الأدب والشعرالشهودالعمرانتجلي الحريةمن اختيارنا

رسالة السنوار بعد استشهاده

(رسالة افتراضية)

بقلم: ماهر الملاخ

ماذا لو تحدث السنوار بعد استشهاده؟ ماذا كان ليقول لنا وللامة العربية والاسلامية؟

لقد كان ليقول:

يا أمتنا العربية والإسلامية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 لو كان لي أن أعود للحظة بعد استشهادي، لأخاطبكم اليوم من عليين، فإن رسالتي لكم واضحةٌ وبسيطة:

لقد كنتم شاهدين، كيف حاول العدو أن يشوه صورتنا، ويقول إننا نختبئ بين النازحين أو نحتمي بالأسرى، لكن استشهادي على الجبهة الأمامية في رفح كان هو الرد الأقوى على كل ذلك الافتراء.

وكنتم شهداء كيف قاتلنا وواجهن ا ولم نختبئ. وكيف كنا في خط النار الأول، وما ذلك إلا لأننا آمنا بأن هذا وحده هو الطريق إلى النصر.

ولقد مضيت إلى ربي شاهدا وشهيدًا، لكنني لم أكن يومًا وحدي. بل كان معي رجالٌ هم أسود هذه الأمة شجاعة وإقداما، أعدوا ما استطاعوا، وتسلحوا، بعد إيمانهم بما أعدوا، وصمدوا في الميدان صمود السنديان في وجه العاصفة العاتية، وصبروا على التقتيل والتجويع والتعطيش صبر الصبار في وجه الرمضاء المضنية، مدافعين عن الأرض والعرض والمقدسات، عند آخر خط دفاع للأمة، خط عسقلان غزة العزة.

يا أمتي، لقد قيض الله جند الشيطان كي تشهدوا جميعا آخر لحظات حياتي، فرأيتموني أقاتل حتى آخر قطرة من دمي.  وأنا لم أكن أول من يسير على هذا الطريق، ولن أكون الأخير. فالطريق نحو تحقيق مراد الله في بأوائل سورة الإسراء، هو درب طويل، ونحن قد دشنا بداية المسير، فسطرت بمعية إخوتي أول صفحة في كتاب التحرير، وهو سجل الشرفاء الذين آمنوا أن لا حرية إلا بالتضحية، ولا تحرير إلا بالمقاومة، فبادروا بتسجيل أنفسكم فيه، تفوزوا بعز الدنيا وكرامة الآخرة.

يا أمتنا العظيمة،

إن فلسطين في أعناقكم أمانة، فهي ليست فقط لأهل غزة أو الضفة أو القدس، بل هي أمانة الأمة كلها، وهي اختبار الله لصدق انتمائكم لهذا الدين وهذه المباديء. وغدا سيقف كل واحد منكم امام ربه، فيسأله، فردا فردا: لقد كنت حيا والاقصى تحت نير الاحتلال الصهيوني، والشعب الفلسطيني تحت شراسة الظلم والقهر والتقتيل والتجويع. لقد كنت شاهدا على طوفان الاقصى، فماذا قدمت لتلك المعركة؟ وكيف جاهدت تلك الابادة؟ وهل ناصرت ودعمت وساندت إخوانك المقاومين؟ وهل خففت معاناة ذلك الشعب المظلوم؟

يا أمتنا العظيمة

لا تخذلوا غزة، لا تخذلوا الاقصى ولا تخذلوا فلسطين، فتخ لوا أنفسكم.

أما نحن، فقد وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه لن يضرنا من خذلنا أبدا، فمنذ سنين، ونحن نتصدى لأعتى قوة احتلال على وجه الأرض، مستعينين بالله، وبعزيمتنا التي لا تلين. لم نكن نطلب كثيرًا، بل كنا نطلب بعض غيرتكم معنا ونحن نتصدى لوحش دموي مقيت، يريد أن يمحوا قضيتنا من الذاكرة، ويمحق شعبنا من الأرض. لم تكن صواريخنا وعبواتنا ورصاصاتنا منذ 7 أكتوبر، وما قبله، دفاعًا عن شبر ارض يسمى غزة، بل كانت صرخة مدوية لكل الأمة كي تستفيق من سباتها الذي طال، فكل صاروخ قذفناه، وطلقة أطلقناها كانت تقول لكم: لا تركنوا إلى ذلكم، ولا تبيعوا فلسطين بالوعود الزائفة، فتبيعوا كرامتكم وعرضكم وشرفكم.

يا أمتي،

نصرتنا ليست بالكلام، بل بالعمل.

فإنكم تعلمون، أن العدو الصهيوني المقيت، لا يخشى ولا يفهم، سوى من يقف صامدًا في وجهه بالحديد والنار، إذ لا يفل الحديد إلا الحديد. وتذكروا أن فلسطين لن تتحرر عبر المفاوضات الفارغة أو المبادرات الهشة، إنما تتحرر بالدماء، وبالثبات، وبوحدة الصف. أما وإن العدو الحالي قد تخلى حتى عن تلك اللغة الواهمة، وركز بكل وضوح بين السلة والذلة، فلم يبق لكم من مبرر كيف لا تفهموا طبيعة العدو وطبيعة المعركة.

ولذلك، وقفنا شامخين وواجهنا بشجاعة سيف السلة.

كان الثمن باهضا، من دماء شعبنا ومقاومينا، لكننا أيقنا أنها معركة تستحق أكثر وأكثر.

يا أمتنا العظيمة،

اغرسوا حب فلسطين في قلوب أبنائكم. علّموا أبناءكم أن فلسطين ليست قضية حركة أو مقاومة أو شعب، بل هي قضية الأمة كلها. علموهم أن المسجد الأقصى ينتظر من يحرره، وأن دماء الشهداء هي الطريق الذي يضيء المستقبل. لا تدعوا الأجيال القادمة تنسى تضحياتنا، ولا تسمحوا للعدو بأن يغرس الهزيمة في نفوسكم.

يا أمتي،

تذكروا أن المقاومة هي الطريق الوحيد، فلا تتركوا فلسطين وحيدة.

فأنتم ترون كيف يحاولون تفتيتكم، كيف يزرعون الفتنة بينكم، عربا وعجما، سنة وشيعة، شاما وخليجا، مشرقا ومغربا، إنه يفعل كل ذلك لجعل فلسطين مجرد ذكرى مرشحة للنسيان، وأبناء الامة مجرد عبيد مهيأة للخدمة.

ها نحن نسلم لكم الراية لتكملوا المسيرة، فلا تُسقطوها من أيديكم، فدعمكم لغزة اليوم هو دعم لكرامة الأمة كلها، وموت غزة اليوم، هو موت لكل الامة، بل موت لكل العالم.

إن كنتم تريدون نصرة الأقصى وفلسطين، فابذلوا أقصى جهدكم، وأعدوا أقصى وُسعكم. كونوا سندًا لشعبكم الفلسطيني، وظهرا لمقاومتكم الباسلة، ونارا ولهيبا في وجه عدوهم وعدوكم.

وأخيرًا، يا أمتي، اعلموا أن الشهداء لا يموتون، بل يبقى ذِكرهم ونهجهم وفكرهم حيًا في عقول وقلوب الأحرار.

أنا يحيى السنوار، رحلت بجسدي، ورحل قبلي قادة ومقاومون ومواطنون أخيار، وسيلتحق بنا الكثير والكثير.. لكننا تركنا لكم محجة بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. فمن يريد العزة والنصر والتحرير، فليتبع خطانا، وخطى الشهداء والمجاهدين، واعلموا أن العدو الصهيوني لن يمحو ذكرنا، ولن يطمس قضيتنا، ولو تمادى في الإبادة والمحارق. ولكنه لن يتوقف عن ذلك إلا بجهودكم، ولن تتحرر فلسطين إلا بوحدتكم وإيمانكم بأن الحق لا يموت ابدا، وأن أصحاب الحق ينتصرون في النهاية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

#سنواريات

ماهر الملاخ

ماهر الملاخ- باحث أكاديمي وإعلامي- متخصص في سيميائيات الصورة- تحضير دكتوراة في مجال السيميائيات- له عدة بحوث في مجال الدين والتراث والفلسفة والتاريخ والسياسة والتربية- أخرج وأنتج عدة أفلام وثائقية- منتج منفذ برامج تلفزيونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى