التاريخالسياسةالشهودالعمرانالعمران المعنويالفلسفة والتاريختجلي الحريةمن اختيارناموقعنا

في حال الثوار من جنسيات مختلفة بالدولة المستجدة

بين ضرورة الإدماج ومحاذير الاستبداد

بقلم: ماهر الملاخ

تقديم:

بعد كل ثورة، يساهم فيها أبناء دول وجنسيات مغايرة لبلد الثورة، يُطرح للنقاش، وضع الثوار الذين شاركوا فيها، وكانوا جزءا منها. كيف سيتم التعامل معهم؟ إذ هناك من كان عنصر إضرار بالثورة والدولة، ضرر ابن العلقمي للدولة العباسية، وهناك من تمت معاقبته، عقاب الحارث بن أشمر الغساني للسموأل بن عُريض.

وتفاعلا مع ما هو مطروح اليوم، بعد نجاح الثورة السورية في التخلص من استبداد نظام دام أكثر من 52 سنة، وسؤال وضع الثوار غير السوريين بسوريا، يأتي هذا الموضوع: ” في حال الثوار من جنسيات مختلفة بالدولة المستجدة، بين ضرورة الإدماج ومحاذير الاستبداد.”  استكمالا لسلسلة المواضيع المندرجة تحت عنوان: “في تلازم الاستبداد والاحتلال“. وبناء عليه نقول:

الحمد لله الذي أقام سنن العمران على ميزان ثابت بين القوة والعدل، وجعل النصر لمن اجتمعت كلمتهم على الحق والصبر، ورفع شأن المصلحين بعصبيتهم، وجمع شتات أمرهم بوحدتهم، وأسقط الظالمين بفرقتهم وفساد جرائمهم. وصلاة وسلامًا على سيدنا محمد، الذي أسس على دعائم العدل والشورى دولة الإنسان، فأضحت منارا لمن أراد أن يبني كيانا قويما ويقيم كيان الأمن والإيمان.

أما بعد،

فيا أيها الناس، اعلموا أن الثورات على الاحتلال والاستبداد، قد تجمع تحت لوائها أقوامًا من أجناس شتى، توحّدهم غاية مشتركة، غاية التحرر من الظلم والقهر، واستعادة الكرامة والأمن. غير أن البغي لا يُدفع إلا بتقوية شوكة الإيمان، والحرية لا تُسترد في الغالب الأعمّ إلا بعصبية تتجاوز الحدود والأوطان، طلبا للنصرة وردا للعدوان. ولكن، دون ذلك المطلب محاذر ومنزلقات، من ضمنها أن يتحول هذا التنوع في صفوف الثوار، إلى مدخلٍ يعيد إنتاج الاستبداد في الدولة المستجدة، واحتلالا مغلّفا بدثار التحرير والحرية. فإنما الحكم غاية دقيقة، كم زلّت في مسالكه من أقدام، حين لم تستقم العقول، واعتلّت بأمراض التحكّم الأفئدة والنفوس.

وبقدر ما يكون، إدماج الثوار من جنسيات مختلفة في الدولة المستجدة، ضرورة تدعو إليها دواعي النصر وشرف الولاء، بقدر ما تحتمل أن تصبح ضرورةٌ لا تسلم من التقلب وبالًا، إذا ما أسيء تدبيرها، أو أهملت ضوابطها. فقد شهد التاريخ أحوالا تحوّلَ فيه الثائرون بالأمس، ممن جاءوا لنصرة قضية عادلة، إلى وليجة لترسيخ هيمنةٍ جديدة، فطغت عصبياتهم الخاصة على العهد الأول الجامع، غرق الوطن في فوضى الطوائف والأحزاب. ولذلك، أكد غرامشي،  في كتاباته عن “الهيمنة الثقافية”، على أهمية تكوين إجماع وطني جديد بعد الثورة، بما يعني أن يكون إدماج الثوار الأجانب ضمن مشروع ثقافي وسياسي جامع.

واعلموا، أيّدكم الله، أن من أصول العمران أن تُبنى الدّولة على الولاء لغايتها الكبرى، لا على انتماءات ضيقة أو عصبيات دخيلة. فإن غاب العدل، واستبدّت فئة دون أخرى، صار إدماج الثوار بابًا لإعادة إنتاج القهر، وصارت الثورة مرقاة إلى طغيان جديد بثوب مختلف. وإنما النجاة في هذا الباب تتحقّق بضوابط رشيدة: أن يُراعى التوازن في توزيع الأدوار، وألا يُستثنى أحد من سلطان القانون، وألا يُسمح أن تتحول المصلحة الوطنية رهينة الولاءات الخارجية أو المصالح الفئوية. فإن الدولة التي تُقام على هذه القواعد لا تخشى الفتن، ولا تستدرج إلى مهاوي الظلم والاستبداد. وفيما سيأتي من بيان القول، تفصيلٌ لما ينبغي أن يكون عليه القويم من الفعل، في باب إدماج الثوار من هذه الفئة، بين مشروعيةٍ يُراد بها نصرة الحق، ومحاذيرَ تُخشى أن تؤسس لاستبداد الباطل. والله ولي التوفيق.

ثوار الثورة المحمدية والإدماج السلس:

واعلم، أيّدك الله، أن التاريخ يُلقي علينا عبَره، ويعلّمنا من تجاربه، ومن خير ما نستشهد به، سيرة ثورية، كانت خير شاهد وأهدى دليل، إذ أقام النبي، محمد عليه السلام، دولة المدينة على أسسٍ من العدل والمساواة، فوحّد بين المهاجرين والأنصار، وأرسى دعائم دستور جامع شمل الجميع، وقضى على الفرقة التي طالما أسالت من دماء، وجعل الولاء للأمة فوق كل اعتبار. وأول ما بدأ به عليه الصلاة والسلام، أن آخى بين المهاجرين والأنصار. فكانت المؤاخاة أساسًا للوحدة والتكامل، إذ تقاسم الأنصار، أوسهم وخزرجهم، ممتلكاتهم مع إخوانهم المهاجرين، هاشمييهم ومطلبييهم وأسدييهم تميمييهم، حتى لم يبق بينهما غريب ولا غربة. فكان هذا الصهر الكامل، تعصيبا للحق من الفرقة، وتعضيدا للدولة من الشقة. ثم استتبع ذلك، عليه الصلاة والسلام، بصياغة دستور عادل، حفظا لحقوق أمم المدنيين، مسلمين ويهود ووثنيين. فكان عقدًا اجتماعيًا جامعًا، ومرجعا قانونيا قاطعًا، وسدا سياسيا مانعًا. حتى إذا ما اشتدت بالمتعاهدين المحن، كانت المدينة لهم صحنا حصينا، لا شقوق فيه ولا فطور. كلما أراد بها معتدٍ شرا، إلا ارتد إليه كيده وهو حسير.

في دواعي إدماج الثوار بالدولة المستجدة:

إن من أول دواعي دمج الثوار من جنسيات أخرى، في بنية الدولة الجديدة، بعد نجاح الثورة، حق الأنصار على المنتصرين،

بفضل ما قدموا وضحوا، لما فيه من تعزيز للولاء، وإيواء لهم من شرودهم عن مواطنهم، وحماية لهم من ملاحقة أجهزة بلدانهم. فقد يكون انتماؤهم الجديد، خلاصًا لهم من مصير مجهول، أو اضطهاد في أوطانهم محتوم. ولك أشار جون لوك، في “رسالتان في الحكم المدني” إلى أهمية إشراك قوى المجتمع في بناء نظام حكم ما بعد الثورة، بناء على العقد الاجتماعي، أساس الحقوق والواجبات لجميع الأطراف.

وثاني الدواعي، أن هذه الفئة غالبًا ما تكون كسبًا لعصبية الوطن، كونهم ناصروا قضيته قبل الفتح، فكيف بهم بعد النصر! فالشراكة في الدم، أقصى درجات الولاء، وأكبر حجة على ربط المصير بالمصير. ولنا في التاريخ شاهد قوي، في الثورة الكوبية حين ناصر الأرجنتيني تشي غيفارا القضية الكوبية، وأصبح رمزًا لها أكثر من كثير من أبنائها. لقد جسّد غيفارا، الذي قاتل من أجل تحرير كوبا جنبًا إلى جنب مع فيدل كاسترو، مثالًا حيًا على كيف يمكن للثائر الأجنبي أن يتحول إلى أحد أعمدة الدولة المستجدة، ويدفع بحماسه وإيمانه القضية الثورية إلى آفاق أوسع.

وأما ثالث الدواعي، فإن هؤلاء الثوار، غالبًا ما يكونون من ذوي المهارات، والتجارب والخبرات، التي تُعدّ مفيدة في بناء الدولة وإدارتها، خاصة في مرحلة إعادة تكوينها. فقد يتمتعون بمعارف وشبكات علاقات دولية تُثري العمل الدبلوماسي أو الإداري للدولة الناشئة. وقد أشار أرنولد توينبي، في كتابه “دراسة للتاريخ” إلى أن سقوط الحضارات، غالبًا ما يكون نتيجة عدم استيعاب القوى الجديدة داخل النظام القائم. مما يعني إدماج الثوار الأجانب، ينبغي أن يكون عملية تفاعلية، تهدف إلى تعزيز الدولة وليس تقسيمها.

ولا يُغفل، في رابع الدواعي، أن إدماج الثوار الأجانب يمكن أن يكون للدولة، جزءًا من خطة توسيع نفوذها الجديد، وتعزيزا لعلاقاتها الدولية مع الأوطان الأصلية لهؤلاء. فقد كانت الثورة الجزائرية مثالًا آخر على ذلك، حيث استندت على دعم شخصيات أجنبية آمنت بقضيتها، مما أكسبها نفوذًا دوليًا واسعًا ومصداقية عالمية في مواجهة الاحتلال الفرنسي.

ومن هنا، فإن إدماج الثوار الأجانب، إذا أُحسن ضبطه وإدارته، يُمكن أن يكون مكسبًا للدولة المستجدة، يعزز من قوتها ويزيد من فرص استقرارها ونفوذها.

في احتمال تحوّل الثوار إلى مستبدين:

إن إدماج الثوار من هذه الفئة، وإن كان ضروريًا في سياقه، لما سبق من المقتضيات، إلا أن خطر انقلابه وبالًا على مشروع الدولة المستجدة يظل قائمًا، إذا لم يُضبط بميزان الحكمة، ولم تُراعَ ضبط حدوده الفطنة. فإنما مثل الثورة كالزرع النابت، إن أُهملت عناية جذوره، جفّ ساقه، وفسدت ثماره. ولذلك فاعلم، أن التوازن بين مكونات الدولة المستجدة، شرطٌ لازم لاستقرارها. فإذا مُنحت الثقة المطلقة للثوار الأجانب، دون تحقق من ولائهم، ولا رقابة لتدبيرهم وسلوكهم، كان في ذلك إضرار بأهل البلد، وسببًا في إشعال نيران السخط والغضب. فإنما تُبنى الأوطان بإشراك جميع أهلها، فإن اختل ميزان المشاركة، أصاب الأهلَ الكمد والغُبن، وسعوا إلى الاحتماء بعصبيات طائفية تنصفهم، فإن تُرك الأمر على عواهنه، تسرّب الوهن للدولة من بدايتها، فلا تبرح حتى تنهار وتزول، قبل أن تدرك مرادها الذي قامت لأجله.

وقد رأينا في تجربة السلطنة المملوكية في مصر كيف أدى استئثار المماليك، وهم غرباء عن أهل البلاد، بالسلطة والثروة، إلى خلق فجوة بينهم وبين الرعية، مما أثار استياء العامة. ولمّا زاد تمكين المماليك على حساب أهل مصر، تآكلت عصبية الدولة، حتى ضعفت قوتها أمام الغزاة، فكانت نهايتها على يد العثمانيين عام 1517م. وكذلك، في تجربة الثورة الفرنسية، حين جرى إدماج بعض العناصر الأجنبية التي شاركت في الثورة، واحتكرت هذه الفئات بعض المواقع الحساسة، برزت مخاوف من أن هذه الفئات قد تكرّس مصالحها الخاصة على حساب المبادئ الثورية. هذا الاختلال، فاقم من مغبات صراعات داخلية، أعاقت تحقيق كامل أهداف الثورة. كما ونستحضر، اليوم، حالة ليبيا بعد سقوط القذافي، حيث أدى فشل الدولة الجديدة في ضبط إدماج الثوار الأجانب والمحليين إلى نشوء ميليشيات متفرقة، بعضها موالٍ لقوى خارجية. هذا التفكك جعل الدولة المستجدة أضعف أمام التدخلات الأجنبية وأبعد عن تحقيق استقرارها.

واعلم أن من أخطر ما قد يفسد مشروع الثورة، أن يُترك الثوار الأجانب لتشكيل عصبيات صغيرة ضمن عصبية الدولة، كاستئثارهم بسلطة وأجهزة خاصة، وتخصيصهم بثروات وعطايا وريع ليس لغيرهم، وتركهم يتكتّلون حول قوة ومنعة لا يقتحمها إلا من كان منهم. فإذا أرادت الدولة المستجدة أن تحصّن نفسها من مداخل الاستبداد، وجب أن تتعامل بحكمة مع إدماج هذه الفئة من الثوار، فتجعل من ولائهم للوطن معيارًا، ومن العدالة في توزيع الوظائف شرطًا، ومن الحذر من النفوذ الخارجي واجبًا. فلذلك لا نكلّ من التوكيد، على أن الثورة، وإن نجحت في إسقاط الاستبداد، قد تُعيد إنتاجه إذا تساهلت في صيانة مبادئها، أو أهملت ضوابطها.

فالعدل هو ميزان الثورة، والشورى سياجها، واليقظة عصمتها من التحول والانقلاب.

في ضوابط دمج الثوار في الدولة المستجدة:

واعلم، أيّدك الله، أن من أعظم ما تُحفظ به الدولة المستجدة من مداخل الضعف، أن يكون إدماج الثوار من هذه الفئة على أسس العدل والوضوح، بحيث لا يكون تعيينهم في المناصب ضربًا من المحاباة، على حساب غيرهم من الكفاءات، وفق مبدأ تلازم الاستحقاق والمساءلة. فإنما الأمة التي تُبنى على العدل تظل متماسكة، ولو كثرت أطيافها. ولذلك أشار مالك بن نبي، في كتابه “شروط النهضة” إلى أن بناء الدولة بعد التحرر، يجب أن يقوم على أسس واضحة تشمل الكفاءات بغض النظر عن الأصل أو الانتماء، في إطار مشروع وطني شامل، بعيدًا عن التحيزات. واعلم أن من أعظم الأخطاء، أن تُمنح الثوار الأجانب مكافآت مبالغ فيها تُثير غيرة السكان المحليين واستياءهم، مما يُعمق الانقسامات بدل أن يداويها. وقد رأينا في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، كيف أدت سياسات المحاصصة الطائفية ومنح الامتيازات غير المتوازنة إلى تفاقم التوترات الداخلية، وزيادة الاستقطاب الطائفي، مما أضعف المشروع السياسي للدولة، وجعلها عرضة للنفوذ الأجنبي والانقسامات الداخلية.

واعلم، أن الدولة المستجدة بعد الثورة هي كالغرس الطري، تُؤتى ثماره بالصبر والرعاية، ويُفسده الإهمال والاستعجال. وإن الاستعجال في دمج الثوار من هذه الفئة، وإن كان من متطلبات الوفاء وردّ الجميل، فهو أمر دقيق الحسبان، لا يُؤمن عاقبته إلا بمحكم من الضوابط، وأسيجة من المحاذير. واعلم أن من أعظم المحاذير، الذي جنى على الثورات، أن تسرّب إليها، من ليس منها، بل من يضمر الخراب لها، وهو مما يُعرف اليوم بالثورة المضادة، فسرعان من فشلت، وانتكست على أعقابها. وإن هذه الفئة من الثوار، بقدر ما يكون فيها من المخلصين، فلا يؤمن أن يكون فيها من المندسين، فوجب إيقاظ حاسة الحزم والحذر، دون التسرّع في الاتهام والتخوين. وفي المقابل، شهدنا في رواندا بعد الإبادة الجماعية عام 1994، كيف نجحت الحكومة بقيادة بول كاغامي في دمج مقاتلي الجبهة الوطنية الرواندية، مع الحفاظ على معايير الولاء للوطن ووحدة الهدف، مما أسهم في استقرار الدولة وبناء نظام جديد قائم على المصالحة والوحدة.

واعلم أن دمج الثوار من هذه الفئة، كما يحمل من خير، بإغناء مهارات البلد، بقدر ما يحدث من التحدي في انسجام النسيج الثقافي والاجتماعي. وهو إن كانت مراعاة خصوصياتهم أمر مطلوب، إلا أن شرط انسجامهم ضمن نسيج البلد أمر ضروري ومرغوب. فإنما الأمة تُبنى على الوحدة في التنوع، لا على الفُرقة بالتعدد والتنافر. فقد شهدنا، كيف شهدت بلاد اليوغسلاف فتنا عرقية بعد الحرب العالمية الثانية، فشلت الدولة في احتواء من كانوا جزءا من القتال معها، مما شرذم النسيج الاجتماعي، وأدى إلى مجازر ومذابح.

فإذا أرادت الدولة المستجدة تجنب مداخل الاستبداد، وتُقيم حكمها على أسس العدل والاستقرار، وجب أن تراعي محاذير التحيز والتفريط في هذا الأمر. فإنما الأمة التي تُقيم البناء على قواعد المساواة والولاء الصادق، تحفظ نفسها من الفرقة والتنازع، وتُحصّن دولتها من كل نفوذ خارجي.

فالعدل أساس الملك، والتوازن سياج الأمان، والشورى درع الدولة من مكر الاستبداد ومطامع الاحتلال.

خاتمة:

وأخيرا، رعاك الله، إن إدماج الثوار الأجانب في الدولة المستجدة، وإن كان من مقتضيات الوفاء ورد الجميل، فهو سيف ذو حدين، لا يُفلح في إحكامه إلا من رزق حكمة ورؤية ثاقبة. فإنما الدولة في أعقاب الثورة تكون كالجسد الذي أُنهك بالجهد، فإما أن تتضافر أعضاؤه في التعافي والبناء، وإما أن تتصارع فتُعيده إلى الهدم والانقسام. فيكون أوجب الواجبات، أن تُراعي القيادة الجديدة مصلحة الأمة، جاعلة إياها فوق كل اعتبار، فلا تجعل من دمج الثوار ذريعة لاستحداث استبداد جديد، ولا سبباً في تفكك العصبية الوطنية، ولا مدخلاً لنفوذ خارجي يهدد استقلالها. إن الأمة التي تُحسن استيعاب التنوع، وتصون ولاء المخلصين، وتُقيم ميزان العدل بين أبنائها، فإنها تسير على نهج البناء الراسخ، الذي يستعصي على الرياح، مهما كانت عاتية. وعلى ذلك أكّد فرنسيس فوكوياما، في كتابه “أصول النظام السياسي”، حيث اعتبر بناء مؤسسات قوية، هو ضمان الاستقرار بعد التغيرات.

 فلا يُنال الاستقرار البلدان إلا بحكمة في السياسة، وعدل في الإدارة، ويقظة في الحوكمة، وتعزيز للثقة بالشورى بين الحاكم والرعية. فالعدل قوام الحكم، والوحدة عصبة النجاة، والوعي سياج يحمي من السقوط في مهاوي الاستبداد أو الاستلاب. فإنما العبرة كل العبرة، أن يكون الولاء للدولة والقانون، لا للأفراد والجماعات.. فإنما الثورة الحقة، هي التي تُحسن البناء بعد الهدم، فتُخلّد عزّها، وتُصان من الفتن عرضها.

والله المستعان، وهو خير معين.

ماهر الملاخ

ماهر الملاخ- باحث أكاديمي وإعلامي- متخصص في سيميائيات الصورة- تحضير دكتوراة في مجال السيميائيات- له عدة بحوث في مجال الدين والتراث والفلسفة والتاريخ والسياسة والتربية- أخرج وأنتج عدة أفلام وثائقية- منتج منفذ برامج تلفزيونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى