العمرانالفن التشكيلي

سكون أعماق لا تكدره رحلة آفاق (نقد سيميائي)

قراءة سيميائية في لوحة عبد الحي الملاخ Lettres de Mellakh (حروف الملاخ)

أولا: بطاقة مرجعية للوحة:
الصورة موضوع التحليل، معروضة على موقع: https://vosartistes.com.
تحت عنوان: حروف الملاخ. الرقم المرجعي: 3911. التقنية: متنوعة. الحامل: ورقي. المقاس: 65 × 50 سم.

ثانيا: تحليل اللوحة:
شعور بالهدوء والسكينة، هو المعنى الأولي الذي تضفيه اللوحة على مشاهدها، من خلال هيمنة اللون الأزرق على الجزء العلوي منها، في شكل طائر أو كائن أزرق اللون. الكائن الأزرق يمثل رمزاً لطائر أو لرمز حرية، يستخدمه عبد الحي في الجزء العلوي، ليعطي اللوحة شعوراً بالحركة والانطلاق.
أما معنى الإشراق والانفتاح فيظهر من خلال اللون الأخضر، الذي يتشكل في شكل مربع، خلف الكائن الأزرق.
ألوان أخرى (الأصفر، الأحمر، الأزرق الفاتح)، أسفل اللوحة، تجذب انتباهك: تتجلى في حروف عربية أو شبح حروف (الواو، والألف، والعين، والنون، والواو مرة أخرى، والحاء، مما يضيف تنوعاً وثراءً بصرياً. وما يثير أكثر ذلك الشكل المستطيل المؤطر لون كأنه لا لون، وكأنه من نور، وكأنه يشير إلى لوحة الكتّاب (الحضار)، التي تّخطّ عليها آيات القرآن للتلاوة والحفظ.

ومع كل ذلك الصفاء والانسجام والتكامل، يتمثل اللون الأحمر بكل جرأة، وربما وقاحة، وسط اللوحة، ليفرض نفسه شاقوليا، وكأنه يشكل المعضلة الكامنة فينا والتي تربك أعماقنا.

والمربع الأخضر قد يرمز إلى نافذة أو باب، مما يعزز فكرة الفتح والانفتاح على عالم آخر.
والموقع السفلي لا يعني بالضرورة: الهامشي المهمل، بل قد يعني العميق المتجذر، وما يؤكد هذا المنحى كون العناصر البصرية أسفل اللوحة، منها ما ينتمي لونيا إلى الغرفة الداخلية، ومنها ما ينتمي إلى الألوان المشعة عبر النافذة. وكأن رسالة عبد الحي تضمر إشارة إلى أننا بقدر ما نمتلك من عناصر تمثل أعماقنا، فإنه يوجد معها ومن نفس طبيعتها عناصر أخرى تنتمي لما هو خارج ذواتنا، فلا خوف من الانفتاح عليه، لأنه لن يزعزع سكينة وهدوء أعماقنا.
في سبيل إرسال تلك المعاني، سعى عبد الحي إلى استخدام أسلوب التجريد، وفاء لمدرسته الفنية، وهو ما يتجلى في جميع عناصر اللوحة، حيث لا تصوير نسخي للأشياء، بل إيحاء واستيهام.
وقد زاوج التجريد بالتباين اللوني، فالخلفية السوداء جعلت الألوان الأخرى تبرز بشكل واضح، مما عزز التباين البصري وجذب انتباه المتلقي.
أسلوب ثالث استخدمه عبد الحي لإرسال رسائله وحروفه، إنه التداخل: فالعناصر البصرية قد تداخلت مع بعضها البعض، مما أعطي شعوراً بالترابط والتكامل بين الأجزاء المختلفة للوحة.
وأخيرا توسل بأسلوب رمزية المضمون، إذ يمكن تفسير اللوحة على أنها: دعوة إلى الجرأة على رحلة روحية أو فكرية. فالكائن الأزرق هو ال”نحن”، وهو يرمز إلى الروح أو الفكر الذي يسعى للحرية والانطلاق، في حين أن المربع الأخضر يرمز إلى ال”آخر”، وهو يرمز إلى التغيير والاستكشاف. كما تمثل الرموز أسفل اللوحة منابع المعرفة والجذر الثقافي الكامن في أعماق الذات، والذي يستند عليه الفنان في رحلته.

غير أن المثير في حركة الطائر، أنه يطير عموديا، غير آبه بالخروج من الداخل نحو آفاق الخارج، وكأنه يرمز إلى التردد الذي يغلب علينا، وحرصنا على إيثار سلامة المحافظة على جرأة المحاولة.
تعد هذه اللوحة نموذجا رائعاً للتعبير التجريدي، والذي يستخدم الألوان والأشكال لنقل الأفكار والمشاعر، من خلال التداخل بين الألوان والأشكال، لتقديم عملاً فني معبر عن الحرية، والأمل، والتواصل مع التراث الثقافي.

ماهر الملاخ

ماهر الملاخ- باحث أكاديمي وإعلامي- متخصص في سيميائيات الصورة- تحضير دكتوراة في مجال السيميائيات- له عدة بحوث في مجال الدين والتراث والفلسفة والتاريخ والسياسة والتربية- أخرج وأنتج عدة أفلام وثائقية- منتج منفذ برامج تلفزيونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى