغفرة.

– الوظيفة: تحقيق التوبة والغفران، حيث يُعتبر الوقوف بعرفات فرصة للحاج للتخلص من الذنوب والبدء من جديد.

– الحيز الزماني: يوم التاسع من ذي الحجة، وهو اليوم المحدد للوقوف بعرفات خلال فترة الحج.

– الحيز المكاني: جبل عرفات، الواقع على بُعد حوالي 20 كيلومترًا جنوب شرق مكة المكرمة.

-القيمة المعنوية: يعكس الوقوف بعرفات قيم التوبة والغفران، حيث يستحضر الحاج تجربة نزول آدم إلى الأرض وطلبه المغفرة من الله، مما يمنح الحاج شعورًا بالتجدد الروحي وبداية جديدة.

2.2. محاكاة سعي هاجر:

– المنجِز: الحاج هو الذي يسعى بين الصفا والمروة محاكاةً لسعي هاجر (عليها السلام).

– الإنجاز: السعي بين الصفا والمروة، وهو إعادة تمثيل لسعي هاجر بحثًا عن الماء لإنقاذ ولدها إسماعيل.

– الوظيفة: تجسيد الصبر والإيمان والتوكل على الله، حيث يسعى الحاج لتحقيق هذه القيم من خلال هذا الفعل.

– الحيز الزماني: يمكن أداء السعي في أي وقت خلال فترة الحج، بعد الطواف بالبيت.

– الحيز المكاني: بين الصفا والمروة داخل المسجد الحرام في مكة المكرمة.

– القيمة المعنوية: يعبر السعي بين الصفا والمروة عن الصبر والإيمان العميق بالله، وتجسيد الجهد المستمر والتوكل على الله في مواجهة الشدائد، مما يُعزز قيمة المثابرة والتفاني في سبيل الله. فهو حين يسعى فهو لا يبحث عن ماء لأن ابنه قد أصابه العطش، وإنما يحاكي فعل هاجر، ليستعيد تجربتها في الحركة والنشاط من أجل غاية حيوية.

3.2. محاكاة بناء الكعبة:

– المنجِز: الحاج هو الذي يقوم بالطواف حول الكعبة محاكاةً لبناء الكعبة على يد إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام).

– الإنجاز: الطواف حول الكعبة سبعة أشواط، وهو فعل يرمز إلى بناء الكعبة والتوحيد.

– الوظيفة: التعبير عن الوحدة والتوحيد والالتزام بأوامر الله.

– الحيز الزماني: يمكن أداء الطواف في أي وقت خلال فترة الحج، كجزء من مناسك العمرة أو الحج.

– الحيز المكاني: حول الكعبة المشرفة في المسجد الحرام بمكة المكرمة.

– القيمة المعنوية: والطائف حين يطوف فهو لا يفعل ذلك بعد أن بنى كعبة او بناء مقدسا، ولكنه يحاكي بطوافه فعل إبراهيم وإسماعيل، لتحقيق نفس المقصد من الفعل. وكذلك بقية المناسك.

يمثل الطواف حول الكعبة الوحدة والتوحيد بين المسلمين، ويعبر عن الالتزام بأوامر الله والتجمع حول رمز مشترك، مما يُعزز الروابط الروحية بين المسلمين ويقوي الشعور بالانتماء الجماعي.

4.2. محاكاة رجم الشيطان:

– المنجِز: الحاج هو الذي يرمي الجمرات محاكاةً لرجم الشيطان الذي قام به إبراهيم أو إسماعيل أو هاجر (عليهم السلام) حسب الروايات.

– الإنجاز: رمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق، حيث يقوم الحاج برجم الأعمدة الثلاثة في منى.

– الوظيفة: التخلص من وساوس الشيطان ورفض المعاصي، مما يعكس مقاومة الإغراءات والتمسك بالطريق الصحيح.

– الحيز الزماني: خلال أيام التشريق (11-13 ذي الحجة).

– الحيز المكاني: منطقة منى، حيث توجد الجمرات الثلاث.

– القيمة المعنوية: يعبر رجم الشيطان عن مقاومة الإغراءات والتمسك بالطريق الصحيح، ويُجسد النصر على الشيطان ورفض المعاصي، مما يعزز قيمة الاستقامة والإصرار على الحق والتمسك بالتعاليم الدينية. غير أن نسيكة الرجم، وهو فعل إسماعيل أو هاجر أو إبراهيم، حسب المرويات المختلفة، هو فعل متفرد من بين كل النسك، ففيه يلتقي، الرمزي بالمرجعي، أو الحقيقة بالمجاز: فالحصاة الصغيرة تتحول، في معتقد الحاج، إلى جمرة حارقة تضرب بها العمود حيث يحترق الشيطان. ربما جاء هذا التفرد لهذه النسيكة، لأن المعركة بين الشيطان والإنسان لا زالت مستمرة فعليا.

5. محاكاة التضحية بالولد:

المنجِز: الحاج هو الذي يقوم بتقديم الهدي محاكاةً لاستعداد إبراهيم للتضحية بابنه إسماعيل (عليهما السلام).

– الإنجاز: تقديم الهدي (ذبح الأضحية) في يوم النحر (العاشر من ذي الحجة).

– الوظيفة: التعبير عن الطاعة المطلقة لأوامر الله والتضحية في سبيله.

– الحيز الزماني: يوم العاشر من ذي الحجة (عيد الأضحى).

– الحيز المكاني: منطقة منى.

-القيمة المعنوية: يمثل تقديم الهدي التضحية والإخلاص لله، ويجسد اختبار الإيمان والطاعة، مما يعزز قيمة التفاني والتضحية في سبيل الله، ويُذكر المسلمين بأهمية الاستجابة لأوامر الله وتقديم ما يحبون قربانًا له.

إن المهمة الأساسية للحاج/الشاعر/الناسك هي إنجاز أفعال بمحاكاة حكاية حصلت عن طريق استعادة أفعال أبطال الحكاية الأصليين، هاجر وإسماعيل وإبراهيم وآدم. حيث يكون الهدف هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الانسجام مع الحدث الأول. وتجسد محاكاة الحجاج لحكايات الأنبياء في الحج مجموعة غنية من القيم والمعاني الروحية. من خلال تحليل هذه المحاكاة باستخدام العناصر الستة (المنجِز، الإنجاز، الوظيفة، الحيز الزماني، الحيز المكاني، والقيمة المعنوية)، يُمكن فهم العمق الرمزي والوظيفي لكل حكاية. هذه المحاكاة ليست مجرد إعادة تمثيل للأحداث التاريخية، بل هي تجارب روحية تعزز القيم الدينية وتربط المسلمين بتاريخهم وإيمانهم المشترك، مما يجعل من الحج تجربة دينية وروحية فريدة تعزز الوحدة والإيمان والطاعة والاستقامة في حياة المسلمين.

وقد عبر عنها حمودي بالعبارة التالية: “في تلك التخوم، الأشياء المحسوسة التي تعلمنا أخيرا تسميتها رموزا، تنتج الإنفعال في المكان ذاته حيث تستنفذ الدلالة[56].”.

ويلخص الجدول التالي محاكاة تلك الحكايات موضوع الحج:

المحاكاةالمنجِزالإنجازالوظيفةالحيز الزمانيالحيز المكانيالقيمة المعنوية
محاكاة نزول آدمالواقفالوقوف بعرفاتالتوبة والغفران والعودة إلى اللهيوم التاسع من ذي الحجةجبل عرفاتالتوبة والغفران، بداية جديدة وطهارة روحية
محاكاة سعي هاجرالساعيالسعي بين الصفا والمروةتمثيل الصبر والإيمان والتوكل على اللهيُمكن أداءه في أي وقتالصفا والمروةالصبر والإيمان، الجهد المستمر والتوكل على الله
محاكاة بناء الكعبةالطائفالطواف حول الكعبةالتعبير عن الوحدة والتوحيد والالتزام باللهيُمكن أداءه في أي وقتالكعبة في مكة المكرمةالوحدة والتوحيد، الالتزام بأوامر الله
محاكاة رجم الشيطانالراميرمي الجمراتالتخلص من وساوس الشيطان ورفض المعاصيأيام التشريق (11-13 ذي الحجة)منىمقاومة الإغراءات، النصر على الشيطان، الاستقامة
محاكاة التضحية بالولدالمضحيتقديم الهديالتعبير عن الطاعة المطلقة لأوامر اللهيوم العاشر من ذي الحجةمنطقة منىالتضحية والإخلاص لله، اختبار الإيمان والطاعة

3. مستوى تعالق الحكاية بالمحاكاة:

إن الإنجاز والحيز كلاهما محايد، لا مقدسان ولا مدنسان، فالوظيفة هي ما يحمل صفة القداسة والدناءة.

بإسناد الوظيفة إلى الإنجاز والحيز، يكسب كل من هذين الأخيرين طبيعة الأولى: فالطواف في أصله ما هو إلا دوران، لكنه اكتسب صفة القداسة من وظيفة الالتزام. كذلك الوقوف بعرفة هو في الأصل مكوث، اكتسب صفة القدسة من وظيفة التوجه. ونفس الامر بالنسبة للرمي والسعي والإحرام والهدي والمبيت بمنى ، ما هي في الأصل إلا إلقاء للحجر وهاب وإياب بين جبلين ولباس الابيض وذبح الذبيحة والنوم. لكن تلك الأفعال العادية اكتسبت صفة غير عادية بإسناد وظائف غير عادية لها، وهي: الاستعاذة والتجرد للعبادة والأخذ بالأسباب والتقرب والاستعداد للعبادة.

هذا بالنسبة للإنجاز، ونقول نفس الشيء بالنسبة للحي مكانا كان أو زمانا.

النسيكةالإنجازالحيز الزمانالحيز المكانيالوظيفة
الطوافدوراندخول مكةالكعبةالالتزام
الوقوفمكوثيوم التاسععرفةالتوجه
الرميإلقاء للحجرثلاثة أيام التشريقمنىالاستعاذة 
الإحراملباس الأبيضبداية الحجالميقاتالتجرد للعبادة
السعيذهاب وإيابآخر الحجبين جبلينالأخذ بالأسباب
الهديذبح الذبيحةيوم العاشرمنىالتقرب
المبيتالنومثلاثة أيام التشريقمنىالاستعداد للعبادة

يقول حمودي في هذا الصدد: 217:” في تلك التخوم، الأشياء المحسوسة، التي تعلمنا أخيرا تسميتها رموزا، تنتج أفعالا في المكان ذاته، حيث تُستنفد الدلالة[57].” ويلخص الشكل التالي كل ذلك:

                                                                       خط الحياد الطبيعي                                             

تتعالق حكايات الحج بمحاكاتها، عبر مستويات الإسناد والاستدعاء وإعادة الغنتاج، وذلك على الشكل التالي:

1.3. يتجلى مستوى الإسناد، في التمثل الذهني للحاج، بوجود حكاية جاهزة، قد أسند لها وظيفة/غاية قد حققتها، عبر إنجاز فعل محدد، في حيز زمني ومكاني محدد. وهو ما يمثل مسار الحكاية.

2.3. أما مستوى الاستدعاء، فيتجلى، في عكس مسار الحكاية، وذلك باستدعاء نفس عناصرها (الوظيفة والإنجاز والحيز)، ولكن بشكل معكوس لمسار الحكاية، حيث ينطلق المحاكي/الحج من الحلول في الحيز الزماني والمكاني، ليحقق الإنجاز، الذي يستدعي به الوظيفة. وهو ما يمثل مسار المحاكاة. وهنا يكون الحاج قد تمثل بالمحاكاة تلك القيم التي تحملها الحكاية، فيكون تفاعله معها أقوى، كونه قد شارك في محاكاتها، تلك المحاكاة التي تمكنه من حالة “التمثل”. وهي الحالة التي تتجاوز حالة “التطهر” التي تتحصلها جوقة المسرح اليوناني، حيث يكتفون ب”الفرجة”، بينما جموع الحجاج يمارسون “المحاكاة” بذواتهم.

3.3. وحينما تنفض جموع الحجاج، ويعود كل حاج إلى مسرحه في الحياة، تبدأ مهمته الطبيعية: إذ عليه أن ينتج حكايته الخاصة، وفق محاكاته السابقة. وهنا نكون بصدد المستوى الثالث، وهو مستوى إعادة إنتاج ذات الحكاية من جديد.

وهكذا ينقل الحاج/ا لمنجِز تلك القيم التي تحملها حكايته إلى من فاته أن يحقق محاكاة الحكايات الخمسة الأصلية.

غير أن ما تثيره تلك المحاكاة في كيان الناسك يعرض لشيء من الارتباك: فهو، من ناحية يحاكي أبطالا هو على يقين أنه يختلف عنهم. ثم من ناحية ثانية، هو يمارس بمحاكاته حكاية عارف مسبقا بنهايتها. ارتباك عبر عنه حمودي بقوله: ” كل جهدنا أن نقترب منهم ـ الأنبياء ـ مع التأكيد على اختلاف غير قابل للاختزال.. وهكذا يتشكل النموذج والفعل معا، أو بالأحرى يحيل أحدهما على الآخر باستمرار في تقابل يؤكد انفصالهما.  “[58]. إن “حبكة، محاكاة خاتمتها مقررة سلفا، … كلما خطرت الفكرة في ذهني أبعدها سريعا، طاردا إياها إلى مملكة الظنون. غير أن المناقضة جعلتني أذعن لها شيئا فشيئا: ما تحمله كل حياة بشرية من حكاية يتجلى أصلها في أفق نهايتها[59]. “إنك “تجد قدراتنا على التأويل إنجازها وحدودها: في علامات تنتظر حكايات فردية لبنائها وإعادة بنائها في هويات. قدرات كائن لم تكن لديها القدرة حتى هذا الحين على تهيئة نفسها، وفي غياب تلك القدرة ليس بمقدور أي معنى أن يجتاز عتبة الوجود”[60]. و “بهذه الطريقة أعترف بأن الرموز لا تخدم بناءات لأنظمة فحسب، وإنما تصدر أوامر كذلك، وأننا نولد ونكون ذاتنا تحت أوامرها وسلطتها.”[61]  إن ” الحكاية المروية هنا، كما هو مفهوم، صادرة عن تحول لا يملك منه الراوي والبطل هنا، بسبب هذا التحول نفسه، لا البداية ولا النهاية”[62]. وتعتبر إنجاز المحاكاة جمع بين الإنجاز والقصد: حيث إن العرب تميز بين ثلاثة أنماط بهذا الخصوص: الحاج هو من جمع بين قصد الحج وغنجاز المناسك، والزاج[63]، هو من أنجز المناسك لكنه لم يقصد الحج، والداج [64]هو من حضر الحج لكنه لم ينجز منسكا ولم يقصد حجا. إن الزمن المستعاد هو زمن مقدس، واكتساب الزمن لقدسيته هو نتيجة “اجتثاث الفعل العادي” من عالم العادة إلى عالم القداسة، بسبب أن الفعل العادي قد أسندت له أدوار غير عادية.”[65]. الأماكن التي تجري فيها النسك، هي الفضاء الحقيقي الذي وقعت فيه كل تلك الأحداث، التي تقوم الأفعال بمحاكاتها. ورغم رمزية الأفعال والأزمان، إلا أنه لا يجوز وفق الشريعة ترميز الأماكن، حيث أنه من المجمع عليه قطعا أن الحج لا يكون إلا في أماكنه المحددة. وهنا تطرح مسألة الحقيقة والمجاز: أين ينتهي الرمز وأين يبدأ المرجع؟

إنه “يمكن الوقوف عند لحظة الحكي كزمن احتفالي، والاحتفالية هنا بمفهوم الطقس، أي استعادة الحدث/الزمن من خلال إحياء الطقس بتكراره.” [66]

إن الجسد أجساد ثلاثة: جسد فقهي، وجسد صوفي وجسد فلسفي: فالجسد الفقهي هو الجسد المنضبط، فهو مناط الاستجابة والانضباط. وأما الجسد الصوفي فهو الجسد الفاني، وهو مناط المجاهدة كي يفسح المجال للروح، فهو الكأس، والروح خمرتها. وأما الجسد الفلسف فهو الجسد الواعي، الذي يعتمد حركته واحتكاكه مع العالم الخارجي كي يؤسس وعيه، وهو طريقة تفكير، ومرجع الاستعارات.. وبهذا المعيار سيكون من اليسير علينا أن نستنتج أن، من خلال تعاطي كل من حمودي وشريعتي، أنما حمودي ظل وفيا لموقعه السوسيولوجي، حيث كان باستمرار يعبر عن رغبته في التعرف المباشر عن العالم، كما كان ينزعج كلما أحس بجسد مهددا بالاستلاب، فهو لا يمكل غيره وسيلة للتعرف. أما شريعتي فكان يتماهى مع حالة التفاني الجسدي، ليفتح المجال لمشاعره الروحية كي تطفو دون حواجز. وبذلك نكتشف أن شريعتي ظل يحمل إلى الأخير جسدا صوفيا، في حين كان حمودي يحمل جسدا فلسفيا. يخضع جسد الناسك منذ البداية لعملية تطهير مستمرة، تنفي عنه أي نجاسة مادية أو معنوية، على غرار جل العبادات التي تستلزم هذا الشرط، فالمطلوب ان يتأهل الجسد ليتواصل مع جهة عليا طاهرة.. والتزام الطهارة لإدراك القوة عن طريق التواصل مع جهة عليا طاهرة، هي ما يميز الدين عن السحر، الذي يعمتد النجاسة لإدراك القوة عن طريق الاتصال بجهة سفلى نجسة. وتلك مقابلة طالما عاجلها علماء الاجتماع الديني. ويتحول الجسد في حالة معينة إلى نوع من القربان، ببذل جهده الاقصى للقيام بالنسك، وهو قربان ذاتي غير دموي، إيجابي احيان وسلبي أحيانا أخرى. “فممارسة العالم هي ممارسة الجسد. لا شيء يفلت من إحداثياته”[67]. ” إن أشكالا من النشاطات الجديدة وكذا تحولات اللباس تجعل الرجال والنساء على اتصال في كل لحظة. اتصال لم تتعلم مجتمعاتنا بعد تطقيسه، أي جعله مألوفا.”[68] . “هذا التشكيل لجسد مقدس في جسد سياسي هو بالتأكيد ظاهرة قديمة…. الهويات الجسدية.”[69] . “وهكذا فالجسد الذي يدل بدخوله في الإحرام على قطيعة مع الحياة المعتادة، ويحرس حدوده برفضه للدنس مع الاحترام الصارم للمحرمات …. هذا الجسد نفسه يتجلى صورة ورهانا في تحيدي العلاقات بين المسلمين، وبين هؤلاء جميعا (الغربيين) … هذا التشكيل لجسد مقدس في جسد سياسي هو بالتأكيد ظاهرة قديمة.. لم تعد الصدارة بتاتا لاختلاف القائد والممارسات الدينية كما كان في القديم، … إن خط التحصين الذي يفصل الخنادق هو خط الفصل بين الجنسين.”[70].

وتنقسم أزمان النسك إلى قسمين: نسك مقيدة بأزمان، ونسك واسعة الآجال. ويندرج تحت النوع الأول منها: الوقوف بعرفات والمبيت بمزدلفة وتقديم الهدي والمكوث بمنى ورمي الجمرات.

ويندرج تحت النوع الثاني: الطواف والسعي. وبالنظر إلى رمزية الأزمان يمكن أن نخلص مباشرة إلى أن ممارسة النسك خلال الأزمان المقيدة إنما هو من باب الرمزية المقيدة، والتي قد تفيد وقد لا تفيد محاكاة زمنية لنزول آدم إلى الأرض يوم التاسع من ذي الحجة مثلا.

وبذلك نكون أمام ترتيبين زمنيين مختلفين: ترتيب الأحداث وترتيب النسك: فحسب ترتيب الأحداث: نجد الوقوف فالسعي فالطواف فالرجم فالهدي. وأما ترتيب النسك، فنجد: الوقوف فالهدي فالرجم فالطواف فالسعي. فهل تكون الضرورة البيداغوجية هي العلة التي تقف وراء إعادة ترتيب النسك مخالفة لترتيب الأحداث كما حصلت في التاريخ؟

وهذه الترسيمية توضح تلك المنظومة المترابطة التي بنيت عليه شعيرة الحج:

1-مستوى الإسناد

2-مستوى الاستدعاء

3-مستوى إعادة الإنتاج

المبحث الثاني: شعيرة الحج تحقيقا مجربا باعتبارها تجليا نوعيا:

نستعرض هنا تجربة الحج معتمدًا على تجارب وتصورات علي شريعتي وعبد الله حمودي. وذلك بتناول الفروقات والتقابلات بين تجربة كل منهما وكيفية تناولهما لشعيرة الحج، من خلال تحليل جوانب متعددة من النسك والتجارب الروحية.

تجمع شعيرة الحج بين الأبعاد الروحية والاجتماعية والثقافية، حيث تجسد تجربة فريدة يتشارك فيها المسلمون من جميع أنحاء العالم. فالحج ليس مجرد مجموعة من الطقوس الدينية، بل هو رحلة روحانية تتداخل فيها المشاعر الفردية مع القيم الجماعية، مما يجعله موضعًا غنيًا للتحليل والدراسة من مختلف الزوايا. في هذا المبحث، نسلط الضوء على “شعيرة الحج تحقيقًا مجربًا باعتبارها تجليًا نوعيًا”، مستندين إلى تجارب وتحليلات اثنين من أبرز المفكرين المعاصرين، علي شريعتي وعبد الله حمودي. يقدم كل منهما منظورًا فريدًا لتجربة الحج، يتجاوز الأبعاد التقليدية ليغوص في أعماق التجربة الشخصية والروحية.

1. تقابلات ومفارقات تجربتي شريعتي/ حمودي:

منذ البداية، تتجلى المفارقات بين العالمين الاجتماعيين، كانت أكثرها تأثير على طبيعة تناول كل منهما لتجربة الحج، تلك المتعلقة بالعلاقة بين الهوية المهنية الأصلية لكل منهما، كباحثين سوسيولوجيين، وبين تجربتهما التي يعيشانها كعابدين متنسكين.

من خلال دراسة تقابلات ومفارقات تجربتي شريعتي وحمودي، نسعى إلى مقاربة تجربة الحج، ليس فقط كفعل ديني، بل كتجلي نوعي يجمع بين الرمزية العميقة والتجارب الشخصية الفريدة. نستعرض في هذا السياق كيف يمكن لتجربة الحج أن تكون مصدر إلهام وفهم أعمق للقيم الدينية والروحية، مما يعزز من قيمة هذه الشعيرة في الوجدان الإسلامي.

ففي الوقت الذي لم يطرح هذا الموضوع أدنى تناقض بالنسبة لشريعتي، فقد شكل بالنسبة لحمودي هاجسا حقيقيا، رافقه منذ لحظة تفكيره في الدخول في تجربة الحج إلى ما بعدها، فعبر عنها بقولة تختزل كل ذلك: ” إن الحقيقة الأنتروبولوجية للحج قد زحزحتها إلى الخلف… (لتتراجع) إلى مستوى ثان، ما عادت لي القوة لأجعل منها هدفي الوحيد.” [71]

أما شريعتي فقد كان قلقه يتجه إلى جهة أخرى، حيث كان يجهد نفسه للبحث عن المعاني الكامنة وراء كل كبيرة وصغير لكل مراحل شعيرة الحج، إلى أن عبر عن عجزه عن الإحاطة بتلك الدلالات بقوله:” لماذا أحاول أن أحدد ما لم يحدده مدبر العرض. “[72]

من جهة ثانية، كان من الصعوبة بما كان، وضع مقابلة تقنية للمقارنة بين رصد كل من علي شريعتي وعبد الله حمودي… فقد نحا كل منهما اتجاها خاصا به، وغالبا ما كان يقف كل منهما في موقع مغاير للآخر. وكأني بهما قد أبرما بينهما اتفاقا ضمنيا لتوزيع الادوار، فعمل الأخير على رصد المشاعر الداخلية، في حين رصد الثاني السلوكات الشكلية.

وحين كان شريعتي يأخذ القارئ من نسيكة إلى آخرى، ويحرص على أن يجعله يتذوق معه وجدانيا كل لحظة بطعمها الخاص، ويثير قضايا التحرر والاختيار والعدل والسعادة..  كان حمودي يتوسع عبر الاقتناصات السوسيولوجية والإبستمولوجية، موزعا مجموعة من المواضيع على نسك مختلفة، تتكرر هنا وهناك. حيث يجعلك تحس بقدر كبير من التماهي بين النسك. وقد حرص حمودي، في الوقت ذاته، على أن يوصل للقارئ حجم الاختراق الذي تخترقه قضايا كبرى لكل الممارسة الدينية: فقد كان موضوع العقلية الماضوية حاضرا، بتناقضاتها وإحراجاتها أمام مظاهر الحداثة… كما كان الحديث عن المذهبية الوهابية، بنزوعاتها نحو التسلط ومحاولة بسط قراءتها الخاصة على الجو العام لكل مراحل الحج. إضافة إلى فرض الفروق بين الجنسين، وتغول الحداثي على حساب المظاهر الدينية، إلى درجة تمتص فيه الأولى نكهة الثانية، وتناقضات السلوك اليومي مع المقاصد الكبرى للشعيرة.

أخيرا هناك تقابل ثالث بين حمودي وشريعتي، يتجلى في الموقف المبدئي من شعيرة الحج نفسها:

يعترف عبد الله بما يسميها “المسافة التي لديه مع المدلول الأخروي للحج”[73]، ثم يذهب علي بعيدا، حيث يرفض أن يعتبر الحج مجرد عملية تحرك للوصول إلى نقطة ما، أي مجرد “سفر مقدس”، كما يرفض تبعا لذلك الترجمة اللاتينية للحج: “”Peregrinus [74].

كل ذلك التقابل، لا يمنع من وجود لحظات تطابق، مما سيجعل التجربتين يكمل بعضهما الآخر، بشكل فريد.

– تنسكات شريعتي حمودي:

سنحاول هنا مقاربة الكيفية التي عاش بها كل من علي شريعتي وعبد الله حمودي تجربة الحج من منظور شخصي وروحي. تختلف تجربتا شريعتي وحمودي في الحج، ليس فقط بسبب خلفياتهما الثقافية والدينية المختلفة، ولكن أيضًا بسبب المنهج الذي اتبعه كل منهما في مقاربة هذه التجربة الروحية: إذ يتناول شريعتي الحج من زاوية ذاتية وجدانية، مستغرقًا في البحث عن المعاني الروحية والرمزية لكل مرحلة من مراحل الحج. ينصب اهتمام شريعتي على القيم الروحية والتحررية للشعيرة، محاولًا فهم العمق الداخلي للنسك وكيف يمكن أن تنعكس هذه التجربة على الحياة الفردية والجماعية للمسلمين. وفي المقابل، نجد حمودي يتعامل مع تجربة الحج بمزيج من التناقضات الداخلية والانتقادات الإبستمولوجية. حيث نلاحظ أنه يعاني من التجاذب، بين دوره كباحث علمي، وتجربته كعابد نسكي، مما يجعله ينظر إلى الحج من منظور نقدي، محاولًا تحليل الجوانب الاجتماعية والسياسية التي تؤثر على ممارسة الحج.

وتهدف تلك المقارنة، للكشف عن كيف يمكن لنفس الشعيرة، أن تُعاش وتُفسر بطرق مختلفة بناءً على الخلفيات الثقافية والفكرية والشخصية للأفراد، مما يضفي عمقًا أكبر على فهمنا لشعيرة الحج وتجلياتها النوعية. وفيما يلي تفصيل تلك التنسكات:

1. الإحرام تحولا:

يرتبط الإحرام [75] للحج بالانطلاق من موقع الميقات[76]. وهو المدخل المكاني الذي على الحاج الانطلاق منه قبل الدخول في منطقة الحرم المحددة جغرافيا بكل دقة[77]. وبعكس فضاءات النسك الأخرى، فأماكن المواقيت[78] ليس لها أي قدسية خاصة، وإنما تمثل موقعا للتحضير والإعداد.

 لذلك لا يحمل المكان هنا أي امتياز رمزي خاص في حد ذاته، حيث لا تشير النصوص التشريعية إلى كونه كان مسرحا لأي نموذج من النماذج التي يراد محاكاتها.

 إضافة إلى ذلك، ففعل التجرد من الإحرام، والالتزام بلباس محدد، لا يرمز إلى أي فعل خاص يراد به محاكاته. غير أن رمزياته الذاتية غنية ومكثفة، كما سيأتي.

إذن نحن أمام ظرف مكاني (الميقات) وفعل تعبدي (الإحرام) لا يحمل أي منهما، أيا من الإحالات الرمزية الخارجية، باستثناء ما يحمله كل منهما من رمزيات ذاتية.

وذلك بالضبط ما يرصده شريعتي وحمودي، كل من جهته، عبر التدقيق في مجموعة من المعاني المشتركة أو المتقاربة، تتجلى فيما يلي:

تعتبر لحظة الإحرام استعداد للدخول في الزمن القبلي [79]، لأن المُحرِم يكون بصدد الاستعداد لمحاكاة سلوكات قام بها أشخاص مضوا. هي أيضا لحظة لتيقظ الحس من أجل تحديد القصد، استعدادا للنمو بشكل مختلف[80]. هذا النمو لا يتم إلا عبر عملية تحول[81]، سيكون الجسد مجاله الأساس[82]، حيث سيتعرض لعمليتن اثنتين:

أولاهما: تخليص الجسد من اللباس، الذي لم يكن يلبسه، في حقيقة الأمر، وإنما كان هو الذي يغطيه[83]، والذي كان يحد تقاسيمه (المخيط والمحيط) ويسمح له بممارسة تمايزه عن الآخر[84].

ثانيهما: تعطيل نشاطات الجسد الثقافية، والمرتبطة بالقوة الإنتاجية (المجانسة، التبايع، التعاقد..) والقوة التدميرية (الصيد، القتل..)[85] والحلية الجمالية (التعطر، التقليم، التحليق..).. ليعاد تأسيسه من جديد وفق أصله الأول[86]. ولتتجلى حينها لحظة بينية تتداخل فيها مشاعر الحياة بمشاعر الموت[87].

سيتمكن المحرم بعد ذلك كله من الخروج من قوقعة الأنا إلى آفاق ال”نحن”[88]. ذلك ال”نحن”، الذي يتراجع من الكل العام (الناس) إلى الكل الخاص (الحجيج)، لتصبح “جموع الحجيج” كتلة منسجمة في ذاتها متمايزة عن غيرها[89].

لم تكن تجربة التجرد من اللباس المعتاد، والتكسي بلباس أشبه بالكفن، لتمُرّ هكذا بالنسبة لحمودي، فقد عبّر عن نوع من القلق ينتابه، بقوله: “جسدي المحروم من تقاطيعه المعتادة، قد يُمتص جزءا فجزءا أو يذوب في نوع من اجتذاب نحو المسجد الحرام له. القلق يتزايد حدة[90].”

هذا الشعور مرتبط بالنسبة إليه بسؤال الموت وما بعده، حيث سيعبر خلال لحظات معينة ضمن حجه عن غبطه للموتى الذين تخطوا تلك العتبة وتلقوا الجواب كاملا[91].

في ذات الوقت، كان يعبر أيضا عن قلقه، من ذاك “التحول” الذي يتسرب، دون استئذانه، إلى كيانه شيئا فشيئا. وهو في كل ذلك يستعد للانتقال من حالة الانفصال (منطقة الحل، حيث المقام النبوي) إلى حالة الاتصال بمقصد قادم (منطقة الحرم، حيث الحرم المكي). لذلك لم يتردد عن التعبير عن عاطفة مزدوجة: الحنين إلى مدينة الرسول مع الرغبة في الاتحاد مع مدينة الكعبة: “عاطفة قاهرة، لا سلطان لك عليها. البكاء من الحنين، هو الاحتراق برغبة العودة، لكن البكاء (كان) من رغبة الوصل بالكعبة.”[92]

وهو بذلك يلتقي بما عبر عنه شريعتي في ذات اللحظة، إذ يقول: “ازداد خفقان قلبك، وأجشت عاطفتك، وتزلزلت أركانك… من هول هذا الموقف” [93].

لم يفت حمودي وهو يشرع في التلبية بعد الإحرام، ويتحسس معانيها التجردية، أن يوجه نقد لاذعا لمستشرق أمريكي، احتفظ بذكر اسمه، والذي ترجم معاني التلبية بكونها تحمل معاني عسكرية تدميرية[94].

2. الوقوف إضمارا:

التدشين الحقيقي لشعيرة الحج تبدأ بنسيكة الوقوف بعرفة، حيث يكون الحاج قد تأهل بكل الاشتراطات المادية والمعنوية. ويعتبر الالتزام بالحضور فيه، آخر فرصة للحاج كي ينخرط ضمن الشعيرة.

زمانيا يعتبر التاسع من ذي الحجة هو موعد الوقوف بجبل عرفة. غير أن هذا الزمن لا يحيل على حدث مرجعي يراد استلهامه. وباستثناء الوقوف بعرفة، فلا تحمل نسك غيرها هذه الصرامة الزمانية. إذن فهي نسيكة محورية من الدرجة الأولى.

لا تخرج الرمزية المكانية هي الأخرى عن هذا الإطار، بالرغم من العنت الاجتهادي الذي بُذل سابقا ولاحقا في سبيل إيجاد مستند مرجعي لهذا المكان.

جغرافيا، يقع جبل عرفة (أو عرفات أو الرحمة[95])، خارج منطقة الحرم، ويبعد عن مكة شرقا بنحو 22 كيومتر، وعن منى ب 10 كيلومترات، وعن مزدلفة ب 6 كيلومترات. فهو أقصى نقطة للنسك كلها. ويتميز عن بقية مواقع النسك الأخرى كونه يقع خارج منطقة الحرم المكي.

هذا كل ما يمكن الاتفاق حوله. وما عداه مجرد مرويات ظنية[96].

عادة حين يحدث إبهام رمزي مرجعي ما، يحيله الفقهاء على “العلة التعبدية”. وكأن العبادات الحاملة لرمزياتها تخرج عن هذا الإطار.

في سبيل استكشاف ذلك الإبهام الرمزي لهذا المكان، لم يتجاوز كل من شريعتي وحمودي تلك المقولات المتداولة، والتي يرجع بعضها إلى حدث هبوط آدم وحواء نحو الأرض[97]. وهناك من ذهب إلى اعتبارها الموقف الذي خاطب فيه الله ذرية آدم جميعا وهم في أصلاب آبائهم[98]، فأشهدهم على أنفسهم[99].. كما لجأ كل منهما، أي الباحثان، إلى ظاهرة الاشتقاق اللغوي، لعلها تُسعف في ملء الفراغ الحاصل في الرمزية، اعتمادا على العلاقة بالجذر اللغوي: ” ع ر ف”، والذي تتشكل منه مصادر “المعرفة” و”التعارف” و “العرفان” و “الاعتراف” وغيرها…

لا يمكن تفسير ذلك الاستطراد الواسع الذي مارسه الكاتبان كلاهما، أثناء الحديث عن هذه النسيكة بالذات، إلا باستشعارهما حرج الإبهام الرمزي، والذي تجلى في العجز عن اعتماد رمزية للزمكان العرفاتي.

لحسن الحظ، فإن كل ذاك الفراغ، سيجد استعاضة له في رمزية الأفعال الممارسة حين ذاك: فمشهد الاحتشاد الجمعي على صعيد واحد، مع التوجه التلقائي نحو جبل الرحمة، حيث تغدو قبلة مشاعرية. لأجل إنجاز هدف واحد، وهو التفرغ الكلي طيلة اليوم لتحقيق الصلة مع الله تعالى، شكرا واستغفارا وطلبا وصلاة… كل تلك الأفعال، في حقيقة الأمر، هي ما يمثل الرمزية المادية لنسيكة الوقوف بعرفة.

يوصف الوقوف بعرفة بالبساطة المطلقة، بساطةٍ تسمح لكمٍّ مفتوح من الدلالات بالتكاثف والتكثيف. إنها لحظة توقف بين ما كان من “قبل” وما سيأتي من “بعد”: هي عملية إضمار [100] للمسافة الفاصلة بين موقف الإشهاد الرباني لسائر البشرية يوم كانت غيبا، وموقف احتشادها الميداني يوم الحساب. وبينهما ذاك التعلق الموصول بالمصدر الأوحد لهذا الوجود. هو إذن، فعل واحد ذو رمزية مزدوجة.

 هكذا وبكل بساطة، تختصر هذه النسيكة تعقيدات وجود الإنسان ووظيفته. مجيبا عن الأسئلة الوجودية الثلاثية، والتي شغلت فلسفات البشرية منذ الأزل: من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟

3. الرمي جمرا:

استعدادا لتنفيذ واجب الرمي، هناك واجب تمهيدي يسبقه: المبيت بمزدلفة، يجمع فيه الناسك حصياته السبعين، ويأخذ قسطا من الراحة في انتظار الفجر.

رمي الجمرات يعتبر واجبا من واجبات الحج، وليس ركنا له. من أجله يقيم الحاج في منى يومين وجوبا، ويوما جوازا. تصادف تلك الأيام العاشر إلى الثالث عشر من ذي الحجة.

هنا أيضا لا مرجعية رمزية لهذه الأيام. باستثناء المسافة الزمنية التي تفصله عن زمن الفعل المحاكى: فلقد مضت 43 قرنا على مرور إسماعيل من هناك، محاولا تلافي إغواء الشيطان ليمتنع عن تنفيذ مراد الله. تلك المسافة الزمانية الواسعة، هي ما يعطي لفعل المحاكاة تلك قوتها النابعة من قوة تحدي آفة النسيان وعوامل الإهمال.

وموقع منى هو عبارة عن وادي تحيط به الجبال، شرق مكة، وتعتبر أقرب نسيكة للحرم المكي، بنحو 6 كيلومترات. يحدها من الشمال الغربي جمرة العقبة. وهي النقطة الأعلى التي يبلغها الناسك هناك، لأداء هذا الواجب.

يتميز المكان هنا برمزية أوضح: فخلال وادي منى، تفادى إسماعيل الشيطان ثلاث مرات، وخلال نفس البطاح، تمدد مستسلما لأمر الله أباه بذبحه.

لا بناء جائز هناك، إذ يوحي للناسك أن المكان مجرد معبر يقوم فيه بمهمة محددة، كي يمضي بعدها إلى حال سبيله.

 هذه المهمة التي تبدو واضحة لشريعتي من خلال ممارسة نسيكة رمي الجمرات.

بالنسبة له، فإن تلك السواري الثلاثة المنتصبة، وذلك الفعل الذي يمارسه الناسك هناك، إنما هو تجسيد لضرورة تخلص الإنسان من شرنقة مستديرة للشر ثلاثية الأضلاع: السلطة والثروة والنفاق، حيث تعمل السلطة على مراكمة الثروة، وتعمل الثروة على دعم النفاق، ويعمل النفاق على المحافظة على السلطة. ثلاثية يشخصها في تعاضد ثلاث شخصيات عبر التاريخ: قارون وفرعون وبلعم. كل منهم يخدم الآخر ليكمل دائرة الشر المستدام على مر التاريخ إلى اليوم[101].

ولسبب ما نجد في التاريخ، ثلاثيات متعددة حسب الملل والنحل، كلها تصب، بشكل مباشر أو غير مباشر في ثلاثيات سلبية[102].

في مقابل ذلك، يسجل حمودي قدرا من التفاوت بين الصراع اليومي مع الشر، والصراع المكلل بالنجاح الذي حاز عليه في منى[103].

نحن هنا أمام رمزيات متعددة: هناك الحصى الذي يسمى الجمرة، وهناك الرمي الذي يسمى الرجم. وهو ما أشار إليه حمودي [104]، ولو أنه قد وقف عند “أن تفعل مثل” على سبيل التضامن.

وإذا كان شريعتي قد تناول رمزية السواري الثلاث، فإن هناك رمزيات عددية أخرى مفتوحة على التأويل: الجمرات السبعين، ترمى عبر عشر جولات.

لكننا حين نتأمل الرمزيات الفعلية هنا، نجد أنه يتعدى المستوى المجازي، ليتحول، في الاعتقاد الجازم للناسك، إلى “فعل تحولي” حقيقي، يخترق، عبر ممر برزخي، عالم الشهادة ليبلغ عالم الغيب: حيث تتحول “الحصاة”، بعد إطلاق الناسك لها، وقبل لمسها السارية، إلى “جمرة” نارية، تصيب رمز الشر المطلق، الشيطان، فتحرقه إحراقا ماديا. وبذلك يصبح الرمي “رجما”، لا من باب الاستعارة، ولكن من باب الحقيقة الفعلية. حيث تصبح الإحالة المجازية تحققا فعليا.

هذه هي النسيكة الوحيدة التي تبلغ هذا المستوى من التماهي بين الغيب والشهادة. ولربما لذات السبب، كانت أكثر النسك استحواذا على الزمن النسكي، ليتشرب الحاج، على مهل، هذه الحقيقة الوجودية البالغة،التي من شأنها أن تنعكس عليه بالشعور العميق بالرضى، هذا الشعور الذي أقر به حمودي دون أن يتوصل إلى حقيقة أسبابه[105].

4. الهدي فداء:

معياريا، لا يعتبر الهدي ركنا من أركان الحج، كما هو الحال بالنسبة للإحرام والوقوف والطواف والسعي[106]، غير أنه يعتبر من أكثر النسك غنى بالدلالات.

هنا أيضا يجد الناسك نفسه دون رمزية زمانية محددة، باستثناء أن ما سيقوم به. قد يكون موافقا لذات الزمان الذي رام فيه إبراهيم تنفيذ أمر ربه بذبح إسماعيل، مع أن لا نصوص مرجعية تدل على ذلك.

أما من الناحية الرمزية الفعلية، يصنف الهدي أنتروبولوجيا، ضمن الأضحية القربانية الدامية الموضوعية الإيجابية[107].

لهذه النسيكة تفرد رمزي خاص: فأصلها محاكاة لفعل إبراهيم الذي كان مستعدا لذبح إسماعيل، لكن الله منحه الجائزة قبيل أن ينفذ الفعل، مجازاة له على هذا الاستعداد للبذل والتضحية. وحين منحه الهدي، وقام إبراهيم بذبح الكبش، إنما كان يحاكي لحظتها ما كان سيقوم به في الأصل: ذبح إسماعيل، ولكننا أصبحنا الآن أمام صورة أخرى: الكبش بدل لإسماعيل. إذن فنحن حين نحاكي إبراهيم بذبح الهدي، إنما نحاكي محاكاة إبراهيم للفعل الأول الذي أُمر به. فذبيحتنا هيرمز لكبش إبراهيم، وكبش إبراهيم هو رمز لإسماعيل.

والنسيكة بهذا المعنى إذن تحمل “رمزية مركبة”. ربما لأنه كان من المؤلم أن نحاكي أباً يذبح ابنه ولو بدافع الاستجابة لأمر رباني. ومع ذلك، فقد شكلت هذه الرمزية في حدتها “المتحكم فيها”، موضوع تقاطب حاد بين حمودي وشريعتي كما لم يتقاطبا من قبل:فشريعتي يرى في الهدي ثلاث دلالات ذات عمق خاص:

حيث تكمن الدلالة الأولى في تراتبية نسيكة النحر بعد نسيكة الرجم: فالرجم بما هو دافع للشعور بالانتصار على معاني الشر، فهو لا يمنح وقتا للاحتفال به: فلا يلائم النصر، في العقلانية المؤمنة، إلا إظهار معاني الفداء، المتجلي في نحر الهدي، والذي من شانه أن يحافظ على قيم الانتصار. في حين قد يعرض الاحتفاء بالنصر للضياع[108]. من جهة أخرى يتأتي فعل فداء ذاك، ليقوم بدور التطهير الداخلي الاحترازي للنفس المنتصرة، فلا تتسلل إليها العوامل الخفية للهزيمة، بعد أن حققت مظاهر النصر ا لظاهرية[109]. بمعنى من المعاني يتوافق حمودي هنا مع شريعتي، إذ يشير إلى ديمومة الصراع مع ما يسميه الانا الذي يسوق الشر[110].

أما الدلالة الثانية، فتتجلى في “استحقاق الاختبار”، حيث يأتي لتمحيص أغوار النفس وتخليصها من شوائب النزعات المهددة لخلوص التوحيد. فحب إبراهيم لابنه إسماعيل كان موضوع هذا الاختبار حينما وصل هذا الحب إلى درجة ربما هددت سُلّمية العواطف المشروعة. وهو أمر غير مقبول في مقام الانبياء، وفي ذلك تكمن “نسبية الاخلاق” في هذا الدين، حسب شريعتي، في مقابل مفهوم نسبيتها في الفلسفات الأخرى[111]. إن هدف هذا الاستحقاق هو إعادة ضبط مشاعر النفس النبوية كي لا تضطرب لديها الأولويات ولو عن طريق المشاعر الدفينة. لأن تلك المشاعر الدفينة ستظهر جليا أثناء تعارض قيمة العدل مع مصالح الحياة[112]. السابق.

سيقوم شريعتي بإسقاط ذلك الاختبار على كافة البشر، ليؤكد أن “لكل منا إسماعيله”: فالموقع واللقب والمهنة والمال والبيت والمزرعة … كلها “إسماعيلات[113]“.

ووسيلة تنفيذ الاختبار، هي الدفع بموضوع الاختبار إلى أقصاه، وذلك بالوقوف على ضرورة الاختيار بين الحق والحب[114]، بين الحقيقة والمصلحة.

وأخيرا هناك الدلالة الثالثة، وهو المرتبط بعلاقة ما أسماه “ربط مطلق الحرية بمطلق التسليم”: فإبراهيم كان من قبل قد تعرض لاختبار الاستشهاد، حين ألقي في النار، لكنه أبدا لم يعانِ كما عانى بعد تلقيه أمر التضحية بابنه. ذلك أن الاستشهاد، لهو أخف وطأً من التضحية[115]. والسر يكمن في أن الشهيد ينتظر الجزاء على استشهاده مباشرة، في حين، على المضحي أن ينتظر الجزاء، لفترة قد تقصر وقد تطول. وهو ما يمثل المعنى الثاني. كما أن التضحية بالنفس، حسب ما ظهر، تبدو أيسر من التضحية بما تحبه النفس. ومعاناته تلك كانت تدل على أنه لم يبلغ بعد “مطلق التسليم” ليتمتع ب “مطلق الحرية”، فجاء الأمر القاسي ليحرره[116].

لذلك، حين يضيق الخيار أمام موضوع الاختبار، غالبا ما يُلجأ إلى محاولة إيجاد مخرج، إما عن طريق التأويل الخاطئ، أو عن طريق إخفاء جزء من الحقيقة، وذلك كله بهدف التهرب من الواجب[117]. وهو ما لم يفعله إبراهيم.

في مقابل ذلك، نجد حمودي قد نحا نحوا مختلفا تماما، إذ أذهله [118] ذلك الحجم من “العنف” و”التدمير”، الذي اعتبر ممارسته خلال فترة التنسك تلك، تنتهك ما تم القبول به من قبل[119]، حيث تخلى الحاج لحظة الإحرام عن كل طاقة تدميرية لجسده، كما أنه قد نظر إليه، من جهة أخرى، باعتباره متناقضا مع صورة الأب المتوحد[120].

 لذلك لم يستوعب حمودي كيف أن خلاص هذا الحشد الهائل من الحجاج متوقف على تدمير ذاك الحشد الهائل من الحيوانات[121].

منذ بداية كتابه، كان حمودي يعلن صراحة نبذه للعنف انطلاقا من موقفه من خطابات الموجِّهين الدينيين، إلى الأفعال التي يمارسها الحجاج تجاه بعضهم بعضا.

حتى عند قراءته للقرآن، كان يتفادى السور التي تحمل قدرا من التهديد، وينتقي في مقابل ذلك السور التي تصف الله نورا محيطا بالكون، لا غضب يصدر عنه ولا عقاب[122].

ولسبب ما، قد أُلحق واجب الحلق أو التقصير بواجب النحر. وكأنه عبارة عن عملية “إعادة إلجام” للطاقة التدميرية التي أزعجت حمودي، لتعيد للكيان الناسك طبيعته الاستسلامية التي فتنت شريعتي.

ونظرا لوجود هذا القدر من التقابل بين شريعتي وحمودي، بخصوص الموقف من هذه النسيكة بالذات، نجد أنه من المفيد، الوقوف قليلا على حيثيات الموقفين.

وقد نجد مبررا سريعا للتك المفارقة بينهما، من خلال السياق التاريخي الذي يحكم كلا منهما: فشريعتي حكمه سياق الاستعمار والرغبة في الانعتاق. فيحين حكم حمودي سياق ممارسة العنف باسم المقدس والرغبة في نسف هذه الانحراف.

لأجل ذلك، قد يكون ملائما استعارة مفاهيم كل من جورج لايكوف [123]ومارك جونسون[124]، كي تسعفنا في محاولة تحليل هذا التقابل الحاد بين هذين الباحثين:

لم يكن لكل من حمودي وشريعتي أن ينسجما في الموقف من التعاطي مع موضع الهدي: فبالرغم من كونهما ينتميان إلى نفس “الثقافة الأساسية المهيمنة”، وهي المؤسَّسة على قيم دين الإسلام، إلا أن لكل منهما “ثقافتة الفرعية” الخاصة به، المنسجمة مع “بنيتها الاستعارية”، والمرتبطة ب “قيمها ذات الاسبقية”[125].

بمعنى آخر، فكون شريعتي له انتماء إلى الثقافة “الشيعية الثورية”، كثقافة فرعية، فإنه من الطبيعي أن تكون قيم “الشهادة والفداء” لها الأسبقية على غيرها من القيم، وبالتالي، أن يفرز بنية استعارية معتمدة على “التضحية والمجاهدة”. وبذلك لن يرى في نسيكة الهدي إلا ممارسة مجسدة ل “لانتصار على قيود المصلحة والنزعات الدنيوية”.

أما كون حمودي ينتمي إلى ثقافة “سنية ليبرالية”، كثقافة فرعية، فإنه من الطبيعي، بالنسبة له أيضا، أن تكون قيمة “التشبث بالحياة” لها الأسبقية على غيرها من القيم، وبالتالي، أن يفرز بنية استعارية معتمدة على “السلم والمسالمة”. وبذلك لن يرى في نسيكة الهدي إلا ممارسة “مغرقة في العنف”.

5. الطواف تمحورا:

لحظة بلوغ الكعبة، من أكثر اللحظات انطباعا في مشاعر الناسك، مشاعر مزدوجة تتراوح بين الرهبة البالغة والدهشة المثيرة: رهبة الوصول إلى النبع الأول، ودهشة الإحالة على شيء آخر. وصول يستحث الناسك لتدشين بداية جديدة، ولا يشعره أبدا، بإدراك أي نهاية. على عكس ما كان ينتظر.

“هل هذا كل ما هنالك؟ “[126] ،  قالها شريعتي حين تأمل الكعبة.

حقا، فالكعبة بسيطة بساطة المرآة التي لا ترغب في أن يقع الرائي في الافتتان بها، بقدر ما تريد أن تعكس له، بكل تجرد، نصاعة الصورة/الحقيقة التي تنطع عليها. فالكعبة لا تجسد حقيقةً ما، لكنها تحيل عليها. ذلك أن الإسلام، بما هو دين توحيدي، قد نابذ المغالاة في تجسيد المعاني، لأنها تقزمها وتختزل آفاقها. لا زخرف ولا تنميق، مجرد حجارة قُدّت من جبلي أبي قبيس وقعيقعان المطلين عليها[127] . حتى الكساء عليها بالكاد يخرج عن المعتاد. هي “دعوة للبحث عن حقيقة ما تشير إليه”[128] . توقُّف الناسك عن التلبية، بمجرد رؤية الكعبة، هو علامة الوصول إلى المقصد[129] . وإتمامه الصلاة، دلالة على أنه ينتمي إليها، وأنها وطن له [130].  بما يعني أن دخوله دائرة الحرم، هو خروج من حيز الغربة الذي كان فيه[131]، إلى فضاء الألفة الذي يعيشه الآن.

هي المحور بلا منازع، ليس بفعل تلك الحركة الدائمة للطائفين حولها فقط، بل حتى بظاهرة المتوقفين المتأملين، ظاهرة أثارت انتباه حمودي[132]  الذي كان، بامتياز، أحد هؤلاء[133].  بل إنه من خلال هذا التأمل، بدأ يستشعر المقاصد الخفية لكل الشعيرة. استشعار، عبر عنه مرة بالدموع، وأخرى بارتجاف بدني أصابه[134]… ظاهرة ثانية أحسها من خلال تأمل حركة الطواف، إنها ما أسماه “القوة القهرية الهادئة”. وكأنه يتساءل: لأي هدف هي مستعدة له هذه الحشود المتحركة الساكنة: البناء أو التدمير؟ الخير أو الشر[135]؟

ظاهرة أخرى أثارت انتباه حمودي، وجعلته يتشبث بهذه النسيكة بشكل خاص: إنها “الفرادة ضمن التعدد”: يطوف الناسك ضمن تلك الحشود من الطائفين، لكن أحدا لا يعير اهتماما لما يقوم به الآخر، لكل عالمه الخاص ضمن عالم مشترك[136]. الكل يخاطب نفس المخاطب، وكأنه يخاطبه وحده. الكل يرفع صوته، وكأنه جهر مهموس. إنه تجاور غريب بين ثنائيات تبدو متناقضة: التفرد/التعدد، والخصوصية /الاشتراك، والجهر/الهمس.

بعد ” استفاقته” من دهشته الأولى، يبدأ شريعتي في استنتاج الدلالات من كل ذلك: يتجلى المعنى الأول لديه في رمزية الاتجاه، فالكعبة لا تشير إلى أي جهة، إذ هي الجهة ذاتها. ولا تضم داخلها أي موضوع، إذ هي الموضوع نفسه[137].

وبعد “تحديد الاتجاه” يأتي هدف “تحديد الاختيار”، وهي الدلالة الثانية بالنسبة لشريعتي، حيث تمثل الانطلاقة [138]من خط الحجر الأسود، رمزية مزدوجة تتجلى في التحرر من الولاءات السابقة[139]، والشروع في تأسيس ولاء جديد[140]. يعبر الناسك عن تثبيت ذلك الولاء بحركة الطواف، والطواف تثبيت لمحور ما هو متحول. وبذلك يدخل الناسك في نسق الانسجام الكلي مع حركة الكون كله[141]. محققا بذلك، التطابق بين ثنائيات سيميائية متجانسة، تمثل الكعبة أحد طرفيها، فيما يمثل الناسك طرفها الثاني [142]، وهي:

المكعب/الدائرة، المركز/ الهامش، الخلق/الأمر، الدعوة/الاستجابة، الثبات /التحول، السكون/الحركة، القبلة/التوجه، الهدف/الوسيلة، الديمومة/الزوال.

وأخيرا، تأتي الدلالة الثالثة لدى شريعتي، وهي ما شكل مقصدا مركزية لشعيرة الحج بالنسبة إليه، إنها “رمزيات التحرر” التي صادفها في جل النسك: فببنائه الكعبة، استكمل إبراهيم دورته التحررية، من صانع للتماثيل في معبد الشرك، إلى مقيم لبيت التوحيد[143]. وهو في هذا السياق يثير مسألة ملكية أرض الحرم، كونها خارج أي سلطة، لتبقى ممثلة لأرض التحرر[144]. هذا التحرر الذي يؤهل الناسك لحمل أمانته المقترنة بوظيفته فوق الأرض[145]. بأن يجعل حالة أرض الحرم تمتد على كل البسيطة، تحقيقا لمقصد استقدامه إليها، وتمثلا كاملا للنموذج الذي يحاكيه في الطواف: إبراهيم[146].

6. السعي تكاملا:

السعي أخر نسيكة من شعيرة الحج، تأتي ردفا لنسيكة الطواف، إذ بينهما تلازمُ ما بين المادي والروحي، وقد عدّد شريعتي بينهما أحد عشر تقابلا، إذ اعتبر الطواف إعلاء من روحانيات الإنسان، لتحقيق ارتباطه بالآخرة، والسعي شحذ لهمته المادية، لتحصيل متطلبات الدنيا[147]. لذلك كان تسليم هاجر لله، والذي يتحصل للناسك بعد الطواف، هو ما منحها طاقة السعي بين الصفا والمروة[148]. بل لقد اعتبر أن ثنائية الطواف/السعي هي ما يختصر الحج بأكمله، والفلسفة الإيمانية برمتها .[149]

وبالإمكان اختصار تقابلات شريعتي بخصوص الطواف والسعي، في الجدول التالي:

الموضوعالطوافالسعي
الدافعالحبالحكمة
المقصدالحق (المبدأ)الحاجة (المصلحة)
العلاقةكلهم هوكلهم أنت
الإرادةإرادة اللهإرادتك
أنتفراشةنسر
الهدفالفناءالنمو

حمودي من جهته، لم يؤشر بشكل واف على هامش ممارسته لهذه النسيكة. غير أن شخصية هاجر، الشخصية المركزية في السعي، سوف تبرز في ذاكرته عند أخر لحظة من كتابه، حيث سيعتبر، أن قصة الحج برمتها مبنية على قصة هاجر. هاجر التي تختزل، حسب حمودي، علاقة الأنثى بالمجتمع الذكوري، الذي نصب نفسه حارسا على القيم، في حين أنها هي من يحسم اللحظات النوعية في التاريخ البشري، بالرغم مما تبدو عليه من ضعف وإلحاق.[150]

تحكي الروايات التاريخية، أن هاجر كانت أمة سوداء من أيثيوبيا. لجأ إليها إبراهيم بعد يأس من أن تلد له سارة، سيدة قومها. وبعد أن رزقت هاجر إسماعيل، تتفرع الحكاية إلى اتجاهين: اجتماعي وديني.

النظرة الاجتماعية ترى أن الأمر لم يكن سوى مصادفة، كان لها آثار مهددة لعلاقة إبراهيم بسارة. فدعت إبراهيم إلى التخلص من الأم ووليدها. فميا تشير النظرة الدينية إلى كيفية توزع العطاء الرباني بين بني البشر. إذ لا أحد بإمكانه الاستئثار بكل شيء. فكان أن أتى الأمرُ الإلاهي بأن تهاجر الأم ووليدها إلى مكان قفر سيكون له شأن عظيم.

في حكاية هاجر بالذات، يتداخل بقوة، هذان الخطان: فغيرة سارة لم تكن خافية، كما أن التقاء الرغبة في إيجاد حل اجتماعي لسيدة غيور، مع حدث ديني كبير مرتقب، اختار هاجر أن تكون بطلة له، هو ما يعطي للحكاية زخمها[151]. وفي لحظة نادرة، من لحظات التوافق، توافق كل من شريعتي وحمودي، في موقف إهمال هذا الأمر. فقد تحاشى كل منهما، أن يدخل في ذلك النقاش، بعد أن أنهكته مناكفاته في شأن نحر الهدي.

7. التزمزم حياة:

لزمزم زمانان اثنان: زمان هاجر وزمان عبد المطلب.

 فواقعة زمزم الثانية قد حدثت قبل الطواف بعشرين سنة على الأقل، ومع ذلك تأتي في آخر الترتيب الزماني النسكي. ربما يكون البطل الحقيقي لمراد محاكاته هنا هو هاجر، ولم يأت عبد المطلب إلا عرضا.

لكن أهمية التطرق إليه، تكمن في كون قصة إسماعيل مع أمه هاجر، وقصة إسماعيل مع أبيه إبراهيم، سوف تتكرر رمزيا بعد ذلك ب 27 قرنا، بشكل مكثف، قد يغني الدرس السيميائي:

تروي النصوص التاريخية بأن زمزم كانت قد طمرت لعدة قرون، إلى أن قام جد النبي عليه السلام عبد المطلب، بواعز رؤيا رآها، بإعادة حفر البئر. وهذه رمزية أولى.

الرمزية الثانية، تكمن في تراجيديا استتبعت مباشرة هذا الحدث المفرح: ضرورة ذبح أحد أبناء عبد المطلب إيفاء بالنذر.

سيقوم عبد المطلب باستلهام ما قام به جده إبراهيم، بتعويض الموضوع الأصل بموضوع رمزي، ومع غياب التدخل الإلهي المباشر، سيختار آلية “المساهمة” على الإبل حتى يقع عليها السهم، لتكون الإشارة الرمزية بحصول الرضى بالبدل.

سيقع السهم على عبد الله تسع وتسعين مرة، ولن ينجو من الذبح إلا بعد تمام المائة. ولذلك يكنى النبي محمد عليه السلام بابن الذبيحين. كناية عن إسماعيل وعبد الله

فنحن إذن أمام خمس رمزيات:

-عبد المطلب الذي يمثل إبراهيم.

-عبد الله الذي يمثل إسماعيل.

-نذر الذبح الذي يمثل رؤيا الذبح.

-الإبل التي تمثل كبش الفداء.

-المساهمة التي تمثل الإهداء.

في حين أن الرمزية المتطابقة مع ذاتها هي زمزم. وزمزم تمثل الحياة والاستقرار. هنا تجد الرمزية بعدا آخر، حيث يعاد إنتاجها بشكل فعلي في الحياة اليومية للإنسان. وربما يكون هذا المقصد بالضبط، هو من أهم من مرامي ممارسة تجربة الحج.

المبحث الثالث: شعيرة الحج ممكنا مقيدا باعتبارها تجليا كميا:

سنحاول هنا أن نتناول التحديات الواقعية والقيود العملية التي تواجه الحاج خلال هذه الرحلة الروحية، والتي تؤثر في الأخير على مشاعره الدفينة وذهنياته المتفاعلة وسلوكياته المعلنة. ومن خلال دراسة هذه المحاور، نسعى إلى تقديم صورة شاملة للواقع المعاش لشعيرة الحج، مسلطًا الضوء على التفاعل بين التنظيم البشري والتجربة الروحية، وبين القيم الدينية والتحديات العملية. وذلك لأجل تعزيز فهمنا للعمق الروحي للحج.

1. الآليات الضابطة:

يفترض اجتماع تلك الأعداد الهائلة من المسلمين، من مختلف بقاع الأرض، في بقعة مقدسة، لأداء مناسك محددة، ضمن فترة زمنية وجيزة، تعقيدا لوجستيكيا وسوسيولوجيا ضخما. وهو ما يستدعي آليات ضابطة تضمن سلامة وأمان الحجاج، وتوفر الإرشاد والتنظيم اللازمين لأداء المناسك بشكل صحيح ومريح. إذ تلعب تلك “الآليات الضابطة” دورًا حاسمًا في إدارة وتوجيه هذه الجموع الكبيرة. وتعكس هذه الآليات تداخلات متعددة بين الجوانب الروحية والتنظيمية والسياسية، وتبرز كيف يمكن للإدارة الفعالة أن تساهم في تحقيق تجربة حج سلسة ومليئة بالمعاني الروحية. من خلال تحليل هذه الآليات، نستطيع أن نفهم التحديات المعقدة التي تواجهها الجهات المنظمة للحج، وكذلك نستكشف تأثير هذه الترتيبات على تجربة الحجاج أنفسهم، من حيث الشعور بالأمان والانتماء والتواصل الروحي. ويشمل ذلك: حراسة المعابر، وتقتير المعلومة، والتندير والتوفير، والموقف المفروض. وهو ما سوف نكشفه فيما يلي:

1.1. حراسة المعابر: تتضمن حراسة المعابر في الحج توجيه الحجاج وحمايتهم أثناء تنقلهم بين المناسك المختلفة. تنبع أهمية هذه الحراسة من الحاجة لضمان سلامة وأمان الحجاج. يشير النص إلى حالة من الشك والخوف التي يمكن أن تصيب الحاج، مما يعزز الحاجة إلى وجود نظام حراسة فعال يبعث الطمأنينة في نفوس الحجاج. من جهته ينتقد حمودي آلية حراسة المعابر بقوله: “الحكم بهذا المعنى الملموس، ليس إصدار أوامر وتلقي الطاعة، أو الحفاظ على احتكار العنف الشرعي، أن تحكم يعني قبل كل شيء أن تنصب نفسك حارسا للمعابر الضرورية لإشباع الرغبات.”[152].

2.1. تقتير المعلومة: يشير تقتير المعلومة إلى التحكم في تدفق المعلومات، حيث يتم توفير المعلومات الضرورية فقط للحجاج مع حجب التفاصيل الزائدة التي قد تربكهم. بالنسبة لحمودي فهو لا يلقي بالا كبيرا لآلية تقتير المعلومة من ذلك النوع، وإنما يغوص وجوديا بشكل أعمق في معلومة أخطر، فيقول: “إن “المراهنة على وجود الله رابحة دائما والقرار المتخذ عقلاني، رغم المجهول.. المراهنة بين حدين لم تكن ترضيني. كففت ببساطة عن المراهنة. صرت على نحو ما كما كنت قبل أن أقرأ باسكال، لكن، ضحية خوف من أن تأتي قوة خفية لمعاقبتي على الفور، بتهمة إرادة استنفاد طاقات حياتي بنفسي، بتهمة أن لست متيقنا من أي شيء، ولا استبعد أي شيء.”[153]

3.1. التندير والتوفير: تشير آلية “التندير والتوفير” إلى استراتيجية تنظيمية تتعلق بتخصيص الموارد والأماكن بشكل فعال، لضمان تحقيق الأهداف المطلوبة. ويرصد حمودي هذه الآلية أيضا، ويعبّر عليه بما يلي: “كان مجتمع القنص والجني الذي اختفى منذ أزمنة، ولم يبق منه على وجه الأرض إلا جماعات مشتتة في طريق الانقراض، قد ظهر في حلة جديدة وبرهن على نجاعته. تقنيته الأساسية تكمن في إفراغ مناطق من الفيافي والغابات من الطرائد، قصد تجميعها في امكنة ملائمة للقنص. منطق مبني على ثنائية التندير والتوفير في آن واحد.”[154]

4.1. الموقف المفروض: تعكس آلية “الموقف المفروض” جل الصراعات السياسية والدينية التي تؤثر على الحج. هذه الصراعات تظهر في التوترات بين المذاهب المختلفة والتحديات التي تواجه الإدارة الحالية للبقاع المقدسة. يقدم حمودي انتقاداته لتدبير تلك الصراعات المرتبطة بالحج، فيقول: “كثيرون منا يعلمون أن إيران والعراق يطعنان في مشروعية هذه الحماية الوهابية للبقاع المقدسة، وأن “وضع اليد” هذا محل اعتراض، وأن حركات واضطرابات بل مواجهات دامية كما حصل ليست مستبعدة.”[155] ، كما يضيف حمودي تفاصيل أخرى عن تلك الصراعات الدينية، فيقول: إن “الخصومات شديدة بين أنصار الوهابية وأنصار المالكية… وتتخذ معاملة الجسد قيمة مؤشر قوي.” [156]. ويتابع حول تأثير الخطابات الدينية المختلفة: مثل “الخطابات الرسمية الدينية العنيفة تجاه الناس.”[157]  و”” الخطابات المعارضة الدينية العنيفة تجاه الناس والأنظمة.” [158] ، كما يشير النص إلى الفوضى الناتجة عن تنوع الأصوات الدينية والسياسية: ف “في الثانوية، في ذلك العهد، كانت هذه الأصوات تتصادم وتختلط في نوع من الفوضى مع السلفية الوطنية أو البعثية أو الناصرية، دون شك بسبب قلة التجربة.”[159]، كما “التشدد الإسلامي والطبقية كانا على ما يبدو متحالفين في إثبات تقليد عائلي.”[160].. ويختتم بالتعبير عن التأفف من تأثير تلك السلطة الدينية: ” أف من سلطة المنابر، النايات الكبرى للشريعة التي سحقتني في المدينة، تتصاغر حتى التلاشي وراء المكعب الأسود.”[161]

توضح هذه الآليات الضابطة كيف تؤثر جوانب التنظيم والحماية والسيطرة المعلوماتية والصراعات السياسية على تجربة الحج. من خلال تحليل هذه العناصر، يمكن فهم الديناميكيات المعقدة التي تشكل هذه الشعيرة الدينية الكبرى، وكيف تتفاعل هذه العوامل لتؤثر على الحجاج وتوجهاتهم الروحية والاجتماعية.

2. الأهوائيات المتفلتة:

بالرغم من كون تجربة الحج واحدة من أعمق التجارب الروحية التي يخوضها المسلم، ومع ذلك، لا تخلو التناقضات الداخلية التي تنبع من تداخل المشاعر والأهواء المختلفة، تلك التناقضات التي تبرز بشكل واضح خلال مناسك الحج.

من خلال تحليل تجاور الموت والشهوة، والطهارة والدنس، والرحمة والعذاب، والعنف والسلام، يظهر كيفية تفاعل هذه الأهوائيات المتباينة في سياق الحج. هذه الأهوائيات المتفلتة تعكس عمق التجربة الإنسانية في الحج، حيث تتداخل الرغبات الدنيوية مع الطموحات الروحية، مما يخلق تجربة فريدة تجمع بين النقيضين. وقد تظهر هذه التناقضات في سلوكيات ومواقف الحجاج، باعتبار أن فهم هذه التداخلات كجزء من الطبيعة البشرية، التي تظهر بوضوح في هذه الرحلة الروحية المكثفة. وسنقارب تلك المظاهر من خلال المؤشرات التالية:

1.2. تجاور الموت والشهوة: تظهر تجربة الحج تداخلاً معقداً بين مظاهر الحياة والموت، وبين الروحانيات والشهوات الدنيوية. يمكن ملاحظة ذلك من خلال تصريحات حمودي، إذ يقول: “لا أستبعد أن توجد صلة بين تقوي التعبد والمثابرة وتقوي عنفوان اندفاعة الحياة.”[162]. ” إن حجه هذا سيمنحه ترخيصا ليصير أشد شغفا بكسب المال.”[163]. ” لم أكن أتعجب تماما من أننا، ونحن في الطريق نحو هذا الموعد مع موت قد حصل سلف، نحمل في ذواتنا كل هذه الشهوات.”[164]

2.2. تجاور الطهارة والدنس: يواجه الحجاج تبايناً واضحاً بين السعي إلى الطهارة الروحية والواقع المادي الذي قد يعكر صفو هذه الطهارة. يتجلى هذا التباين في المشاهد التالية: “اصطففنا للدخول إلى الحمام الواقع في الممر، لتجديد وضوئنا، لكن أية محنة. رائحة عفنة تصعد من المراحيض والدوش.”[165]

3.2. تجاور الرحمة والعذاب: تعكس تجربة الحج أيضًا تباينًا بين السعي لتحقيق الرحمة وبين المعاناة اليومية التي قد تواجه الحجاج، كما يظهر في هذا الوصف: “غير أن الصورة التي أدهشتني: تشارك نار السيجارة، لم يكن هذا يتلاءم مع الرحمة التي نأتي للبحث عنها في “الحرم الشريف”، ولا كذلك مع الطواف وسعي هاجر.”[166]

4.2. تجاور العنف والسلام: تشهد مناسك الحج تبايناً آخر بين مظاهر العنف والسعي لتحقيق السلام، سواء من خلال التفاعل اليومي بين الحجاج أو من خلال الظروف المحيطة بالحج. يظهر هذا التباين في المشاهد التالية: ” لو كان بالإمكان التحقق من النظريات الداروينية لوجدت في هذه المشاهد دليلها الأوضح، ولكان بالإمكان إدراك ملايين السنين منطبعا في بعض الحركات… يتبقى ما يكفي من اللغة والدين كي يتمكن العنف من التعبير عن نفسه.” [167]. “وما أكثر أشكال السلوك مناقضة لأخلاق الحج حجاج آخرين: التدافعات، الشجارات، تخطي الآخرين قبلك، الحصول على مقعد في الطائرة بكل الوسائل، بالرشوة إذا اقتضى الحال، الاندفاع لاحتلال مسكن أفضل على حساب حجاج آخرين.” [168].

تعكس الأهوائيات المتفلتة في تجربة الحج تداخلاً معقداً بين عناصر متناقضة تتجسد في السلوكيات والمواقف التي يواجهها الحجاج. من خلال تحليل هذه الأهوائيات، يمكن فهم التوترات الداخلية والخارجية التي تؤثر على تجربة الحج، وكيف يمكن لهذه التناقضات أن تعزز الفهم الأعمق لتجربة الحج كرحلة روحية وإنسانية.

– الخلاصة السوسيوسيميائية:

إن العمليات اليبروقراطية في الدول المتخلفة، والتي تسبق “الاستفادة من الحج”، بحكم ما تحمله من تناقضات صارخة لإرغام مشروع الحاج على الدخول فيها بما بتناقض والمقاصد المعلنة للحج نفسه، هي تقنية مسبقة لتفصيم شخصيته حتى فصل بين سلوكه وهو يحضر نفسه للحج، وبين ما سيكون عليه أثناء الحج. إن حالة تشبه إلى حد كبير حالة الاطفال المتعرضون للاغتصاب بشكل مزمن، حيث يضطرون، من أجل تحقيق توازنهم النفسي، كي يقيموا جدارا سميكا بين ما يعانونه أثناء تعنيفهم جنسيا، وبين تعامله العادي مع المجتمع.”[169]، “يقولون ما دام لم يتحقق العدل يبرر لنا ان نفعل مثل الآخرين… أما تخطي القوانين فيبدو مندرجا في ممارسات متقلبة.”[170]

إن التناقض بين القيم التي تحملها الشعائر الدينية والممارسات الفعلية في المجتمع يمكن تفسيره من خلال عدة عوامل تتقاطع في مجالات السوسيولوجيا والسيميائيات. هنا أبرز الأسباب التي يمكن أن تسهم في هذه الفجوة:

خاتمة:

من خلال هذا البحث، حاولنا معالجة شعيرة الحج الإسلامي من خلال ثلاثة مستويات معرفية: الواجب المطلق، الممكن المجرب، والمتحقق المقيد. يتم استخدام تجارب علي شريعتي وعبد الله حمودي لتحليل هذه الشعيرة وفهمها من منظور فلسفي واجتماعي. سنستعرض كل قسم ونحلله بناءً على ما ورد في النص.

فاعتبرنا أن الحج هو محور للعديد من النزعات الروحية والفلسفية، ويتم تناوله من عدة منظورات معرفية ووجودية. يهدف الفصل إلى دراسة الحج كظاهرة متعددة الأبعاد، تبرز الديناميكيات المعقدة بين النظرية والممارسة في السياق الديني.

وقسمنا الدراسة إلى ثلاث مستويات:

1. الواجب المطلق: حيث يُمارس الحج كفعل تعبدي يجسد التعليمات والقيم المنصوص عليها في النصوص المقدسة. يتمحور حول محاكاة نماذج عليا وتجسيد القيم الدينية المستمدة من هذه النصوص. وتمثل الحكايات والأساطير المرتبطة بالحج مثل قصة آدم، إبراهيم، هاجر وإسماعيل أساس هذه الشعيرة، حيث يُعاد تمثيل هذه القصص من خلال مناسك الحج المختلفة.

   2. الممكن المجرب: فأشرنا إلى التجارب الفريدة والاستثنائية التي يقوم بها نخبة من الحجاج، حيث يكتسبون فهمًا أعمق للشعيرة من خلال تجارب شخصية ومتفردة. كما رركز هذا المستوى على كيفية استيعاب الحجيج وتمثلهم للقيم الدينية بطرق مبتكرة ومؤثرة.

3. المتحقق المقيد: وهو الذي يعكس كيفية ممارسة الغالبية العظمى من الحجاج لهذه الشعيرة في إطار محدوديات معينة تشمل الظروف اللوجستية والتفاعلات الاجتماعية والأطر التنظيمية. كما يركز على التحديات الكمية التي تواجه الحجاج وكيفية تعاملهم مع هذه التحديات لتحقيق تجربة الحج.

وفي تطبيقنا تلك المستويات الثلاثة على تجارب شريعتي وحمودي، استخلصنا ما يلي:

1. واقعة الحج كواجب مطلق: حيث عرضنا فيه تصورات شريعتي وحمودي حول الحج من خلال رؤيتهم للقيم المنصوص عليها في النصوص المقدسة وكيفية تمثل هذه القيم في مناسك الحج. كما ركزنا على محاكاة الحجاج لأفعال الأنبياء والأبطال الدينيين وكيفية تأثير هذه المحاكاة على تجربة الحاج الروحية.

2. التجارب النوعية للحج (الممكن المجرب): وقد سلطنا في هذا القسم الضوء على تجارب شريعتي وحمودي الشخصية في الحج، وكيف تميزت تجربتهما بطرق مختلفة. يبرز الاختلاف في المقاربة والتفاعل مع مناسك الحج. كما تناولنا هذه التجارب الفهم الشخصي والتفاعل العاطفي للحجاج مع الرموز والمناسك الدينية.

3. التجارب الكمية للحج (المتحقق المقيد): وقد عالج هذا القسم كيفية ممارسة الحج من قبل الغالبية العظمى من الحجاج والتحديات التي يواجهونها. يتم تحليل التنظيمات الاجتماعية واللوجستية وتأثيرها على تجربة الحج. كما استعرضنا الممارسات العادية للحجاج وكيف تتأثر بالسياقات التنظيمية والاجتماعية.

أخيرا…

فقد حاول البحث تقديم مقاربة معمقة لشعيرة الحج، وهي إحدى الوقائع الدينية الكبرى في الإسلام، من خلال منظور سوسيولوجي-سيميائي. يعتمد على تجارب وتحليلات مفكرين معتبرين، هما علي شريعتي وعبد الله حمودي، لفهم الديناميكيات بين النظرية والممارسة في السياق الديني. بناءً على هذا الإطار المعرفي، يمكننا الإجابة على السؤال المركزي: هل تعتبر الواقعة الدينية جزءًا من التحديات النهضوية المركبة التي نواجهها اليوم؟ أم يمكن اعتبارها مدخلاً موضوعيًا من مداخل الحل والاستجابة؟ فخلصنا إلى النتائج التالي:

  • الواقعة الدينية يمكن أن تكون جزءًا من التحديات النهضوية، إذا ما تم التعامل معها بطريقة تقليدية جامدة: فالثقافات الاجتماعية السائدة قد تحول هذه الشعائر إلى ممارسات شكلية، مما يفرغها من محتواها الروحي والعملي.
  • تفسيرات النصوص الدينية، بشكل غير متسق أو متناقض، قد تؤدي إلى سوء فهم القيم والمبادئ الدينية، مما يساهم في الفوضى والتفرقة والاستبداد. مثل ما يظهر في التعاطي مع التفسيرات المتعددة والمتباينة لرموز الحج ونسكه المتعددة.
  • من خلال التأويل السيميائي للشعائر، إلى أنه، هناك فرصة لفهم الرموز الدينية بشكل أعمق وأكثر ديناميكية، مما يتيح للحجاج إدراك المعاني الروحية والاجتماعية الكامنة وراء هذه الشعائر. هذا الفهم العميق يمكن أن يكون محفزًا لتحول إيجابي في السلوك الاجتماعي.
  • إن التجارب الروحية الفردية والمجتمعية التي تعززها الشعائر الدينية يمكن أن تكون مصدر إلهام لتحقيق الوحدة والتضامن الاجتماعي. تجربة الحج، على سبيل المثال، تتيح للحجاج فرصة للتفاعل مع جماعة واسعة ومتنوعة، مما يعزز القيم الإنسانية المشتركة.
  • إن القيم الدينية بحد ذاتها، كما هي منصوص عليها في النصوص المقدسة، تدعو إلى السلام والتعاون والتسامح: فالعنف والفوضى ليسا جزءًا من هذه القيم، بل هما نتيجة لتفسيرات خاطئة أو استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية واجتماعية ضيقة.
  • إن التفسيرات الإيديولوجية الضيقة التي تتبناها بعض الجماعات الدينية يمكن أن تحول الدين، في حد ذاته، إلى أداة للسيطرة والإقصاء، بدلاً من أن تكون مصدرًا للوحدة والإلهام. فهذه التفسيرات غالبًا ما تتجاهل الجوهر الروحي للدين لصالح أجندات سياسية أو اجتماعية.
  • من الواضح أن هناك قصورا في مناهج التعليم الديني، التي تركز على الجوانب الطقوسية والشكلية، دون الذهاب خلف تلك الأشكال لبلوغ مقاصدها الموصلة إلى القيم والمبادئ الحضارية والإنسانية والأخلاقية التي يحملها الدين. هذا القصور يؤدي إلى انفصام بين ممارسة الشعائر وفهم معانيها العميقة.
  • إن الثقافة السائدة في المجتمعات، قد تفرغ الشعائر الدينية من محتواها الروحي وتحوّلها إلى ممارسات تقليدية روتينية، مما يؤدي إلى انفصال بين القيم الدينية والسلوك الاجتماعي.
  • إن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، تجعل الأفراد ينخرطون في سلوكيات، تتناقض مع القيم الدينية كوسيلة للتعامل مع هذه التحديات.
  • إن التأثيرات الثقافية الخارجية والعولمة، تؤدي إلى تبني قيم وممارسات جديدة تتعارض مع التقاليد الدينية القائمة، مما يزيد من حدة الفجوة بين النظرية والممارسة.

– إن البيئة الاجتماعية والسياسية قد تكون غير داعمة لتطبيق القيم الدينية، حيث يمكن أن تتعرّض القيم الدينية للتشويه أو الاستغلال، لتحقيق أهداف بعيدة عن مقتضيات الممارسة الدينية في حد ذاتها.

وإذا كانت تلك هي الخلاصات المستنتجة من دراسة هذه الواقعة الدينية، المتجلية في شعيرة الحج، ففيما يلي نختم ببعض التوصيات المرتبطة بهذه الدراسة، وهي مناطها المقاصدي النهائي، للإسهام في التفكير بجعل القيم الدينية أكثر فاعلية وجدوائية في مشروع النهوض في الأمة الإسلامية، وفيما يلي بعض توصيات:

– من المجدي، الاشتغال على تحديث مناهج التعليم عموما، والديني بشكل خاص، لتشمل فهمًا عميقًا وشاملًا للقيم والمبادئ الأخلاقية للدين، بجانب الطقوس والشعائر. ولكن بعيدا عن الاستجابة للأجندات الخارجية العاملة اليوم في محاولة العبث بمقومات الأمة وقيمها، تحت شعارات مختلفة.

– من المفيد، تشجيع التفكير النقدي والبحث عن الفهم العميق للنصوص الدينية بدلاً من القبول الأعمى، بمقتضيات ذاتية، قد تكون بإعادة الاعتبار إلى المدرسة الشاطبية المقاصدية، والمدرسة الرشدية النقدية، والمدرسة الغزالية الشكية. مما سيساعد الأفراد على فهم المعاني الحقيقية للقيم الدينية وتطبيقها بوعي.

– الوقوف ضد مدرستين متناقضتين: الأولى هي المدرسة الشكلانية الطقوسية الحرفية، المتعاملة مع النصوص، والشعائر الدينية تعاملا قاصرا. وفي نفس الوقت ينبغي الوقوف ضد المدرسة العلمانية الشمولية الاستئصائية، المتعاملة مع مقومات الأمة تعاملا إقصائيا جذريا.

– تشجيع ودعم الأبحاث والدراسات الأكاديمية، من نوعية البحث الذي بين أيدينا، والتي تتناول القيم الدينية وأثرها على المجتمع، مما يسهم في تطوير فهم أعمق لتطبيق هذه القيم. وتعزيز التعاون بين المؤسسات الدينية والأكاديمية لإنتاج بحوث ودراسات تعالج القضايا المعاصرة من منظور ديني وعلمي.

من خلال تنفيذ هذه التوصيات، يمكن تعزيز دور القيم الدينية في مشروع النهوض الاجتماعي والثقافي في الأمة الإسلامية. هذا يتطلب جهدًا مشتركًا بين الأفراد، والمؤسسات الدينية، والحكومات، والمجتمع المدني لتحقيق تأثير فعّال ومستدام.

إنه ما من شك، أنه يمكن اعتبار الواقعة الدينية، مثل شعيرة الحج، مدخلاً موضوعيًا من مداخل الحل والاستجابة للتحديات النهضوية إذا تم فهمها وتطبيقها بشكل صحيح: فالقيم الدينية زاخرة بإمكانات هائلة لتعزيز الوحدة والتضامن الاجتماعي والسلم الروحي.. لكن تحقيق هذه الإمكانات يتطلب تأويلاً دينيًا سليمًا، وتعليمًا دينيًا عميقًا، وبيئة اجتماعية وسياسية داعمة.

انتهى


الهوامش

[1] علي شريعتي، الحج-الفريضة الخامسة، ترجمة: عباس أمير زادة، الناشر: دار الأمير للقافة والعلوم ش.م.م، بيروت، الطبعة الثانية: 2007. وكانت قد صدرت الطبعة الاصلية الأولى سنة 1971.

[2] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010.

[3] تزخر العربية الإسلامية بالكتابة عن الحج، ويمكن أن نذكر هنا على سبيل الاستئناس السريع، الأمثلة التالية:

“إحراز المعلى والرقيب في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والتبرك بقبر الحبيب” لمحمد بن عبد الوهاب المكناسي. و”الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف” لشكيب أرسلان. و”أنس الساري والسارب من أقطار المغارب إلى منتهى الآمال والمآرب سيد الأعاجم والأعارب” لأبي عبد الله محمد بن أحمد القيسي. و “تحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” ابن بطوطة. و”تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار” لابن جبير. و”الرحلة العياشيّة إلى الديار النورانية ” لأبي سالم العياشي. و”الرحلة الحجازية” لابن الطيب الشرقي الفاسي. و”الرحلة الناصرية” لابن ناصر الدرعي. و”الصراع من أجل الإيمان: انطباعات أمريكي اعتنق الإسلام” لجفري لانج. و”الطريق إلى مكة” لمحمَّد أسد. و”الله أكبر” لمحمد حسين هيكل. و”ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة” لابن رشيد السَّبتي. و”مرآة الحرمين” للواء إبراهيم رفعت. و”يوميات رحلة في الحجاز” لغلام رسول مهر. ثم هناك كتابات جامعة لرحلات حج متفرقة، ومنها: “أشهر رحلات الحج” لأحمد الجاسر. و”رحلات الحج” لأحمد محمد محمود. و” المختار من الرحلات الحجازية” لحمد بن حسن الشريف.

نذكر أيضا كتابات عن الحج، لأسماء كانت لها أهداف استشراقية واستكشافية للعالم الإسلامي، ومنها كتابات:

و” اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام” لسفير الفرنسي ليون روش. و” الحج إلى مكة والمدينة” للمستشرق العسكي الإيطالي ريشارد فرانسيس بيرتون. و” الحج قبل مائة سنة ” عن رحلة الضَّابط الروسي عبد العزيز دولتشين، جمع تقاريره الكاتب يفيم ريزفام.  و”رحلة جوزيف بتس الحاج يوسف” للإنجليزي جوزيف بتس. و” من تاريخ مكة” للمستشرق الهولندي سنوك هورجرونج.  ومن آخر ما كتب عن الموضوع رواية حسن أوريد “رواء مكة”، التي صدرت سنة 2017، ويصف فيها تجربته الخاصة.

[4] خاصة وأن السياق الذي نعيشه يتميز بخصوصية بالغة، وتتجلى في أربعة مظاهر على الأقل: فمن جهة، نعيش حالة اتساع صارخة بين الموقع الحضاري للأمة، وبين متوسط التموقع الحضاري لبقة الأمم. ومن جهة أخرى ما نشهده من اضطراب في العلاقات البنية بشكل متصاعد، مدعوما بخلفيات طائفية وعرقية رهيبة. إضافة إلى تزايد تحكم الد+ول الغالبة في مصائر الشعوب العربية والإسلامية، واستغلال مقدراتها وخيراتها، تحت مشروع العولمة، وهو ما غدا أكثر ذكاء وشراسة. وبالموازاة مع كل ذلك، نرى تجذر وتمدد ذاك الداء العضال والمتمثل في الإرهاب العابر للقارات، والذي يبني قراءته على منظومة فهم دينية بالغة التعقيد.

[5] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010. ص: 136.

[6] علي شريعتي: الحج الفريضة الخامسة. ترجمة: عباس أمير زادة، الناشر: دار الأمير للقافة والعلوم ش.م.م، بيروت، الطبعة الثانية: 2007. ص: 297.

[7] قرآن كريم: السورة: 2. الآية: 158.

[8] قرآن كريم: السورة: 05. الآية: 34.

[9] قرآن كريم: السورة: 02. الآية: 200.

[10] جلال الديدن محمد بن أحمد بن محمد المحلى، و جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي: تفسير الجلالين ومعه حاشية هداية الموحدين.مراجعة وتقديم: أحمد عيسى المعصراوي. مدار الوطن للنشر. المملكة العربية السعودية. الرياض. طبعة 2015. ص: 31.

[11] محمد بن مكرم بن منظور: لسان العرب. عناية: أمين محمد عبد الوهاب، محمد الصادق العبيدي. دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي. بيروت. لبنان. الطبعة الثالثة. 1999. مادة شعر. ج:7. ص: 136.

[12] قرآن كريم: السورة: 22. الآية: 34.

[13] قرآن كريم: السورة: 22. الآية 34.

[14] سورة البقرة، الآية: 200. كما وردت آيتان بهما كلمتين تحملان نفس الجذر وهما قوله تعالى: (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك). القرة 196. وقوله تعالى: (منسكا هم ناسكوه) الحج الآية: 67.

[15] صحيح مسلم بشرح النووي 3/419.

[16] لقد اعتمدنا جذر المصطلحين القرآني والحديثي، وهو: (نسك). غير أننا على مضض حدنا عن اعتماد كلمة (منسك) للدلالة على اسم العبادة موضوع البحث، بالرغم من ورودها فيهما، وذلك لاضطرارنا استخدام اسم المكان على وزن (مفعَل) وذلك خشية الالتباس بينهما.

[17] مادتا “شعر” ونسك” عند كل من: الفراهيدي في “كتاب العين”، وابن فارس في “مقاييس اللغة”، والاصفهاني في “المفردات في غريب القرآن”.

[18]  يقول الجوهري صاحب تاج الصحاح: “والشعائر أعمال الحجّ، وكلّ ما جُعل عَلماً لطاعة الله تعالى، والمشاعر: مواضع المناسك. والمشاعر: الحواس. والشعار: ما وليَ الجسد من الثياب، وشعار القوم في الحرب: علامتهم، ليعرف بعضهم بعضاً. وأشعرَ الرجل همّاً، إذا لزقَ بمكان الشِعار من الثياب في الجسد. وأشعرتُه فشعرَ، أي: أدريتهُ فدرَ. (إسماعيل بن حماد الجوهري: تاج الصِحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملاين، الطبعة 4، سنة 1990، ص: 699.)

[19] يقول الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط: “أشعرَهُ الأمر أي: أعلمهُ. وأشعرَها: جَعل لها شعيرة. وشِعار الحجّ: مناسكه وعلاماته. والشعيرة والشعارة والمشعر: موضعها. أو شعائره: معالمهُ التي ندبَ الله إليها وأمرَ بالقيام بها “. (مجد الدين الفيروز آبادي: القاموس المحيط، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1301 هجرية، 2: 60).

[20] أبو بكر جلال الدين السيوطي: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع. تحقيق أحمد شمس الدين. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان. (بدون ذكر رقم الطبعة). ج: 6. ص: 126.

[21] يؤكد على هذا النقد، السوسيولوجي التونسي عز الدين عناية، إذ يقول في مقدمة ترجمته لكتاب علم الاجتماع الديني، لسابينو أكوافيفا وإنزو باتشي: “رغم انتشار أقسام علم الاجتماع، خلال العقود الأخيرة، في جل جامعات البلدان العربية، فإنها ما زالت تشكو بعض النقائص اللافتة، والتي تتجلى أساسا في عدم قدرة علم الاجتماع المستورد على الإحاطة بإشكاليات الاجتماع العربي، والدين إحداها، إذ ثمة اغتراب للمعرفة عن واقعها.” علم الاجتماع الديني: الإشكالات والسياقات، تقديم الترجمة، ص: 7.  هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، كلمة، 2011.

[22] أوغست كونت (1798- 1857) عالم اجتماع فرنسي، مؤسس الفلسفة الوضعية، من أهم أعماله من ستة أجزاء (1842): دروس في الفلسفة الوضعية” Cours da la philosophie positi  ve. . تتجلى أهمية كونت في كونه أول من بلور المفاهيم المؤسسة لعلم الاجتماع الحديث، بل هو الذي طور تسمية هذا المجال الذي أسماه في البداية “الاجتماع البيولوجي” إلى “علم الاجتماع. من بين تلامذته المباشرين في الوطن العربي محمد مظهر باشا، غير أن المعلومات عنه شحيحة، وقد ترجم له بشكل مقتضب عبد الرحمن الرافعي في كتابه: “عصر محمد علي”.

[23] إيميل دوركهايم (1858- 1917) عالم اجتماع فرنسي، من أهم أعماله كتابه (1893): “في تقسيم العمل الاجتماعي” De la division du travail social.  وكتابه (1895): “قواعد المنهج السوسيولوجي” les regles de la method sociologique.

[24] أكوافيفا، سابينو. وباتشي، إنزو: Sociologica del religioni. 1996 “علم الاجتماع الديني” ، ص: 27. ترجمة عز الدين عناية. 2011.

[25] حين نعرض المفاهيم الأولية التي بنت عليها المدرسة الوضعية، فنحن في نفس الوقت نستحضر كم النقد الذي تعرضت له، كما نضع نصب أعيننا مختلف المدارس المستجد في علم الاجتماع الديني، ومنها نظريات السوق الدينية التي أنتجت نظرية العرض والطلب لدارن شِركات، ونظرية الاحتكار الديني لكريستوفر.ج. إليسون، والتي تضرب تصور كونت في التوجه العالمي نحو اللادينية.

[26] يعتمد كونت في تأريخه لتطور الفكر البشري، على ثلاث حالات/مراحل: اللاهوتية والميتافيزيقية والوضعية.

[27] انظر: أكوافيفا، سابينو. و باتشي، إنزو: Sociologica del religioni. 1996 “علم الاجتماع الديني” ص: 32. ترجمة عز الدين عناية. 2011.

[28] جورج سيمل (1858- 1918)، سوسيولوجي ألماني، تأثر بإيمانويل كانط، وأثر وتأثر بماكس فيبر. أهم أعماله كتابه (1900): “فلسفة المال” Philosophie des geldes

[29] أكوافيفا، سابينو. وباتشي، إنزو: Sociologica del religioni. 1996 “علم الاجتماع الديني” ص: 63. ترجمة عز الدين عناية. 2011.

[30] شارل غلوك سوسيولوجي أمريكي ولد سنة 1919، اهتم بسوسيولوجيا الأديان، كان أستاذا بجامعة كاليفورنيا، بمدينة بيركلي، أصدر ستة أعمال كبيرة:  سنة 1965كانت باكورة أعماله كتابه المشترك  ،Religion and Society in Tension “الدين والمجتمع في سياق التوتر” ، وسنة 1968 أصدر كتابه المشترك:  American Piety  “تقوى أمريكا”، وسنة 1971 كتابه المشترك:Wayward Shepherds “الرعاة المعاندون” ، وسنة 1973 كتابه: Religion in Sociological Perspective   “الدين من منظور سوسيولوجي”، كما أصدر سنة 1975 كتابا مشتركا هو Adolescent Prejudice   “تحيز المراهقة” ، وسنة 1979 أصدر كتابه المشترك الاخير: Anti-Semitism in America  “اللاسامية بأمريكا”.

[31] يعتبر الاعتقاد لدى سيمل مجموعة من التصورات التي يبلورها الفرد تجاه إلهه. والتجربة باعتبارها عقلنة الاعتقاد وإدماجه في الفعل اليومي.

[32] وأما بخصوص الممارسة الدينية فهي تفعيل الممارس للتعاليم الدينية، وهنا يحضر بقوة تمييز آلبورت بين الدين الظاهر والدين الباطن. حيث يكون الأول فرصة للانتماء للجماعة الدينية، وأما الثاني ففرصة لتذوق الإيمان الخاص.

[33] هنا تبنينا مفاهيم لسوسيولوجيين كانوا قد اقترحوها لدراسة البنية الدين ككل. لكننا هنا طبقناها على بنية شعائرية محددة، باعتبار أن الشعيرة الدينية تختزل البنية الدينية التي تنتمي إليها الشعيرة ذاتها.

[34] بريان ويلسون (1926-2004) سوسيولوجي أمريكي في علم الأديان، رئيس سابق لمركز المجتمع العالمي من أجل سوسيولوجيا الأديان. ينتمي إلى مدرسة ماكس فيبر.

[35] B. Wilson, The social Dimensions of Sectarianism, Oxford University Press, Oxford 1990.

[36] جان بيير ديكونتشي، سوسيولوجي فرنسي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، جامعة نانتير، باريس.

[37] J. P. Deconchy, Ortondoxie religieuse et sciences humaines, Mouton, Paris, 1980.

[38] هذا يتناسب مع ما أروده ماكس فيبر في مشروعه، نقلا عن سابينوزا وإنزو، في كتابهما: علم الاجتماع الديني:

Economia e societa, Comunita, Milano 1974; Letica protestante e lo spirit del capitalism, Sansoni, Firenze 1980; Sociologia delle religioni, UTET, Torino,1976.

[39] Charles Sanders Peirce: Collected Papers of Charles Sanders Peirce. Book 2 Chapter 3 p vii CHAP. 3. THE ICON, INDEX, AND SYMBOL 1. Icons and Hypoicons p:274.

[40] Ibid: 307.

[41] Ibid: 305.

[42] George Lakoff and Mark Johnsen: Metaphors We Live By. Chapter 2: The Systematicity of Metaphorical Concepts. London: The university of Chicago press. 2003. P: 13.

[43]  Ibid: 254.

[44] Ibid: 180.

[45] Ibid: 44.

[46]  Algirdas Julien Greimas: On Meaning: Selected Writings in Semiotic Theory. Translation by Paul J. Perron and Frank H. Collins Foreword by Fredric Jameson Introduction by Paul J~ Perron. University of Minnesota Press, Minneapolis. Theory and History of Literature, Volume 38. Chapter 8: The Semiotics of Passions. 1987. P: 155.

[47]  Ibid: 63.

[48]  Ibid: 70.

[49]  UMBERTO ECO: Semiotics and the Philosophy of Language. INDIANA UNIVE RSITY PRESS Bloomington. 1984. P: 118.

[50] Ibid: 109.

[51] Ibid: 101.

[52] الحج لدى الديانات: تختلف أشكال وممارسات الحج بين الديانات المختلفة، لكن الهدف الأساسي منها يظل ثابتًا: تحقيق التقرب إلى المقدس، وتعزيز الروابط الروحية والجماعية بين المؤمنين. في هذا السياق، هذه نماذج لشعيرة الحج في بعض الديانات غير الديانة الإسلامية: 1. الحج في المسيحية: هناك رحلات دينية مسيحية إلى الأماكن المقدسة مثل القدس، التي تعتبر وجهة مهمة للحجاج المسيحيين منذ العصور الوسطى. وهي تجمع المسيحيين من مختلف الطوائف والخلفيات.  (Eade, John, and Michael J. Sallnow. Contesting the Sacred: The Anthropology of Christian Pilgrimage. University of Illinois Press, 2000).  .  2. الحج في اليهودية: كان الحج عند اليهود يتمثل في الذهاب إلى الهيكل في القدس خلال الأعياد الثلاثة الكبرى: الفصح، والعنصرة، وعيد المظال. بعد تدمير الهيكل، تغيرت ممارسات الحج. واليوم يزور العديد من اليهود حائط المبكى في القدس كجزء من ممارساتهم الدينية. Gafni, Isaiah. Land, Center, and Diaspora: Jewish Constructs in Late Antiquity. Sheffield Academic Press, 1997. 3. الحج في الهندوسية: يعتبر نهر الجانج وأماكن مثل فاراناسي وجهات حج رئيسية للهندوس. حيث تقام مهرجانات دينية مثل كومبه ميلا، التي تُعَد أكبر تجمع ديني في العالم. Fuller, C. J. The Camphor Flame: Popular Hinduism and Society in India. Princeton University Press, 2004.  4. الحج في البوذية: تشمل مواقع الحج الرئيسية في البوذية لumbini (مسقط رأس بوذا)، وبود جايا (مكان تحقيق بوذا للتنوير)، وسارناث (مكان أول خطبة لبوذا)، وكوشيناغار (مكان وفاته). Bechert, Heinz, and Richard Gombrich. The World of Buddhism: Buddhist Monks and Nuns in Society and Culture. Thames & Hudson, 1984.  5. الحج في الديانات الوثنية القديمة: كانت للوثنيين مواقع حج مقدسة مثل معبد دلفي في اليونان، وستونهينج في بريطانيا. كانت هذه المواقع تُعتبر مراكز روحية حيث يمكن للناس التواصل مع الآلهة. وكانت رحلات الحج في الديانات القديمة تجمع الناس من مختلف المناطق، مما يعزز التبادل الثقافي والتجاري، ويعزز الشعور بالهوية المشتركة والانتماء الروحي. Burkert, Walter. Greek Religion: Archaic and Classical. Blackwell Publishing, 1985.

[53] Science 18 October 2013: Vol. 342 no. 6156 pp. 326-33

[54] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، ص: 145. الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010.

[55] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010. ص: 217.

[56] المرجع السابق. ص: 217.

[57] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ص: 217. ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010.

[58] السابق. ص: 210.

[59] السابق. ص: 218.

[60] السابق. ص: 251.

[61] السابق. ص: 253..

[62] السابق. ص: 259.

[63] لسان العرب، ج:2، ص: 263.

[64] أخرج الأرزقي في “أخبار مكة” ج:2، ص:172 بسنده عن طلق قال: سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه زيد بن صوحان: “أين منزلك بمنى؟” قال: “في الشق الأيسر”. قال عمر: “ذلك منزل الداج، فلا تنزله.”

[65] هنا نستعيد مفهوم دوركهايم للمقدس، من خلال كتابه: “الأشكال أولية للحياة الدينية”، حيث يعني اجتثاث الأشياء من عالم الدناسة إلى عالم القداسة بإسناد وظائف مقدسة لها. ومع استعادتنا له في مستوى أهمية الوظيفة في تغيير طبيعة الفعل والزمان والمكان. إلا أننا نثبت مخالفتنا له، في مستوى إسناد صفة الدناسة المطلقة للعالم العادي. فأفعال وأزمان وأماكن العالم بالنسبة لنا محايدة، لا دنسة ولا طهوره، وما يدنسها او يقدسها إنما هو قداسة او دناسة الوظيفة المسندة لها.

[66] محمد حجو: الإنسان وانسجام الكون، دار الأمان، 2012: الزمن الدائري ص: 165.

[67] علي شريعتي، الحج-الفريضة الخامسة، ص: 122. ترجمة: عباس أمير زادة، الناشر: دار الأمير للقافة والعلوم ش.م.م، بيروت، الطبعة الثانية: 2007. وكانت قد صدرت الطبعة الاصلية الأولى سنة 1971.

[68] السابق. ص: 179..

[69] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، ص: 184. الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010.

[70] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، ص: 185. الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010.

[71] السابق. ص: 16.

[72] شريعتي، الحج الفريضة الخامسة، ص: 250.

[73] حمودي: (أعلم أن تأدية فريضة، مع المسافة التي لدي مع ملولها الإخروي، سيلزمني الخروج عن الأنا التي أمضيت أعواما في بنائه بثمن باهض.) حكاية حج، ص: 13. كما عبر عن ذلك القل بصيغ أخرى، منها قوله: (في مساري، جاء ‏الحج في لحظة غير عابرة. لقد قادتني أبحاثي السابقة إلى تفكير الدين. ولأنني تجاوزت الخمسين صرت أقل تسامحا مع المحافظين الذين يزدادون انتشارا. دفعني بحثي الأكاديمي لمساءلة ‏هويتي. نعم لقد تعاملت مع الحج كمشروع بحث، لكن أيضا تحت ظل رهانات وجودية لم يكن ‏بإمكاني تجاهلها) .ص: 163.

[74] شريعتي: (إن الحج ليس Pelerinage  ، لأن كل Pelerin  له نقطة وصول.. والحج… هو غاية مطلقة وحركة خارجية تلقائية الغاية، وهذه الغاية ليست نقطة يمكن أن ينتهي إليها الإنسان، ولكن يحاول التقرب إليها.) الحج، ص: 151.

[75]  الإحرام: لإهلال بحج أو عمرة ومباشرة أسبابها، والدخول في الحرمة. يقال : أحرم الرجل إذا دخل في الشهر الحرام ، وأحرم : دخل في الحرم. وهو عند جمهور الفقهاء: نية الدخول في حرمات الحج والعمرة. (الموقع الرسمي لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الإسلامية السعودية.

http://hajj.al-islam.com/Page.aspx?pageid=234&BookID=495&TOCID=6)

[76] المواقيت للنسك زمانا ومكانا جمع ميقات وهو لغة: الحد. والمراد به هنا زمان العبادة ومكانها.  المرجع: الموقع الرسمي لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الإسلامية السعودية، http://hajj.al-islam.com/Page.aspx?pageid=234&BookID=495&TOCID=74

[77] الحديث المحدد مرجعا للمواقيت هو ما رواه عن ابن عباس -ما- قال: وقت رسول الله—لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل تهامة وأهل اليمن يلملم فقال: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج أو العمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها)). [رواه البخاري ومسلم].

24 هناك نوعان من المواقيت: زمانية ومكانية: الزمانية وتبدأ من بداية شوال إلى العاشر من ذي الحجة. وأما المواقيت المكانية فخمسة: ذو الحليفة (أبيارعلي) ويلملم (السعدية) وقرن المنازل (السيل الكبير) وادي محرم.

[79] عبد الله حمودي: “نحن على آثار هذه البدايات التي حدثت (قبلنا). لذا علينا أن نعمل كأننا نتخلى عن الذي جاء بعد.” حكاية حج-موسم في مكة، ص: 123.

[80] علي شريعتي: ” ذلك لأنك ستبدأ في النمو خارج قوقعتك كما تنمو نواة التمر. ولهذا أيضا عليك أن تكون واعيا أقصى ما يكون الوعي.” الحج الفريضة الخامسة، ص: 83.

[81] علي شريعتي: “كل شيء يتحرك من طور إلى طور: الحياة والموت.. الموت والحياة.. التحول.. والوجهة: (كل شيء هالك إلا وجهه).” الحج الفريضة الخامسة، ص 78.

[82] عبد الله حمودي: ” الجسد أُحسه يتحول إلى منطقة متحركة من القدسية.” حكاية حج – موسم في مكة، ص: 114.

[83] علي شريعتي: “فإن المرء لا يرتدي ثيابه، ولكن ثيابه هي التي تغطيه.” الحج، ص: 75.

[84] عبد الله حمودي: “والجسد بتخليه عن الحدود، وعن التشكيل الواضح الذي يمنحه له اللباس المخيط، ينقذف في الزمان والمكان اللذين يحولانه.” حكاية حج، ص: 115.

[85] عبد الله حمودي: “نحن منشغلون بالهيمنة على علامات وظائفنا الحيوية وصدها، وملزمون أيضا بالابتعاد عن أنشطة الإنتاج والتدمير.” حكاية حج، ص: 122.

[86] عبد الله حمودي: ” كنا مدعوين لإخضاع هذا (البعد) إلى (القبل)، إلى حركة البدء، التي لفظت بأول جواب: (لبيك..) هذا الجسد، هذا الأنا، لا يعلن استسلاما، بل عودة لإعادة تأسيس.” حكاية حج، ص: 123.

[87] علي شريعتي: ” كن الحي الذي يقترب من الموت، أو الميت الذي يستشعر وجوده.”الحج، ص: 77.

[88] علي شريعتي: “إن الملابس تجعل مفهوم (الأنا) يقتحم، وليس مفهوم النحن.. كلمة (أنا) في الملبس، تأتي في سياق يعبر عن (عنصري) أو (طبقتي) أو عشيرتي) … ولا تعبر عن (أنا) باعتباري إنسانا.” الحج، ص: 76.

[89] عبد الله حمودي: “نحن بهذا قد أقمنا التمييز الجذري بيننا وبين الآخرين، مهما يكونوا، بتخلينا عن الحياة: أقمشتنا البيضاء، تشابه جيدا الكفن. والذراع اليمنى والرأس المكشوفان يوجهاننا ويشهدان على انتقال.” حكاية حج، ص:122.

[90] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ص: 115.

[91] حمودي: (حمودي: صلاة الموتى هذه تدعوني  دائما إلى هذا الترحال نحو الليل. ليلي أنا. أولئك الذين يتخطون العتبة التي تظل فاغرة ، تنتظر اللاحقين.) حكاية حج، ص: 168.

[92] نفسه، ص: 117.

[93] علي شريعتي، الحج، ص: 90.

[94] نفسه، ص: 121: “ارتأى مستشرق أمريكي، ذو علم مهزوز في الحقيقة، أن يترجم: (تحت أمرك، يا …) هذا العالم، مثل عدد من زملائه، الأمين لتقليد الحملة الصليبية بالقلم.وهو تقليد حي وقوي في أمريكا وغيرها، قد صادف هنا دون شك الأساس الحربي لدين (ماهوميت).”

[95] هناك من يميز بين عرفات والرحمة، معتبرا السهل كله عرفات، والجبل في عرفات هو جبل الرحمة.

[96] ورد في تفسير القرطبي: (وقالوا في تسمية عرفة بهذا الاسم لأن الناس يتعارفون فيه، وقيل لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم فكان يريه المشاهد فيقول له: أعرفت؟ أعرفت؟ فيقول إبراهيم: عرفت عرفت. وقيل لأن آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة هو وحواء التقيا في ذلك المكان فعرفها وعرفته.) ص:

[97] حمودي: (ويروون أنه على هذا الجبل التقت حواء آدم بعد الطرد من الجنة وقالت له: “عرفتك”)، حكاية حج، ص: 198.

[98] حمودي: (أصادف ثانية نقطة متناظرة مع نقطة انطلاقي عابرا قوس الدائرة المقابل للذي عبرته بين الوجود بصفتي روحا. ) ص: 198.

[99] المقصود ما ورد في الآية الكريمة في قوله تعالى: ( إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.. ) سورة الأعراف، الآية 173.

[100] حمودي: ( إن الثورة الإهليليجية كالإضمار في اللغة، ترسم التجربة في أشكال منحوتة إلى أقصى حد، تستمد كثافتها في تبسيط صارم.) حكاية حج، ص: 198.

[101] شريعتي: (لقد أسس قابيل قوى الشر الثلاث الكبرى وهي: الطغيان والثروة والنفاق. والتي تولد عنها: القهر والاستغلال وفنون غسل الدماغ. هذه القوى الثلاثة وصفت خير وصف في دين التوحيد: فرعون رمز الطغيان، قارون رمز المال، بلعم رمز النفاق.) الحج، ص: 242.

[102] شريعتي: (في اليهودية تجد الأقانيم الثلاثة كما وصفها فيلون. في المسيحية تجد: الأب والابن والروح القدس. في اليونانية تجد: الوجوه الثلاثة في رأس واحد. في الهندية تجد: الوشنو أيضا بثلاثة رؤوس. في الهندوسية تجد: المينو ذو الأجزاء الثلاثة والجذع واليد. في إيران القديمة تجد: أهوزا ومزدا والنيران الثلاثة التي تسمى: غاشنسب واستخر وبرز ين مهر..) الحج، ص: 240.

[103] حمودي: (الشيطان بالنسبة إلي، قد يكون بعض أشكال السلبي، أي الشر. فكري وعملي اليوميان، خارج الحج، يردان ببذل الجهد للعراك ضد السلبي كلما أمكنني التعرف إليه في السياقات الأشد تنوعا. ير ان ثمة اختلافا كبيرا بين الجهد اليومي من جهة، وبين الجهد المكلل بالنجاح في منى، من جهة اخرى.) حكاية حج، ص: 216.

[104] حمودي: ( رجم الشيطان برجم ذلك العمود، ينبغي فهمه بمعنى أن القيام بأحدما يعني القيام بالآخر.. (أي) نجعل إرادتنا في توافق مع الذين كان عليهم.. أن يهزموا الشيطان.. كل هذه الحركات هي من نمط “أن تفعل مثل” .. التعرف على هذا الفعل والتوافق معه على سبيل التضامن.) حكاية حج، ص: 212.

[105] حمودي: ( أنا نفسي بعد الرجم أحسست بالارتياح والرضى.. كان طبيعي وتصميمي في امتحان عسير، لكني استطعت الارتماء في التيار البشري لإنجاز تلك الأفعال.) حكاية حج، ص: 216.

[106] حسب النصوص التشريعية، فإن الهدي يخص فقط من اختار الحج تمتعا (الإحرام بالعمرة وحدها من الميقات في أشهر الحج، والبقاء في مكة حلالا إلى اليوم الثامن للإحرام بالحج وحده)، أو مقرنا (الإحرام بالعمرة والحج معا). ويحدد ذلك قوله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) البقرة، 196. أما من أفرد ( الإحرام بالحج وحده) فلا هدي عليه.

[107] يوسف شلحت: الأضاحي عند العرب.

[108] شريعتي: (لا تنس أن العاشر من ذي الحجة هو “عيد الفداء، وليس “عيد النصر” .. بعد نجاح الثورة يا جنود التوحيد لا تلقوا بأسلحتكم جانبا، ولا تستغرقوا في نشوة النصر… لقد أطيح بالقواعدالثلاث، لكن الأصنام الثلاثة ضاربة اطنابها في منى.. الثورة دائما في خطر، بما في ذلك أكثرها نجاحا.. لا تكن فخورا حتى بعد أعظم الانتصارات.). ص: 272.

[109] شريعتي: (لقد هزم في خارجك، لكنه قد يستيقظ في داخلك. لقد صرع في الحرب، لكنه قد يستحوذ على السلطة في السلم…  فالشيطان قد ينبذ لأنه كافر، لكنه يعود في هيئة رجل شديد الإيمان.. قد تدفنه في بيت الأوثان، لكنك قد تلقاه منتصبا أمامك على المنبر، قد تقتله في بدر، لكنه قد يعود في كربلاء. قد يطعن في غزوة الخندق، لكنه قد يظهر في مسجد الكوفة. قد تمسك بيدي الصنم هبل في أحد، لكنه سيرفع المصاحف على أسنة الرماح في صفين.) ص: 271.

[110] حمودي: (إنه الانا الذي يسوق الشر. فلا بد من عنف دائم ملائم لإبطال مفعول هذا القرين.. الذي لا يفنى أبدا، يعاود الهجوم دائما. توجد وسائل للدفاع ضد الشيطان، لكن ليس بالمستطاع قتله.) حكاية حج، ص: 222.

[111] شريعتي: ( ذلك لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين.. لاحظ نسبية الأخلاق في مدرسة إبراهيم، وياله من فهم جد مختلف. ) الحج، ص: 217.

[112] شريعتي: (إن الحقيقة والعدل عندما يتوافقان مع الحياة … فإنهما يستعملان كرأسمال .. في هذه الحالة لا يكتفي الناس بالحديث عن العدل، بل يعتقدون إلى جانب ذلك أنهم صالحون باستعدادهم لبذل خدماتهم للآخرين. أما عندما تصطدم الحقيقة والعدل بمسار حياتنا اليومية، ويصبح أنصار الحقيقة والعدل في مأزق خطر… حينئذ تفقد الحقيقة والعدل أنصارهما، فيعز الرفيق.. وقد يسير الإنسان وحده.. وليس معه أحد.) الحج، ص: 223.

[113] شريعتي: (فمن هو إسماعيلك؟ أو ما هو؟ موقعك؟ لقبك؟ مهنتك؟ مالك؟ بيتك؟ مزرعتك؟ سيارتك؟ حبك؟ أسرتك؟ المعرفة؟ الطبقة الاجتماعية؟). الحج، ص: 208.

[114] شريعتي: (لا بد من اختيار أحدهما: الحب والحق… إنهما يتصارعان بداخله: الحب الذي هو حياته، والحق الذي هو إيمانه.) الحج، ص: 217.

[115] شريعتي: (إن هذه معارج الإيمان، وكان لا بد أن تصل إلى مرتبة التضحية بأحب ما عندك وبيدك، فالتضحية  أشد إيلاما من الاستشهاد) الحج، ص 123.

[116] شريعتي: (إن المرحلة الأخيرة في التطور نحو المثال هي مطلق الحرية في مطلق التسليم، أو هي مرحلة إبراهيم، وهي تلك التي تقع بمنى.) الحج، ص: 208

[117] شريعتي: ( النتيجة المتوقعة هي اللجوء إلى التفسير والتأويل، ينشد عندهما مخرجا.. و.. إن الأسوأ من التأويل الخاطئ هو التوضيح السليم الذي يتعمد ذكر حقيقة وإخفاء أخرى.) الحج، ص: 218.

[118] حمودي: ( منذهل من مشهد مشهد هذا العنف الساكن في قلب الشعائر، يضاعف من ذلك أن الشعائر تعيدنا إلى الله والسلام.) حكاية حج، ص: 207.

[119] حمودي: (ما تم قبوله ينتهك مرتين.. إذ ينضاف قتل الإبن إلى قتل البريء.) ص:222.

[120] حمودي: ( مشهد هذه المحتشدات الحيوانية اتلمنذورة للتدمير يفسد نهاائيا مشهد الأب المتوحد، وهو يقدم ابنه ذبيحة مستجيبا للأمر الإلهي. تلك الصورة تدرج التعاسة في معجزة افتداء الحمل للابن. لا شك أن لتحديث الحج دورا في ذلك.) ص: 205.

[121] حمودي: (نحن مجتمعون هنا لخلاص حياتنا، وهذا الخلاص يطالبنا بإبادة كل هذه الحيوانات. كتلة من الحجاج الذين بلغوا ذروة الاستسلام، بعد مقام عرفة، والصلاة بمزدلفة، والرجم بمنى، ستقتل الملايين من هذه الحيوانات. ) ص: 204.

[122] حمودي: أتجنب الآيات التي تهدد غير المتحمسين والكفار بالنيران الأبدية…. عدت لحظة لقراءتي ولسورتي المفضلة، حيث الله فيها هو النور، لا يوصف بصفات الغضب… مجرد نور محيط يصدر عن مشكاة فيها زيت، من زيتونة لا شرقية ولا غربية… نشوة. هذه الآيات، تحكم لنفسها ضد بعض ممارسات المعرفة، التي كثيرا ما تسقط في الابتذال والصراع اللاهوتي.) ص: 145.

[123] عالم معرفي لساني أمريكي، (1941)، أستاذ العلوم المعرفية بجامعة كاليفورنيا.

[124] فيلسوف أمريكي، (1949)، أستاذ الفنون والعلوم الليبرالية، بجامعة أوريغان.

[125] لايكوف وجونسون: ( تنسجم القيم الأكثر جوهرية في ثقافة ما، مع البنية الاستعارية لتصوراتها الأكثر أساسية….. وبهذا يبدو أن قيمنا ليست مستقلة، ولكن عليها أن تشكل مع التصورات الاستعارية التي نحيا بها نسقا منسجما… وبصفة عامة يرتبط اختيار القيم ذات الأسبقية، في جزء منه، بالثقافة الفرعية التي نعيش فيها، وفي جزء آخر، بالقيم التي يختارها كل فرد. إن الثقافات الفرعية المتعددة داخل ثقافة واحدة، تقتسم القيم الجوهرية، وتعطيها أسبقيات متنوعة.) “الاستعارات التي نحيا بها”، دار تبقال للنشر، الطبعة الثانية 2009، ص: 41 و42.

[126] شريعتي، الحج الفريضة الخامسة، ص: 94.

[127] جبلا أبي قبيس وقعيقعان هما أقرب جبلين للحرم، وهما الأخشبان، وحجارتهما سوداء مثل حجارة الكعبة، بالطبع هناك العديد من الروايات تُرجع أصل حجارة الكعبة إلى مصادر متعددة وبعيدة، غير أنها كلها روايات ظنية الثبوت.

[128] شريعتي: ( ذلك أن الله ليس كمثله شيء، فلا هيئة تمثله، ولا لون يشبهه سبحانه) الحج، ص: 98.

[129] شريعتي: ( ما إن تدخل إلى جوار الكعبة حتى  يتوقف نداء التلبية، ويلف الصمت المكان.) الحج، ص: 91.

[130] شريعتي: ( تظل صلاتك كاملة لا تقصرها. إنها أرضك وأنت آمن بها.) الحج، ص: 97.

[131] شريعتي: (قبل مجيئك إلى مكة فأنت غريب بأرضك.. منفي بها.) الحج، ص: 97.

[132] حمودي: (استطعت أخيرا تأملها على مهل، ومثل جميع الناس توقفت غريزيا لحظة.. الدهشة تامة رغم ألفة فورية…. كنت عاجزا عن نزع بصري عن هذا المكعب ذي السواد الحريري… كنا مواجهين الكعبة وحولها، مرتبطين بعضنا ببعض، في تحريم لذاتنا بفضل الإحرام الذي يغير حدود الاجساد والهويات، شهادة على وضع لم يستوعبه وعيي. استبد بي التأثر. صعدت الدموع إلى عيني.. لن أعرف أبدا دون شك، ما يرتبط بهذه الدموع. لكن التجربة التي أحياها كانت حقا ملموسة ومحددة، أحسست كأنما قد عراها النظر إلى “البيت العتيق”.) حكاية حج، ص: 137 و138.

[133] حمودي:( لنتأمل الطوافز المشهد لم يفقد شيئا من قدرته الساحرة. أحسست بالرجفة في ساقي.) حكاية حج، ص:145.

[134] حمودي:(أف من سلطة المنابر، البنايات الكبرى للشريعة التي سحقتني في المدينة، تتصاغر حتى التلاشي وراء المكعب الأسود. منذ الآن وجدت معنى في بعض الأقوال التي سمعتها كثيرا.) ص: 138.

[135] حمودي: (تلك الدوائر تتحرك دون تعجل، أحس قوتها القهرية والهادئة في آن واحد، قوة يمكنها، في براءتها، أن تتجلى على السواء قاتلة أو خيرة.) حكاية حج، ص: 143.

[136] حمودي: (وكأن الجميع على علم، يمر كل واحد دون أن يعير أي اهتمام لهذه الاجساد المتشبثة بالجدران. إننا كلنا في التفرد نفسه الذي يستعيده لنا المكعب الأسود. قدًرت أكثر فأكثر أهمية العودة إلى الطواف.) حكاية حج، ص: 142.

[137] شريعتي: (لا تحسب أن الكعبة بناء فراغ. إنها هنا لها وظيفة العلامة والدليل والمرشد، فهي ليست نقطة النهاية، وإنما هي هنا لتدلك على الاتجاه.) الحج، ص: 96.

[138] شريعتي: (روح الخير التي هي روح الله التي نفخها في هيكلك الطيني تتجلى الآن… تظهر في المكان الذي دخلت منه دائرة الطواف.) الحج، ص: 120.

[139] شريعتي: (أنت الآن متحرر من كل ولاء سابق… عليك أن تنضم إلى الناس.. لا تتوقف بل واصل السير.) الحج، ص: 112.

[140] شريعتي: (الحجر الأسود يمين الله في أرضه… وهكذا تؤدي البيعة لكي تكون حليفا لله.) الحج، ص: 111.

[141] شريعتي: (وبهذا تصبح جزءا من نظام الوجود على الأرض. ) الحج، ص: 114.

[142] شريعتي: (الكعبة ترمز لخلود الله ودوامه، بينما الحركة الدائرية تمثل النشاط الدائم والحركة المستمرة لخلائقه.) الحج، ص: 103.

[143] شريعتي: (فبعد أن كان عاملا في بيت آزر صانع للأصنام، أصبح عاملا في بيت الله يبني الكعبة قلعة التوحيد.” الحج، ص: 123.

[144] شريعتي: ( فأرض الحرم ليست ملكا لأحد، إنها أرض حرة من أي رباط للحكام الطغاة. ولهذا لا يمكن لاحد أن يسيطر عليها.) الحج، ص: 97.

[145] شريعتي: (الآن بعد أن تحررت من ولاءاتك السابقة، وجددت عهدك القديم، مع الله لتكون خليفته حاملا للأمانة التي عرضها الله من قبل.)، الحج، ص: 112.

[146] شريعتي: (وبعد عهدك مع الله تعالى أن تكون إبراهيم في مجتمعك.. أولا: أن تجعل أرضك آمنة كأنك في أرض الحرم.. ثانيا: أن تجعل عهدك كعهد إبراهيم الخليل.. انتصارا للإيمان والتوحيد. ثالثا: أن تجعل ل أرض تكون فيها مسجدا حراما.) الحج، ص: 127.

[147] شريعتي: (يا للدهشة.. بحساب المسافة فالأمر لا يعدو أن يكون خطوات أو لحيظات معدودة من الطواف إلى السعي، لكن البون بينهما شاسع: الطواف الحب المطلق، السعي الحكمة المطلقة، الطواف كلهم هو، السعي كلهم أنت، الطواف غرادة الله وحدها، السعي إرادتك وحدك… الطواف هو الإنسان العاشق للحقيقة، السعي هو الإنسان الباذل وسعه معتمدا على الحقائق.) ) الحج، ص: 134.

[148] شريعتي: ( ” ياهاجر.. يا مثال التسليم والطاعة، يا مثال البطولة العظيمة للإيمان والتوكل، سوف تكونين في كنفي وتحت رعايتي” . أذعنت هاجر تماما لإرادة الله، وتركت طفلها في الوادي. هذا هو أمر الله ونداء الحب.. هل معنى تسليم هاجر أن تقبع في سكون؟ كلا.. نهضت هاجر من فورها ووحدها، وبدأت تجري من جبل جاف “الصفا”، إلى جبل آخر جاف “المروة” .) الحج، ص: 130.

[149] شريعتي: (فريضة الحج، هي التي تربط بين الطواف والسعي، وتحل التناقض الذي أشكل على الإنسان عبر تاريخه: المادية أم المثاليةظ العقلانية أم الروحانية؟ الدنيا ام الآخرة؟ الشهونية أم الرهبانية؟ .. إرادة الإنسان أم إرادة الله؟ .. التوكل على الله أم الاعتماد على النفس؟ ). الحج، ص: 136.

[150] حمودي: (من الممكن أن تنبثق ذات يوم قصة جديدة لهاجر، تواصل بذلك هجرتها وهجرة اسمها، التي ستعيد فيها الانقسامات اللمتأسلمة بين إرادة الحياة، والحراسة الذكروية التي تسهر على الأقانيم، تشكل حبكات مستجدة، ونهايات لا متوقعة. هاجر. وتسمتر الحكاية. ) حكاية حج، ص: 263.

[151] تيار قوي في علم الاجتماع الديني، يعتبر أن قدرة هذا العلم على تفسير الظواهر الدينية بأدوات اجتماعية، هو ما ينسف الأساس الديني من أساسه. لذلك ليس من الغريب أن نجد فقهاء الأديان، ينأون بالظواهر الدينية عن الخضوع لتلك الأدوات، مجتهدين في تسويق تلك الظواهر الدينية، بشكل يظهرها وكأنها تستعصي على الوصف والتفسير باستخدام تلك الأدوات. إشكال جوهري، لو تم حله، لأمكن إدماج الظواهر الدينية في سياق البناء الحضاري الحالي. ولأمكن تنسيب خلاصات العلوم المعرفية، لتخرج من عقدة هيمنة الديني على المعرفي. خاصة وأن الاديان التوحيدية، تعتقد، بشكل واضح (الإسلام) أو ملتبس (اليهودية والمسيحية) في الرسل ذوي الطبيعة البشرية، على خلاف الاديان الوثنية التي تعتبر في الطبيعة الإلاهية لأبطالها.

[152] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، ص: 38. الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010.

[153] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، ص: 160. الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010.

[154] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، ص: 39. الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010.

[155] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، ص: 128. الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010.

[156] السابق. ص:183.

[157] السابق. ص: 135.

[158] السابق. ص: 133.

[159] السابق. ص: 134.

[160] السابق. ص: 165.

[161] السابق. ص: 138.

[162] السابق. ص: 248.

[163] السابق. ص: 250.

[164] السابق. ص: 189.

[165] السابق. ص: 144.

[166] السابق. ص: 170.

[167] السابق. ص: 188.

[168] السابق. ص: 128.

[169] انظر كتاب: تحول أمريكا، 1995 (CATHY OBrien&Mark Philips:Trance Formation of America). والكاتبة كاثي أوبراين وابنتها مارك فيليبس تكشفان من خلال تجربتهما في وكالة المخابرات الأمريكية، أساليب انتقاء العملاء من أمثالهما ممن عانوا من الاغتصاب الجنسي خلال طفولتهم، وذلك من خلال اعتماد برنامجي: MK-ULTRA  و MONARCH. حيث يعانون بفعل ذلك بنوع من الإنفصام، يتمكنون بواسطته من أن يبلوروا دون غيرهم منطقة عازلة في دماغهم تجعلهم أقدر على حفظ الاسرار والعلومات.

[170] عبد الله حمودي، حكاية حج-موسم في مكة، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، ص: 157. الناشر دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى: 2010.

ماهر الملاخ

ماهر الملاخ- باحث أكاديمي وإعلامي- متخصص في سيميائيات الصورة- تحضير دكتوراة في مجال السيميائيات- له عدة بحوث في مجال الدين والتراث والفلسفة والتاريخ والسياسة والتربية- أخرج وأنتج عدة أفلام وثائقية- منتج منفذ برامج تلفزيونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى