فوق الأريكة
(خاطرة)
بقلم: ماهر الملاخ
جلسَ هناك شامخا متحديا فوق أريكته، وسط الدمار والخراب، غير مبالٍ بأزيز الرصاص ولا صخب الدبابات.
كان السنوار حينها، يُطل على العالم بعينين واثقتين بالنصر، كأن أريكته وطنه، وحصنه المنيع، وكأن سقف السماء غطاء قلبه المغوار.
كان في عيونهم، مجرد رجلٍ مغامر، يتحدى الموت بلا درعٍ واقٍ ولا سلاح مكافيء.
جلوسه كان رسالة: “هذه الأرض لنا، ونحن أسيادها. ونحن من يملك جذورنا التي تغوص بعيدا في أعماق الأرض. أما أنتم فلا تملكون غير الحديد والنار.” لم يكن صمته استسلاما، بل كان غضبًا نبيلاً، عيونه كانت تقول كل شيء. تخبرهم أن الفناء ليس مصير من يحمل حقه في قلبه، ومصمم عليه.
وحتى حين هدّ جسده التعب والنزيف، وآوى مرة أخرى الى أريكته، وطلّت عليه الطائرة في جبن وخوف، كانت عيناه تنفثان نارا وشررا. وحين حاصرت المدرعة المكان، وصوّبوا نحوه قذائفهم، ظل فوق الأريكة جالسا، بنفس الهدوء الذي كان عليه من قبل، وكأنّ الزمن قد توقف، وكأن التاريخ قد تكفل بإذابة صوت القذيفة. وكأنّ الحياة نفسها كلها قد توقفت لترقب في خشوع ذلك المشهد المهيب، حيث السنوار يُؤكد على مرآهم: “أنتم العابرون، ونحن الباقون. أنتم الغرباء، ونحن أبناء الدار. دمّروا ما شئتم، فلن أتزحزح من مكاني هذا، سأكتفي بأن أقذفكم بعصى موسى، لتفتح فجرا جديدا أمام شعبي. ولن تقتلعوا الأرض من قلوبنا.”
ارتفعت سحب الغبار من شدة الانفجار، ومعها تلاشى الدخان، لكن صورة السنوار جالسًا فوق الأريكة كُتب لها الخلود، سكنت في اللوح المحفوظ.
فقة أصبحت أريكة السنوار رمزًا للصمود والثبات، لا تضاهيه نار ولا يهزمه حديد.
ولعلنا به الان، مع من سبقه من الشهداء، “على الارائك متكئون”.