العطورالعمرانالعمران الماديمن اختيارنا

المعدن الخالص: جابر بن حيان (مقال مترجم)

بقلم تريفور ر. جيتز

(تريفور جيتز، هو أستاذ التاريخ الأفريقي في جامعة ولاية سان فرانسيسكو. وقد ألف 11 كتابًا عن التاريخ الأفريقي والعالمي، بما في ذلك كتاب “أبينا والرجال المهمون”. وهو أيضًا مؤلف كتاب “مقدمة لتدريس التاريخ الأفريقي”، الذي يستكشف الأسئلة حول كيفية تدريس تاريخ أفريقيا في المدارس الثانوية والجامعات.)

سواء كان فردًا أو مجموعة من الأشخاص، فإن عمل جابر بن حيان بالمواد الكيميائية كان مصدر إلهام ودليل للمبدعين اللاحقين للكيمياء.

المحول الأصلي:

سواء أدركت ذلك أم لا، فإنك تستيقظ كل صباح وتقوم ببعض العمليات الكيميائية. فقد تحول السوائل الموجودة في البيض إلى مواد صلبة. وربما تزيل الرطوبة الموجودة داخل الخبز لتحميصه. وفي الوقت نفسه، قد يضيف والداك الماء الساخن إلى حبوب البن المطحونة لإنشاء مركبات جديدة ومعقدة ذات مذاق جيد وتمنحها نكهة الكافيين. الكيمياء موجودة في كل مكان.

الكيمياء هي العلم الحديث الذي يتعامل مع بنية وخصائص المواد وكيفية تحولها. لكن الكيمياء الحديثة لم تنشأ من فراغ. بل نشأت نتيجة لتاريخ طويل من البشر الفضوليين الذين استخدموا التجربة والخطأ للإجابة على أسئلة مثل:

  1. كيف تجعل الأطعمة النيئة صالحة للأكل؟
  2. كيف يتم تحويل الرماد والدهون إلى صابون؟
  3. كيف يتم تحويل الصخور المحتوية على المعادن إلى حديد؟

كانت أغلب المحاولات تنتهي بالخطأ، ولكن عندما نجحت، نقل الناس الأفكار إلى الأجيال اللاحقة، الأمر الذي ساعد في توسيع نطاق التعلم الجماعي. ولكن هذه الأفكار لم تكن تدرس دائمًا بطريقة علمية. بين أيام التجربة والخطأ ووصول العلم الحديث، كان هناك شيء يسمى الخيمياء. ليس علمًا بالضبط، وليس سحرًا بالضبط، بل يمزج الخيمياء بين الدين والروحانية والتجريب من أجل دراسة خصائص المواد الطبيعية، وخاصة المعادن.

ولعل أعظم الكيميائيين هو جابر بن حيان، وهو مبتكر فارسي مسلم كتب أكثر من 3000 نص عن الكيمياء. ومن بين هذه النصوص:

  1. قائمة – بما في ذلك الأوصاف – لجميع الأدوات والمعدات المعروفة التي استخدمها الكيميائيون اليونانيون والمسلمون.
  2. تاريخ التقدم الذي أحرزه الكيميائيون الأوائل.
  3. ولعل الأهم من ذلك هو دراسات خصائص المعادن المختلفة.

كما ترى، كان ابن حيان من أوائل الأشخاص الذين وصفوا صفات المعادن المختلفة، وكان لديه سبب وجيه للقيام بذلك. أراد الكيميائيون معرفة كيفية تحويل معدن إلى آخر. حسنًا، ما أرادوا فعله حقًا هو تحويل الرصاص، وهو معدن رخيص، إلى ذهب، وهو معدن باهظ الثمن. كانت الطريقة لملاحقة هذا التحدي هي دراسة صفات كل معدن. ثم كان عليهم معرفة العملية التي قد تتمكن من خلالها من تغيير تلك الصفات.

وفيما قد يكون أهم مساهماته للعلماء اللاحقين، بدأ ابن حيان في دراسة كيفية تغيير المواد عن طريق خلطها باستخدام الحرارة والحامض وغير ذلك من الطرق والأدوات. وتضمنت هذه العمليات:

  1. التقطير – تنقية شيء ما عن طريق غليه ثم التقاط البخار.
  2. الترشيح – وضع مادة ما من خلال مرشح لإزالة الشوائب.
  3. الدمج – خلط مادتين معًا لتكوين مادة جديدة.

وقد أسفرت تجارب جابر بن حيان عن إنجازات شملت عزل حمض الكبريتيك وحمض النيتريك وتنقية الذهب والزئبق. وقد تم تسجيل هذه التجارب ومشاركتها مع الآخرين، وساعدت في إعلام الأجيال القادمة من العلماء. ( BHP وPeter Quatch، CC BY-NC 4.0. )

وفي أثناء عمله في مجال المعادن، تعلم ابن حيان كيفية تنقية الذهب والزئبق. كما عزل مواد يمكن استخدامها لتحويل معادن أخرى، بما في ذلك حمض الكبريتيك وحمض النيتريك.

مجرد رجل؟ أم مدرسة؟

من هو هذا الرجل العبقري الذي كتب 3000 نص واخترع طرقًا جديدة لتحويل المواد؟ لا يزال الأمر لغزًا. ربما كان هناك رجل يُدعى جابر بن حيان. وقد يكون وُلد في مدينة طوس في بلاد فارس. وعمل لدى الحاكم العباسي هارون الرشيد. كتب بعض النصوص الثلاثة آلاف المرتبطة باسمه. لكن من المرجح أن الكثير من الأعمال التي يربط الناس اسمها بها كتبها أشخاص آخرون عاشوا في نفس الوقت تقريبًا أو بعده.

لذا، إذا كان هذا صحيحًا، فنحن ننظر إلى شيء أكثر إثارة للاهتمام من مبتكر واحد. ربما ننظر إلى مدرسة كاملة من الكيميائيين. ربما كان العديد منهم من طلاب ابن حيان، الذين يعملون معًا، ويتبادلون الملاحظات والأفكار، ويمررونها. إذا كانت النصوص الثلاثة آلاف قد كتبها عدة أشخاص أو كثيرون، فلدينا دليل على جهد كبير لفهم المعادن والمواد الأخرى وتحويلها. ربما عملوا جميعًا معًا في مختبر أو ورشة عمل. ربما كانت هناك مدرسة كاملة من الكيميائيين في مكان واحد!

من جابر إلى جابر إلى ….

وإذا كانت مدرسة، فما أعظمها من مدرسة! فقد انتشر عمل جابر بن حيان في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وحُفِظ للباحثين اللاحقين ــ ولا مجال للشك في ذلك. فقد كان لهذا العمل تأثير بالغ. فقد تُرجمت نصوص ابن حيان إلى اللاتينية، وبحلول القرن الثاني عشر، عُثِر عليها في إسبانيا وإيطاليا وإنجلترا. حتى إن مجموعة من المجربين الإسبان في القرن الرابع عشر وقعوا على أعمالهم باسم “جابر” تكريماً لتأثير “جابر”. وفي وقت لاحق، درس السير إسحاق نيوتن ابن حيان، وفي دراساته الخاصة عن طبيعة المادة، أعاد إنتاج بعض هذه التجارب السابقة.

لقد بدا عمل ابن حيان مختلفًا تمامًا عن عمل العلماء المعاصرين. ومع ذلك، مثل العديد من المبدعين العظماء قبل العصر الحديث، ساعد ابن حيان في تمهيد الطريق للعلماء اللاحقين الذين استخدموا المنهج العلمي. تميز عمله بالعديد من الأساليب التي تبناها العلماء اللاحقون. وتشمل هذه بعض المحاولات الأولى لإنشاء قائمة بالصفات التي تقارن بين معدن وآخر. كما اخترع أدوات وسوائل جديدة في طموحه لتحويل مادة إلى أخرى. وأخيرًا، سجل كل شيء بعناية شديدة. سواء كان رجلاً واحدًا، أو مدرسة كاملة أو مختبرًا للعلماء، فإن ابن حيان يمثل خطوة مهمة بين التجربة والخطأ في العمل اليومي وعلم الكيمياء المسجل والمدروس بعناية.

(مصدر المقال: https://www.khanacademy.org/humanities/whp-origins/era-4-regional/x23c41635548726c4:untitled-480/a/read-pure-metal-jabir-ibn-hayyan

ماهر الملاخ

ماهر الملاخ- باحث أكاديمي وإعلامي- متخصص في سيميائيات الصورة- تحضير دكتوراة في مجال السيميائيات- له عدة بحوث في مجال الدين والتراث والفلسفة والتاريخ والسياسة والتربية- أخرج وأنتج عدة أفلام وثائقية- منتج منفذ برامج تلفزيونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى