الشهودالسياسة

الحركات الإسلامية في مسارها الحضاري

تقديم:       نُشر هذا المقال أول مرة بتاريخ: 1997/01/25، بجريدة المستقلة اللندنية، ردا على مضامين حوار كانت الجريدة قد أجرته مع الأستاذ عبد الإله بنكيران، بتاريخ: 1996/11/04. غير أن العدد لم يصل إلى القارئ المغربي، بعد مصادرته من قبل السلطات المغربية بسبب هذا المقال، فعملت جريدة التجديد المغربية مشكورة على إعادة نشره، بتاريخ: 1997/01/25. ونظرا لكون ما ورد في المقال، قد يفسر جزءا من الاحداث الجارية اليوم، بعد توقيع الدكتور العثماني على وثيقة التطبيع، وانطلاق هذا المسار بمبادرات من بعض رموز حزب العدالة والتنمية. فقد ارتأينا إعادة نشره حتى تعم الفائدة، ويغني النقاش في هذا التحول الجاري.

في إطار النقد الإيجابي للذات، يجوز لنا ان نتحاور. وفي مجال تقويم الآراء والأفكار نريد أن نتحدث.. ذلك أن المقال المنشور بجريدة المستقلة بتاريخ 4 نونبر 1996، والمعنون ب: “الحركات الإسلامية والإخفاقات المتكررة” آثار فيه صاحبه الأستاذ عبد الإله بنكيران، مجموعة من الآراء التي تحتاج إلى مناقشة وجدل علمي هاديء ورصين.
وعلى الرغم من أنه قد طرح في المقال عصارة نظرته الخاصة، عارضا فيه كمّا من المواضيع، إلا أني سأحاول مناقشة بعضها الآن، تاركا البقية إما لغيري، أو لنقاش مستقبلي قريب بإذن الله.
ومن تلك المواضيع التي نود طرحها الآن، نذكر:
⁃ مبررات وجود الحركة الاسلامية الحديثة.
⁃ طبيعة تطور فكر وسلوك الحركة
⁃ مشروعية “الأحلام”.

مقدمة:

وإننا سنسعى – في سبيل مناقشة تلك الأفكار – إلى محاولة الكشف عن صور تعاطي الحركة الاسلامية وبعض رموزها، مع تلك المجالات، مبتعدين ما أمكن عن الأسلوب الجارح المباشر، أو التنقيص الساقط المخل بآداب الحوار، او اتهام النوايا والأهداف. غير أن ذلك لن يكون حاجزا دوننا والصراحة المطلوبة للوصول الى هدف اجتراح الداء، وكذا لن يمنعنا من الوضوح الباحث عن بلسم الدواء.

ويبقى أن من ألف نمط الردود التي على شاكلة: “فإن قلت قلنا”، فلن يجد ضالته في هذا المقال، وعلى الله قصد السبيل.

  1. مبررات وجود الحركة الاسلامية:
أن عمر الحركة الإسلامية مرهون بمدى قدرتها على تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والانعتاق من التبعية.

           ليس مقبولا -اليوم – أن نتعامل مع ظاهرة الحركة الإسلامية تعاملا عجاليا غير دقيق، ذلك أنها – كما يتفق عليه أعداؤها قبل أبنائها – أصبح لها من التأثير على جل المستويات، ما يجعلها حركة عالمية بكل المقاييس: لها حضورها القوي، ولا يستطيع أصحاب القرارات الدولية أن يستبعدوها أثناء أي تخطيط أو موقف أو قرار.
لذلك، فإن البحث عن مبرراتها، يفرض علينا استحضار مجموعة الأطاريح التي أرادت تفسير هذه الظاهرة، تفسيرا أقرب إلى العلمية. حيث اختلفت التصورات والمواقف منها، تجلى في عدم الاتفاق على تسمية واحدة أو متقاربة محددة لها:
فمن “حركة الصحوة الإسلامية” إلى “الجماعات الأصولية” إلى “الجماعات المتطرفة” ثم “الارهابية” و”الشمولية” وغيرها…
كما اختلفت التنبؤات بمصيرها وعمرها:
فمن اعتبارها “ظاهرة ظرفية”، إلى اعتبارها “ظاهرة متجذرة وممتدة”..
ويمكن عرض أهم تصورات مبررات وجود الحركة الإسلامية فيما يلي:

      .1.1 التفسير الأيديولوجي: ويقوم على أساس اعتبارها ظاهرة ظرفية عابرة، تدخل في إطار الدورات التي يشهدها العالم العربي الحديث، ابتداء من الدورة الوطنية التي تجلت في الثلاثينيات والأربعينيات، إلى الدورة الاشتراكية خلال الخمسينيات والستينيات. وقد حلت الدورة الأصولية ابتداء من هزيمة 1967، واستمرت خلال السبعينيات والثمانينيات، وهناك من بشرنا بالدورة العرقية خلال التسعينيات.

 .2.1 التفسير السوسيولوجية: ويقوم على اعتبار أن هذه الظاهرة تمثل رد فعل مباشر

لفشل الأنظمة العربية الحاكمة بعد مرحلة الاستعمار: فشلها في تحقيق الاستقلال السياسي الحقيقي، والانعتاق من التبعية، وكذا في إنجاح التنمية الاقتصادية وإنجاز العدالة الاجتماعية. ويرى أصحاب هذا التفسير أن عمر هذه الحركة ستمتد من مرحلة احتجاجها الذي سيتخذ أشكالا متفاوتة – إلى مرحلة فشلها هي الأخرى في تحقيق ما سبق أن احتجت ضده: أي أن عمرها مرهون بمدى قدرتها على تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والانعتاق من التبعية (*).

.3.1التفسير التاريخي: ویری أصحاب هذا التفسير- وقد تبناه صاحب المقال المذكور- أن الحركة الإسلامية رد فعل مباشر على سقوط الخلافة العثمانية. والذي تجلى في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين وإني أرى أن هذا الطرح من أضعف الأطاريح صحة ورصانة، وأكثرها سطحية، وذلك راجع للأمور التالية:
. الأول: إن تأسيس حسن البنا رحمه الله لجماعة الإخوان المسلمين سنة 1928، كما تدلنا على ذلك سيرته[1]، إنما هي تتويج لمجهودات متعددة سبق أن قام بها ابتداء من لجنة الأمر بالمعروف والنهي فن المنكر” الى انضمامه إلى جمعية الشبان المسلمين، وذلك كله حصل قبل سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924، وليس سنة 1933. (…)
⁃ الثاني: إن الحركة الإسلامية الحديثة في شكلها التنظيمي ظهرت إرهاصاتها مع تنظيم أم  

إن الحكم العثماني وإن بقي رمزا من الرموز الشكلية للحكم الإسلامي، وإن حقق في مساره العام مكتسبات عظيمة، إلا أنه أبدا لم يشكل في العقلية الإسلامية الحديثة نموذجا يحتذى، نظرا لممارساته التي تنافت مع مبادئ الإسلام في الحكم.

القرى لجمال الدين الأفغاني رحمه الله، منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ومن هناك تتالت التنظيمات الاسلامية مرورا بالجماعة الإسلامية بباكستان إلى الآن.
⁃ الثالث: إن الحكم العثماني وإن بقي رمزا من الرموز الشكلية للحكم الإسلامي، وإن حقق في مساره العام مكتسبات عظيمة، إلا أنه أبدا لم يشكل في العقلية الإسلامية الحديثة نموذجا يحتذى، نظرا لممارساته التي تنافت مع مبادئ الإسلام في الحكم، ومنها: ترسيخه للاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي والفشل الاقتصادي والميز العنصري. وإن السلطان عبد الحميد رحمه الله لا يشكل في مسار هذا الحكم إلا الاستثناء الذي يثبت القاعدة.
.4.1التفسير الحضاري:
ويقوم على أساس أن الحركة الإسلامية رد فعل لهجمة الحضارة المسيحية اليهودية والمتن ضد الحضارة الإسلامية، حيث استفزت هذه الأخيرة في وجودها وكيانها وهويتها۔ فانتهض رموز هذه الأمة من هنا وهناك: من جمال الدين الأفغاني ببلاد الأفغان، إلى المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي ببلاد المغرب، مرورا بمصلحين ومجاهدين منهم:
منهم قسام فلسطين ومهدي السودان وسنوسي ليبيا وابن باديس الجزائر ..
إن الحركة الإسلامية، وباستعمال المنظور الحضاري، هي قبل هذا وذاك، مظهر من مظاهر سنة الله في تجديد هذا الدين، استجابة كونية لما حدده الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابو داود (كتاب الملاحم: 4291 ) حيث يقول: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”. ولذلك فإن عمر هذه الحركة متوقف على مدى قدرتها على تجديد فهم هذا الدين وتطبيقه، استجابة لحاجيات التدين المتطورة.

  • التطور سنة الحركات: (أو: نتجاوز أخطاءنا بالنقد العلمي لا يجلد الذات🙁
ما لبث خطاب الحركة الإسلامية ينحو نحو العلمية، وما أضحى تقويم الذات ونقدها يتجذر شيئا فشيئا في فكرها وسلوكها التنظيمي، وما أمسى منطق الإقصاء ينزوي قليلا قليلا، لحساب منطق التكامل والتقارب.

                    لقد شهدت الحركة الإسلامية عموما، في مساريها النظري والمراسي، تطورا كبيرا خلال هذا القرن، اختلفت فيه وتباينت بيئتها ونوعية قادتها، فتكونت لدينا تجارب متفاوتة ومتنوعة من حيث الكسب الفكري والتربوي والسياسي. وقد انطبع هذا الكسب بأخطاء مختلفة – كسائر الحركات – من حيث المجال ومستوى الخطورة، اقتضتها قوة الحماس الدافق الذي انبعثت به هذه الحركة استجابة لمقتضيات مراحل النمو الأولى، التي تميزت بطغيان الخطاب التحريضي على الخطاب العلمي، وساد لدى أبنائها إعجاب قوي بالذات فانعكس ذلك على طبيعة الفكر والممارسة، الذي وسم بميسم الانعزال وتبني منطق الإقصاء.
ولكن، وهنا بيت القصيد، ما لبث ذلك الخطاب ينحو نحو العلمية، وما أضحى تقويم الذات ونقدها يتجذر شيئا فشيئا في فكرها وسلوكها التنظيمي، وما أمسى منطق الإقصاء ينزوي قليلا قليلا، لحساب منطق التكامل والتقارب.
غير أن الذي وقع أن التعامل مع هذا الماضي الذي اكتنفته الأخطاء . لم يتم بنفس الطريقة، فأفرز لنا هذا الاختلاف في وسيلة وأداة تجاوز الماضي، نوعين من أنماط التطور: سننيا ومنحرفا.

.1.2 التطور السنني: (او: تجاوز الأخطاء بالتقويم عبر نقد الذات):

أدركت بعض الحركات مكامن أخطائها السابقة، غير أن تلك الأخطاء لم تتحول لديها إلى عقدة تسعى للتخلص منها مهما كان الثمن، فكان أن قامت بعمليتين اثنتين:
. الأولى: التمييز بين الثوابت والمتغيرات: فحددت أهم الثوابت – بعد إقامة العبودية لله في الأرض، في مبرر وجودها، والمتجلي أساسا في مشروع إعادة استرجاع الأمة الإسلامية لدورها الحضاري، بنفس الروح وبنفس القوة، معتبرة أن ما يوصل إلى هذا الهدف عبارة عن وسائل ومتغيرات.
.الثانية: تبني وسيلة النقد الذاتي آلية لاكتساح مكامن الأخطاء وأداة لتجاوزها. فأثرت بذلك المجال الفكري بتراث نقدي ما فتيء يتجذر ويتطور ويؤثر[2].

شهدنا رموزا، تحول لديها الماضي إلى مجال أسود قاتم، فاعتقدت أن الصواب المطلق يكمن في النقيض المطلق لما سبق أن آمنت به، فانتقلت، من النقيض إلى النقيض.

.2.2 التطور المنحرف: (أو: تجاوز الأخطاء بالأخطاء عبر جلد الذات):

وعلى عكس من النمط الأول من الحركات، شهدنا رموزا تحول لديها الماضي إلى مجال أسود قاتم، بفعل ما عانت فيه من جراء التفاعل المطلق مع تلك الأخطاء أيام كانت قائمة، فتكوّن لديها ما يشبه العقدة من الماضي، سعت – في سبيل التخلص منها- لشتى الوسائل، فاعتقدت أن الصواب المطلق يكمن في النقيض المطلق لما سبق أن آمنت به، وهكذا تبنت أداة جلد الذات عوض النقد الذاتي، فانتقلت، بمقتضى ذلك الجلد، من النقيض إلى النقيض.. ودعونا هنا نتحدث بقدر من الصراحة:
إن ما ذكرناه من ملابسات التطور المنحرف، وهذا ليس سبة، يصدق إلى حد بعيد على رموز إسلامية مغربية لها تاريخها وتجربتها، تبنت في مرحلتها الأولى سرية الإطار، وثورية الاختيار، بكل عفوية وتلقائية وإطلاقية، حتى اصطدمت بصخرة الواقع الذي استعصى عن التغيير بتلك الآليات العفوية التلقائية، فعانت ما عانته من جراء ذلك محنة وجزاء

[3]. وبنفس القوة التي تبنت بها تلك الأفكار السابقة، انقلبت ساخطة عليها كافرة بها. وبسرعة أدركت المؤسسات الحاكمة هذه العقدة، كما أدركت أثرها السحري في توجيه المسار الجديد لبعض هؤلاء الرموز المخلصين، فدأبت على استفراغ مشروعهم من كل مضامين المقاومة، وذلك عن طريق الابتزاز السياسي التدريجي الذي أخضعتهم له. هذا الابتزاز الذي قد يكون مس ثوابتهم الأصلية التي بنوا عليها مشروعهم، مثل: مناصرة قضايا التحرر الإسلامية والعالمية وإنكار المنكر السياسي، وفضح واقع حقوق الإنسان المستضعف… ولولا وجود رجال راشدين بينهم، لصار تحولهم إلى ما لا يعمله إلا الله. وللتدليل على ما سبق، سنقتصر على الاستشهاد، على سبيل المثال لا الحصر، بما دار بين بعض من هذه الرموز ومسؤول وزاري سام [4]بتاريخ 1990/02/20 ، حيث علق هذا الأخير على الخطوات التي أنجزتها الحركة لأجل التخلص من ماضي الأخطاء، بقوله:

            “هذا كله حسن… ولكن بقيت دائما هناك علامة استفهام، هل هي جماعة صادقة فيما تقوله وتصرح به؟ أم أنها نفس الجمعية ولكن باسم جديد. وبطبيعة الحال، فإن الانسان المسؤول لا يتسرع في الحكم. ثم بعد ذلك أصدرتم جريدة الاصلاح، وكنا نتتبعها ورأينا أن فيها ما يشير إلى جنوح إلى المواقف المتشددة، وعدد وراء عدد كان لها اتجاه يبتعد عن الاعتدال، من ذلك مثلا: التنويه المستمر بحركة الغنوشي، والتعريض بوزارة الأوقاف. بالإضافة إلى عناوين أخرى تتعلق بحقوق الانسان، مما يجعل الانسان يضع علامة استفهام[5].”

    إن هذا النص التاريخي، يجب أن يستحضر باستمرار، أثناء التأريخ للحركة الاسلامية في المغرب، حتى يسجل للتاريخ بعضا من تقنيات المؤسسات الحاكمة، في تعاملها مع الحركات التغييرية، قصد تليين مواقفها، واستدارجها نحو التطور المنحرف.

إن الفرق الشاسع باختصار بين التطور السنني والتطور المنحرف، هو أن الأول، يكون هدفه تطوير الذات لفهم أعمق للظواهر والمعطيات، وتطوير الأداء والانجاز لتحقيق الثوابت التي تمثل مبرر وجود الحركة. في حين أن التطور المنحرف يكون هدفه هو التخلص – وبكل الوسائل – من وضع سابق هو عبارة عن ماض للأخطاء في الفهم والسلوك، بغض النظر، ودون الانتباه إلى مدى مس تلك العملية بالثوابت/مبرر الوجود. اجتهادا وتفانيا في إعطاء الدليل تلو الدليل على صدق التحول وحقيقة التبرؤ من الماضي.

  • العوامل المحددة لتعامل المؤسسة الحاكمة: أو طبيعتنا المدنية لا تكفي حكامنا:
أدركت المؤسسات الحاكمة هذه العقدة، كما أدركت أثرها السحري في توجيه المسار الجديد لبعض هؤلاء الرموز المخلصين، فدأبت على استفراغ مشروعهم من كل مضامين المقاومة، وذلك عن طريق الابتزاز السياسي التدريجي الذي أخضعتهم له.

           إننا لا نضع إخلاص أمثال هؤلاء الرموز في الميزان، إذ نتفهم القصد الذي بنوا عليه سلوكهم، فهم يحاولون إزالة الخوف من الحركة الإسلامية الذي سببه ذلك الماضي المسجل عليها. هذا الخوف الذي استثمره أعداء الأمة الحقيقيون – مجموعات الضغط الغربية – ليضعوا أبناءها وفئاتها حكاما ومحكومين في حالة اصطراع لا تنقضي.. ولكن ما يلزم استحضاره في ظل هذا القصد هو طبيعة العوامل المحددة لتعامل المؤسسات الحاكمة – نفسها – مع الحركات الاسلامية بالمغرب على الأقل. ومن تلك العوامل:
الوضع الأمني المحلي:
إن المنطق الأمني، من أهم المحددات المعتبرة في التعامل مع الحركة الإسلامية، إذ كلما بدا أن بقاءها على ما هي عليه – أي الاعتراف الضمني وعدم الاعتراف القانوني مثلا – يساهم في الاستقرار، ولا يخل بالأمن الاجتماعي فسيبقى وضعها كذلك مهما حاولت الكشف عن طبيعتها السلمية.
التوازن السياسي الداخلي:

إذا بدا للمؤسسات الحاكمة أن الاعتراف بالحركة ككيان سياسي سيؤدي إلى خلخلة التوازن السياسي الداخلي فإنها أبدا لن تلتفت إلى خطاب الحركة مهما حاول أن يبدو ديمقراطيا.
الحجم الذاتي للحركة:

إن المؤسسات الحاكمة إذا بدا لها أن الحركة أصبح لها من التأثير الجماهيري او النوعي،

إن التطور المنحرف يكون هدفه هو التخلص من وضع سابق هو عبارة عن ماض للأخطاء في الفهم والسلوك، اجتهادا وتفانيا في إعطاء الدليل تلو الدليل على صدق التحول وحقيقة التبرؤ من الماضي.

ما يمكنها من التأثير على الخارطة السياسية، فإنها ستضطر للحوار معها والتقرب منها. ومثال ذلك هذا النص التاريخي السالف الذكر، الذي يجسد اضطرار المؤسسات الحاكمة، للحوار مع كل الحركات الإسلامية بالمغرب، حتى التي كانت تعتبرها متطرفة. وذلك حينما ازداد الرصيد السياسي للحركة الاسلامية مع صعود الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالبلد المجاور، وتحرك الشارع العربي مع الهجمة الأمريكية على العراق.
الضغط الخارجي:

     إذا كانت المؤسسات الحاكمة غير قادرة على مقاومة الضغوط الخارجية التي تؤلبها على مواجهة الحركة، فإن ذلك القمع لن يتراجع، مهما ادعت تلك الحركة أن مشروعها ليس تهديدا للغرب..
          وخلاصة المحور.. إن الاهتمام بنظرة الآخر إلينا، لا يجب أن يصل بنا إلى درجة الوقوع في خطاب جلد ذواتنا، ووقوعنا في مواقف الاستجداء، قصد الحصول على جواز المرور إلى الساحة السياسية ولو من أرذل الأبواب.
لا أحد في الحركة الإسلامية اليوم إلا القليل، يختلف حول ضرورة التفاعل والمشاركة. ولكن النقاش جار حول شروط ذلك التفاعل، وطبيعة تلك المشاركة. وهذا موضوع حبذا تعميقه وتأصيله.

  • أحلامنا الراشدة لاتزال قائمة: (أو: أحلام الطفولة وأحلام الرشد(:

                    بنفس المنطق الذي أوقع البعض منا في جلد ذواتهم، منعهم من التمييز بين الأحلام الراشدة المشروعة والأحلام الساذجة المتجاوزة. إن البعد العقدي الإيماني وأولويته في التفكير[6]، يظهر في الحقيقة على مستوى الوفاء والتعلق بالآمال المشروعة، إذ هو الضامن الوحيد للتماسك النفسي والاجتماعي للحركة، كما يقول جودت سعيد[7].

نعم إنها احلامنا المشروعة: حلم الحرية التي نريدها أن تسود على حساب القهر. وحلم العدل الذي نأمل أن يحل محل الطغيان والظلم. وحلم الشورى الذي نطمح أن يطبع سياسات الحكم في بلداننا.

نعم إنها احلامنا المشروعة:

حلم الحرية التي نريدها أن تسود على حساب القهر.

وحلم العدل الذي نأمل أن يحل محل الطغيان والظلم.

وحلم الشورى الذي نطمح أن يطبع سياسات الحكم في بلداننا…

إنه باختصار حلم كرامة الإنسان، حتى يستطيع هذا الانسان أن يقيم العبودية لله التي تحرره من كل عبودية سواها، فيحقق بذلك عقيدة التوحيد في نفسه فيدخل جنة ربه الكريم.
وأمام محاولات زرع اليأس في النفوس، أجدني مضطرا إلى أن أحيل على مجموعة من المبشرات التي تبقي الأمل الصادق فينا، وتجعلنا لا نقيل ولا نستقيل، مهما أظلمت أمامنا الطرقات، وساد الظلم والقمع والاستبداد، حتى نلقى ربنا منتصرين أو مجاهدين او مستشهدین – وهو عنا راض[8]:
الأولى: حتمية ظهور آيات الله: يقول تعالی : «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق.” (فصلت 53 ).
الثانية: انتشار الاسلام في العالم: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد: “ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر (مدينة) ولا وبر (قرية) إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز به الإسلام، وذلا يذل به الكفر.”.
الثالثة: روما عاصمة اسلامية: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد: “أي المدينتين تفتح اولا: قسطنطينية (اسطمبول) أو رومية (روما)؟ فقال: “مدينة هرقل تفتع اولا. “. وقد فتحت اسطنبول بعد ثمانية قرون على هذه النبوءة على يد محمد الفاتح، ولا شك أبدا أن تفتح روما، طوعا لا كرها، وهذا أغلب الظن، كما فتحت باقي دول الشرق الأقصى، نظرا لميل هذا البلد إلى مسالة المسلمين أكثر من أي بلد أوروبي أخر.
وتكثر المبشرات حتى يطول عرضها: فمنها ما يؤكد عودة الخلافة على منهاج النبوة ومنها ما يبشر بسيادة العدل علي الأرض.. بل كلها لا تدع للإنسان المؤمن إلا باب الأمل مفتوحا.

⁃ خاتمة: أحلام الأمس حقائق اليوم، فاستعدوا للمحن:

إن العدو الصهيوني لم يبلغ بعد مداه، وهو في علوه الكبير سائر، فتهيأوا يا دعاة الاسلام لمحنة لا تترك الواهن اليائس متأرجحا..

            إن الحركة الاسلامية، هي الملجأ الأخير لآمال الأمة، تغذيها بالإيمان بالنصر، وتدفعها

 للصمود، وتوجهها نحو الكرامة… وعليها أن تبقى هكذا، ولو انهارت كل حصون الأمل لدى الغير..

فأما إن غدت في الأخرى منهارة العزائم واهنة الإرادة، بدعوی الواقعية والتعامل مع الحقائق، فعلى هذه الأمة السلام…
          إن العدو الصهيوني لم يبلغ بعد مداه، وهو في علوه الكبير سائر، فتهيأوا يا دعاة الاسلام لمحنة لا تترك الواهن اليائس متأرجحا.. وإنها لدعوة الله سائرة في مسارها الحضاري المبين.
“فإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم…” (محمد: 38).


[1] انظر: حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية.

[2] انظر في هذا المجال على سبيل المثال المراجع التالية: “حتى يغيروا ما بأنفسهم”، لجودت سعيد، و”في ضرورة النقد الذاتي” لخالص جلبي، و”الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية ورؤية نقدية من الداخل”.. وغيرها من المراجع.

[3] المقصود هنا التأكيد على أن الاعتقال والتضييق الذي تعرض له هؤلاء الرموز منه ما يدخل في إطار سنة المحنة نتيجة لاختيار طريق الدعوة، ومنه ما يدخل في إطار الجزاء نتيجة الوقوع في الأخطاء. انظر خالص جلبي، ظاهرة المحنة. هذا التمييز ضروري حتى لا نكون من الذين يجعلون فتنة الناس كعذاب الله.

[4] كان المقصود هنا وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد الكبير العلوي المدغري رحمة الله عليه. وتجدر الغشارة إلى أن كان له الدور الكبير في تقريب الطيف الإسلامي من مؤسسة القصر منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وذلك باقتراح مشروع “جامعة الصحوة الإسلامية منذ الثمانينيات، والدخول في حوار مع الإسلاميين خلال التسعينيات، إضافة إلى اقتراح الشيخ الريسوني لإلقاء الدرس الحسني في رمضان 1999.

[5] انظر: محمد ضريف: الاسلام السياسي في المغرب، ص 173.

[6] يؤكد صاحب مقال “الاخفاقات المتكررة” على أولوية العقيدة أمام السياسة. (والمقصود به الاستاذ عبد الإله بنكيران.)

[7] انظر کتاب: جودت سعيد: فقدان التوازن الاجتماعي ص 74.

[8] انظر كتاب يوسف القرضاوي: المبشرات بانتصار الاسلام سلام.

ماهر الملاخ

ماهر الملاخ- باحث أكاديمي وإعلامي- متخصص في سيميائيات الصورة- تحضير دكتوراة في مجال السيميائيات- له عدة بحوث في مجال الدين والتراث والفلسفة والتاريخ والسياسة والتربية- أخرج وأنتج عدة أفلام وثائقية- منتج منفذ برامج تلفزيونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى